الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

المنافسة القاتلة

16 سبتمبر 2006 01:05
إعداد - عدنان عضيمة: كثيراً ما يتساءل خبراء الاقتصاد: إلى أي مدى يمكن لاقتصاد دولة ما أن يطلق الحرية الكاملة في مجال الاستيراد والتصدير دون أن يصاب بأذى كبير؟، وهل يصحّ دائماً الأخذ بالمبدأ الأساسي للرأسمالية المعاصرة الذي وضعه آدم سميث ويقول: دعه يعمل، دعه يمرّ؟· في تقرير نشرته صحيفة ''ذي وول ستريت جورنال''، يتحدث المحلل وليام إيكيكسون عن شركة ضخمة للغزل والنسيج في جنوب أفريقيا تدعى BMD Textile Ltd أصيبت بكارثة كبرى بسبب المنافسة الحامية التي تعرضت لها مؤخراً من البضائع الصينية؛ وينقل إيكيكسون عن مدير الشركة الذي يدعى بيتر هاوسل ما يرويه من أن شركته تضم مصنعاً عصرياً سبق أن جلبت آلاته الضخمة من ألمانيا التي تشتهر بصناعتها قبل أكثر من عشر سنوات، إلا أن أصحاب القرار فيها يفكرون الآن في إغلاقها بعد أن تدفق النسيج الصيني الرخيص إلى الدولة والبلدان المجاورة، وهو يباع بأسعار لا تكاد تصدق· وفي فترة الازدهار الكبير الذي مرت به الشركة في سنوات التسعينات، كان عدد عمالها وموظفيها يفوق الألفين، إلا أن عددهم الآن لا يزيد عن ·200 والآن أيضاً، يبلغ العدد الإجمالي لعمال مصانع النسيج في جنوب أفريقيا كلها 50 ألفاً بعد أن كان 120 ألفاً قبل عقد من الزمان· ويقول هاوسل في معرض حديثه عن هذا الواقع المؤلم: ''نحن نعيش الآن حالة التقزيم المتواصل، ولم يعد بإمكاننا تحمل المزيد من الضغوط التنافسية؛ وأخشى أننا لن نتمكن بعد الآن من الصمود أمام هذا الكم الضخم من الواردات التي تتدفق علينا من الشرق الأقصى''· ويمكن القول بكل بساطة أن الواردات الرخيصة التي تتدفق من الصين أصبحت تعمل على تدمير صناعة النسيج في جنوب أفريقيا التي سبق لها أن شهدت عهوداً من الازدهار بالرغم من أنها لا تفتقد إلى العمالة الرخيصة وتكاليف التصنيع المتدنية· وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن خطط لمنع استيراد الأقمشة والملابس الرخيصة من الصين؛ إلا أنها تخشى الآن من تداعيات القرار على الشركات العاملة في مجال استيراد النسيج الصيني· ثم إن هذا الإجراء يفتقد أصلاً إلى المبررات الكافية لأن القوانين لا تمنع استيراد مثل هذه السلع من أي بلد في العالم· ويقول التقرير ان الأذى الكبير الذي يلحق بصناعة النسيج في الصين ليس إلا مثالاً واحداً عن معاناة الكثير من الصناعات الأخرى من المنافسة الصينية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء· ويبرز حجم هذه المشكلة الاقتصادية من خلال الإشارة إلى أن صناعة النسيج في جنوب أفريقيا تتركز في إقليم الكاب وتعود إلى بداية القرن التاسع عشر عندما أسس المستوطنون الإنجليز مغازل الصوف· وفي أعوام التسعينات، وبعد سقوط الحكم العنصري وتسلم السود للسلطة، عمدت الحكومة إلى تخفيف القيود المفروضة على تجارة الأنسجة وفتحت الأبواب أمام تصديرها إلى أوروبا· واستفادت جنوب أفريقيا أيضاً من القرار الأميركي الذي صدر عام 2001 بتخفيض الرسوم المفروضة على الأنسجة المستوردة من جنوب أفريقيا· وبعد ذلك انخفضت العملة المحلية للدولة (راند) إلى مستويات قياسية مما أدى إلى تنشيط صادراتها من النسيج إلى مستويات قياسية· ووصل الأمر بشركة (بي إم دي) الحد الذي جعل مدرب الفريق الإنجليزي لكرة القدم يختار قماشها لتفصيل ملابس الفريق التي يخوض بها مبارياته الدولية· وبعد ذلك، وفي عام ،2005 عادت عملة جنوب أفريقيا إلى الارتفاع فيما كان اليوان الصيني ضعيفاً أمام الدولار؛ وكان هذا كافياً لحدوث تراجع كبير في صادرات جنوب أفريقيا وارتفاع كبير في وارداتها بعكس الصين التي عرفت كيف تستفيد من هذا الوضع· وبلغت القيمة الإجمالية لواردات جنوب أفريقيا من الأنسجة الصينية في عام 2005 أكثر من 6,6 مليار راند (913 مليون دولار) ارتفاعاً من نصف مليار راند (70 مليون دولار) عام ·2003 وأمام هذا الوضع المقلق لم يكن في وسع شركة (بي إم دي) إلا أن تحاول المنافسة بتطوير الإنتاج· وقامت مؤخراً بمحاولة أولى تمثلت في إطلاق نسيج جديد يحمل لوحات تعبر عن الحياة التقليدية في الدولة، إلا أنه لم يجد من يشتريه محلياً وعالمياً· ولم يبقَ أمام شركة (بي إم دي) إلا أن تنتظر انخفاضاً مفاجئاً في العملة المحلية وارتفاعاً موازياً في العملية الصينية حتى تعود إلى أيام العز التي شهدتها في السنوات الماضية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©