الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الربيع العربي... ونهاية الجمهوريات الوراثية

4 أغسطس 2011 01:01
لا شك أن ما وقع مع بعض الرؤساء العرب، يثير أسئلة كثيرة عن دور السلطة والسياسة في الحياة العربية، فقصتهم لا تختلف عمّن سبقوهم في التاريخ العربي، فكم من ثورة وكم من اغتيال وانقلاب وقع في تاريخنا القديم والحديث؟ لكن حكام ثورات 2011 مختلفون لأنهم آخر السلالة غير الديمقراطية، ولذا فإن الرؤساء العرب المخلوعين، أو الذين هم في الطريق إلى الزوال، أقل حظّاً ممن سبقوهم لأنهم حكموا جيلاً عربيّاً يختلف عن الجيل الذي أنتجهم. لقد كان البقاء في الحكم هو هدفهم الأهم، إلا أنهم نسوا أن أنظمتهم الراهنة جاءت بانقلابات نتجت عنها إزاحة نظم. ولهذا جاء انقلابهم على ما فعلوه قبل عقود عبر السعي لتأسيس ملك جديد جعل الناس تكتشف مدى تناقض هذه الأنظمة مع تاريخها وشعاراتها. لقد بدأت الثورات في عقول الناس والأجيال الجديدة منذ أن بدأ "السلاطين الجدد" بالانقلاب على جمهورياتهم. لم يقرأ "السلاطين الجدد" التاريخ، ولم يفهموا كيف يغيّر مجراه. ولم يراقبوا ما وقع في قارات كثيرة من ثورات، لم يفهموا معنى ما وقع في جنوب أفريقيا أو الفليبين أو الأرجنتين والبرازيل والبرتغال وأوروبا الشرقية. ربما لو اعتنوا بما كتب صموئيل هنتنغتون أو فوكوياما أو لاري دياموند أو برهان غليون أو محمد عابد الجابري أو الروائي علاء الأسواني، أو ربما لو أنصتوا لأغاني الشيخ إمام وتعرضوا لشعر أحمد فؤاد نجم أو بعض ما قاله هيكل أو بعض كتابات ماركس ولينين عن الثورات، أو حتى لو قرأوا بعض ما قاله كتاب عرب في صحف تصل إلى مكاتبهم، أو تمعنوا في تقرير التنمية البشرية الأول والثاني والثالث، لربما عرفوا أن الثورة ممكنة وأن أنظمتهم أقل أمناً مما يعتقدون. وبما أن السلاطين الجدد لا يقرؤون، ويحتقرون الثقافة والمثقفين والرواية والروائيين، وبما أن الصدق والوضوح من أكثر الأمور التي تضايقهم، وبما أنهم يؤمنون بالقوة والأمن والجيش والسلاح كوسيلة للسيطرة، فقد كانوا جاهزين بطبيعة الحال للوقوع في كمين محكم من صناعتهم. إن مفهوم الحكم العربي الجمهوري السلطاني ينطلق من معادلة بسيطة: فصاحب الحكم يعتقد أنه يمتلك مؤهلات الحكم وذلك لأنه صنع انقلاباً أو وصل إلى الحكم بسبب الحظ، ربما يعتقد أن الله اختاره ليقوم بالمهمة الانقلابية أو وضعه في طريق التوريث. وهكذا أتى الرئيس بطريقة تجعله يؤمن بأنه ليس مضطراً للعودة إلى شعبه، فبما أن الدبابة مسؤولة عن وجوده ووجود من سبقه، فهو يعود إليها في حل مشكلاته مع الناس. القذافي مثلاً جاء مع انقلاب ضد عائلة السنوسي الملكية، وبن علي قام بانقلاب على الرئيس السابق بورقيبة، أما بشار الأسد فآلت له الدولة من أبيه حافظ الأسد الذي قام بانقلاب عام 1970، أما حسني مبارك فجاءت إليه الرئاسة لأن السادات اغتيل فجأة في نظام سياسي تحكّم فيه الجيش، وعلي صالح قام بانقلابه ضمن المجلس العسكري وتحوّل مثل البقية إلى رئيس مدى الحياة. إن الرئاسة الجمهورية التي تفتقد أساسيات الشرعية والانتخابات الشفافة تتحول إلى موقع قاتل ومكان تتجمع داخله أخطر أشكال الاحتقان. فالسلاطين الجدد لم يحسبوا للشعب أي حساب، وبالغوا في إسكات الناس وفي ملاحقة منتقديهم. في إحدى المرات شكك المفكر المصري سعد الدين إبراهيم في التوريث عبر التلفزيون، فكان نصيبه السجن لسنوات خرج منها مشلولاً بعد جلطات دماغية عدة تعرض لها في السجن. أما أيمن نور الذي تحدى الرئيس في الانتخابات فانتهى به الأمر في السجن بتهم التزوير. وفي سوريا كان السجن والعزل وأحياناً التصفية هي المكان الذي ينتهي إليه كل ناقد للنظام. أما في اليمن وليبيا وتونس فالوضع لم يختلف من حيث دمويته وقمعه للآخرين. لقد قرر السلاطين الجدد أن إلغاء المعارضة ممكن عبر تشويهها، ووجدوا في طرح أنفسهم بصفتهم الطرف الوحيد القادر على ضمان الاستقرار للغرب وللمجتمع المقموع خير وسيلة للاستمرار في الحكم. وقد نجح التوريث السلطاني شكليّاً في مكان واحد: سوريا. وكان الأجدر أن يفكر بشار تفكيراً مدنيّاً. ولكن وراثة الحكم في دولة جمهورية فيها مشكلة أزلية تجعل الوريث أقل قدرة على التحكم في مجريات الأمور، بل كما يبدو من الصورة فقد انقلب الوريث على أسلوب أبيه، فهمّش أطرافاً أساسية اعتمد الأب عليها وأدخل في اللعبة عدداً كبيراً من رجال الأعمال الفاسدين ممن أمعنوا في نهب البلاد. وهكذا تحول النظام الجمهوري الوحيد الذي نجح في التوريث إلى أسوأ نموذج للتوريث. وفي الثورات العربية تبين مدى ضعف موقع رئاسة الجمهورية والسلطة، وتبين كم هو زائل في دقائق أو ساعات أو أشهر، وتبين كم تغيّر معنى السلطة نسبة إلى معناها قبل عشرين سنة، فهي قد تسقط بسرعة البرق وتتبخر بسرعة البخار. وقد تبين عبر الثورات أن رئاسة الجمهورية في بعض البلدان فقدت كل قيمة بسبب بعدها عن الشعب. والراهن أن الثورات العربية تعيد الكرسي الرئاسي إلى موقعه، بل إنها تستعيده بعد أن حلّق بعيداً وراء الدبابات والجيش وقوى القمع. فالسلطة السياسية أساساً مكان لتوسط خلافات المجتمع ولحماية المصلحة العامة وتنمية البلاد وإنشاء مشاريع فعلية وحماية حقوق الأفراد وتوازن السلطات. وفي الثورات العربية لا يوجد قائد أو زعيم، وفي الثورات لا يوجد رئيس، ومع ذلك توجد حركة ونشاط ونجاح ونفوذ وتأثير. في العالم العربي ينبثق مفهوم جديد للقيادة يختلف عن كل ما عرفناه في القرن الماضي. د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ينشر بالتعاون مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©