الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيلم «الزوجة الثانية» يتبرأ من مسلسله

فيلم «الزوجة الثانية» يتبرأ من مسلسله
31 يوليو 2013 22:50
يبدو أن الدراما التليفزيونية المصرية لديها إصرار عجيب على تدمير نفسها، وعلى الهبوط الاضطراري الذي إن دلّ على شيء، فإنما يدل على إفلاسها، بعد أن غاب عنها كبار كتابها وآخرهم أسامة أنور عكاشة (1941 ـ 2010)، وإلا بماذا نفسر هذا اللهاث المحموم وراء تحويل الأفلام العظيمة والكبيرة إلى مسلسلات، لا تنفك عن تكرار نفسها على كافة المستويات؟ فبعد السقوط المريع لمسلسل “رد قلبي” المأخوذ عن واحد من أجمل كلاسيكيات الأسود والأبيض بنفس الاسم من إنتاج رمسيس نجيب عام 1975 للمخرج عز الدين ذو الفقار عن قصة يوسف السباعي، وضم نخبة من ألمع نجوم العصر الذهبي للسينما: شكري سرحان، مريم فخر الدين، حسين رياض، أحمد مظهر، فردوس محمد، صلاح ذو الفقار، رشدي أباظة، زهرة العلا، هند رستم، ونخبة من كبار نجوم المسرح في ذلك الوقت.. كان هذا العمل قويا منحازا للوطنية ضد الطبقية. وكما تبرأ فيلم “رد قلبي” من مسلسله، يتكرر اليوم نفس الخطأ، في المعالجة الركيكة لواحد من أجمل وأروع الأفلام الاجتماعية ذات الطابع السياسي بعنوان “الزوجة الثانية”، من إنتاج عام 1967 لرائد الواقعية في السينما المصرية صلاح أبو سيف (1915 ـ 1996) عن قصة للكاتب أحمد رشدي صالح، ولعب الأدوار الرئيسية فيه: شكري سرحان (أبو العلا)، سعاد حسني (فاطمة)، صلاح منصور (العمدة عثمان)، سناء جميل (حفيظة)، سهير المرشدي (فهيمة زوجة شقيق العمدة)، عبد المنعم إبراهيم (حسّان غفير العمدة)، حسن البارودي (العطار شيخ البلد) وإبراهيم الشامي بدور مدير مركز الشرطة، وقد صنف هذا الفيلم الرائع من بين أفضل مئة فيلم في السينما المصرية. تدور أحداث فيلم “الزوجة الثانية” في قرية من قرى الريف المصري في إطار درامي واقعي، حيث يسلط الفيلم الضوء على الاستبداد الواقع على الفلاحين من البسطاء في القرى التي يعيش أهلها تحت وطأة الجهل والفقر والأمية والخوف من سطوة العمدة الذي يمثله في هذا الفيلم (عثمان) المستبد، الثري الذي يعيش على عرق الغلابة، صاحب النزوات الذي يقرر الزواج من فاطمة التي تخدم بمنزله، وذلك من أجل أن تنجب له الولد الذي سيورثه العمودية، والذي فشلت زوجته حفيظة في إنجابه، لذا يقوم بتطليق فاطمة من زوجها أبو العلا، بمساعدة شيخ القرية العطار مبروك، والذي يحلّل ويحرّم وفقا لأهواء العمدة. مع تسلسل الأحداث يتزوج العمدة من فاطمة عنوة وبمساندة رئيس مركز الشرطة لكن هذه القروية البسيطة تمتنع عنه، إلى أن يكتشف فجأة أنها أصبحت «حامل»، وأنها كانت على علاقة مع زوجها الشرعي ابو العلا، فيصاب العمدة بالشلل ويلزم الفراش، إلى أن تضع فاطمة الزوجة الثانية مولودها الجديد، فيما يلفظ العمدة أنفاسه الأخيرة، وتبدأ فاطمة بعد أن أصبحت سيدة البيت في رد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها. نقول بلا أسف إن آخر الضحايا المحترمين في دراما رمضان 2013، فيلم المخرج الكبير صلاح أبو سيف “الزوجة الثانية” أحد أهم أفلام السينما المصرية على الإطلاق، سواء من المنظور الاجتماعي أو المنظور السياسي، أو المنظور الفني والشعبي، ومن أهم ما ميّز هذا الفيلم هو تألق فريق التمثيل به، العمدة الشرير صلاح منصور وزوجته العاقر المتنمرة سناء جميل والقروية الفقيرة الجميلة سعاد حسني وزوجها المغلوب على أمره شكري سرحان مع مجموعة من ممثلي الأدوار الثانية، الذين لا يقلون في الإبداع عن أبطال الفيلم. ونتذكر أن بعض جمل الفيلم أصبحت (إفيهات) لا تزال حاضرة ومعبرة حتى الآن، بداية من إفيه “الليلة يا عمدة” لسناء جميل، إلى الطريقة التى ينطق بها حسن البارودي الآية القرآنية (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). ومن المؤكد أن بطلة الفيلم لو كانت على قيد الحياة حتى الآن، فإنها كانت ستصرخ بقوة (فاطمة هذه ليست أنا) بسبب الأداء الباهت الركيك لشخصية الفتاة القروية فاطمة التي أدتها في الفيلم سعاد حسني بجاذبية التقطت روح شخصية الفتاة الريفية البسيطة الرومانسية الحنونة المحبة لزوجها، وجسدتها بروح قروية تعيش في الأربعينيات في زمن ومكان شديد التحفظ والالتزام بالتقاليد والعادات الأصيلة والاخلاص لقدسية الزوج والزواج وقدسية عمل المرأة من أجل مساندة أسرتها. ومن المؤكد أيضا أن كل ما في هذا المسلسل الرمضاني يؤشر بهذا الضعف والهشاشة وبحالة الأداء التمثيلي السقيمة، الذي يمثل إهانة كبيرة لتاريخ الراحلة سعاد حسني، وتاريخ شكري سرحان أحد أهم أبطال سينما الأبيض والأسود وأكثرهم عذوبة في الأداء وتلقائية وصدق في التعبير عن الحالة والشخصية.. مضافا إلى ذلك أن المسلسل يمثل إهانة كاملة لمستويات الفيلم من إخراج وإنتاج وروح واقعية وموسيقى وموتيفات شعبية وأجواء قروية. أما شخصية فاطمة بنسخة آيتن عامر وشخصية أبو العلا بنسخة عمرو واكد وشخصية العمدة عثمان بنسخة عمرو عبد الجليل وشخصية حفيظة بنسخة علا غانم، وهذا الحشو الكلامي الذي يصدع الرؤوس يشي بأن القائمين على هذا العمل لم يشاهدوا الفيلم تماما، ولهذا ربما لم يلحظوا أنهم قاموا بأكبر عملية تشويه لعمل كلاسيكي ما زال حتى هذه اللحظة مسجلا على أنه أحد أجمل الاعمال الكلاسيكية من المدرسة الواقعية في السينما العربية. وبهذا تلحق هذه الدراما التليفزيونية التي قام بإخراجها خيري بشارة، بسجل الأعمال الفاشلة شكلا ومضمونا مثل “العار” و”الباطنية” و”سمارة”، وغيرها من الأعمال التليفزيونية التي ما زالت مثار جدل الوسط السينمائي. ومع ذلك نقول إنه ليس من الضروري أن تفشل إعادة عمل فني مقتبس عن عمل سابق، فكلنا يذكر فيلم “أمير الدهاء” الذي قام ببطولته أنور وجدي عام 1950، وأعاد تقديمه مخرجه هنري بركات بعد 14 عامًا بعنوان “أمير الانتقام” بطولة فريد شوقي، فلكل نسخة من نسختي الفيلم جاذبيتها وبصمة لنجومها، لكن كلاسيكيات السينما المصرية، حينما تصل إلى مفرمة الدراما التليفزيونية الرمضانية، تتعرض لكل صنوف التشويه والارتجال، والأهم من هذا عدم وجود أية رؤية جديدة تبرر إعادة عمل معروف ومشهور وما زال يحظى بإعجاب المشاهد، وما زال موجودًا على خريطة برامج عشرات قنوات الأفلام العربية، فيما لم يقدم المسلسل وبشهادة عدد كبير من النقاد أية إضافة تذكر للفيلم، ناهيك عن الهجوم الكاسح التي تواجهها نسخة خيري بشارة على مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل بسبب عدم تمكن ممثلي الدراما التليفزيونية من أداء اللهجة الفلاحية بصدق ووضوح، وعدم مقدرتهم على تجسيد روح ومزاج الفيلم وواقعيته التي أسست لمدرسة الواقعية العصرية في السينما، ولم ينجحوا في تقديم أنفسهم للمشاهد العربي بشكل جيد بسبب السيناريو الضعيف المنهك بالتفاصيل والأداء الباهت لمعظمهم، وأن كل ما يجري في تقديري سواء من خلال هذا العمل وغيره من الأعمال التي ذكرناها، هو عملية تخريب لجماليات السينما الذهبية، بنجومها وكتابها ومنتجيها، متذكرين أن من أنتج فيلم “الزوجة الثانية” هو رمسيس نجيب، واحد من أهم منتجي السينما العربية، الذي قدم لنا على سبيل المثال لا الحصر: العذاب فوق شفاه تبتسم، شيء في صدري، الخيط الرفيع، غرام الأسياد، شباب امرأة، وعشرات الأفلام التي تؤكد على قيمة الانتاج السينمائي المحترم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©