الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شاعران وفيلسوف يقدمون رؤيتهم في الشعر والشاعر والأدب

شاعران وفيلسوف يقدمون رؤيتهم في الشعر والشاعر والأدب
1 أغسطس 2013 01:07
محمد نجيم (الرباط)- يضُم كتاب «في الحداثة الأدبية» مجموعة من النصوص المرجعية التي تؤسس للحداثة الأدبية في الغرب، بين أوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية. وهو يضم أربعة نصوص، لا يوحد بينها لا الكتاب ولا الزمن والجنس، قاسمها المشترك، برأي مترجمة الكتاب، «هو حديث لشاعرين كبار وكاتب (فيلسوف) عن الشعر والشاعر.» في هذه الكتيب، يأخذنا الشاعر الفرنسي العملاق بول فاليري عبر محاضرة تاريخية ألقاها في بروكسيل سنة 1942، وقد بلغ من السن عتيا (71) سنة، يحكي بول فاليري في هذه المحاضرة ذكرياته بتلقائية، كما يحرص على التشديد في أكثر من مكان على طبيعة الشعر ونوعية العمل الجاد الذي يتطلب، ويعلن عن تعاطفه مع الشباب المتعاطين للعمل الأدبي، ويوجدون في وضعية شبيهة بالوضعية التي وجد فيها نفسه حين أقدم في البداية على الكتابة. مشاهد الميناء يقول بول فاليري في مقالته «ذكريات شعرية « كاشفاً الستار عن علاقته بالبحر «إنِّي ولدتُ بميناءٍ صغير – ليسَ صغيراً جدًّا – بجنوب فرنسا، لذلكَ كانت طُفولتي بأكملِها متعلقةً بأشْياء البحر. رأيتُ دائماً البحرَ عندما كُنتُ طفلاً، وتردَّدتُ باستمرار على الميناء خلال سنوات طفولتي هاته، أثرت في كثير مشاهد الميناء ومختلف الأعمال التي ننكب عليها، لم تكن عندي نية أن أوجه حياتي مباشرة نحو البحر ولكن هناك شيئا ذا أهمية خاصة في تكوين النفس، هو أن نكون في حضرة هذا المشهد البحري، الذي له هذه الخاصية المتميزة في أن يكون مقدسا؛ لم يساهم البشر فيه بشيء. قبالة بنايات مدينة والبنايات المتميزة التي تكون ميناء، مثل الحواجز البحرية، الأرصفة، المنارات.. لديكم هذا الامتداد الذي هو دائما نفسه، منذ وجدت الأرض أو منذ وجد البحر على أي حال. وإذن فهذا يعطي للنفس هيئة معينة ويؤثر فيها بعمق، ويجب أن نضيف الإثارة الخاصة التي يلمسها الشبان دائماً، رؤية المغادرة والوصول، وبالأخص المغادرة ومشاهدة السفن وهي تبتعد، نعرف جيداً أنها تتجه نحو ميناء ما، وأنها ستصل إلى ميناء آخر، ولكن الإحساس نفسه بانفصال الأشياء، والإحساس بالإقلاع هي من بين الأحاسيس التي يمكنها أن تؤثر، أن تثير بشكل أكثر نفس الطفل، خاصة أن الإعدادية التي تابعت فيها دراستي الأولى كانت تقع على جبل، جبل نسبي طبعا، ولكنه بحكم وجوده المنفصل فقد كان يبدو كبيراً من فوق البحر، كنا نرى من مبنى هذه الإعدادية الميناء، ونرى مدخله، والتدقيق نرى هذه المغادرات وتحركات السفن التي كانت تتباعد في اتجاه الأفق، كان يمكن لكل هذا أن ينقلني إلى استعداد أكيد لعقلية الشعر». الشاعر ومفهوم الشعر ويأخذنا الكتاب إلى مجالسة الشاعر الأرجنتيني الشهير روبرتو خواروز، من خلال حوار أجراه معه الشاعر الفرنسي المعروف جاك أنصي، وتقول المترجمة» أننا لا نكاد في العربية نعرف هذا الشاعر، ومع ذلك أقدمت على ترجمة الحوار، وفي الحوار يوضح الشاعر مفهومه للشعر. وفي مقاله «الشاعر والمدينة اليوم»، وهو للكاتب والفيلسوف البرتغالي إدواردو لورنسو، ألقاه في شكل محاضرة سنة 2001، يتطرق الكاتب لدور الشاعر ومفهوم الشعر في الزمن الحديث، ويتساءل عما يمكن أن يقدمه الشعر للإنسان الغربي المعاصر الذي يعيش في مدينة لا إنسانية. يقول الشاعر ادواردو لوزنسو «كان المفكر والباحث الكبير أورتيغا إغاسي يرى أن الإنسانية كانت منقسمة إلى صنفين: الشعراء والآخرون. لا يؤكد هذا الرأي الطرد الأفلاطوني الشعري للشعراء من المدينة، حتى تتمكن هذه الأخيرة من العيش في سلام، إنه يجعل، بتمييزه الشعراء، المدينة مدينتين، فغير الشعراء لا يمثلون الإنسانية أو يمثلونها بشكل أقل، لكن من الذي يميز من هم شعراء عمن ليسو شعراء أو يفصل في أمرهم؟ كان أرتيغا إغاسي فيلسوفاً كبيراً لكنه لم يكن شاعراً بالمعنى الأقوى لكلمة شاعر، فهو ليس أنطونيو ماتشادو الذي كان بكل بساطة شاعراً لدرجة انه لم يكن يبدو كذلك. إنه الصنف الأندر، صنف الشعراء الذين يصورون الرقرقة الوحيدة لماء نافورة في صحن بيت إشبيلي. وهو على غرار زنابق الحقول، جمال صاف صادر عن يدي الله الخياليتين، وأرتيغا إغاسي ليس أيضاً ريلكه، ببساطة، مثلما نعهد من الشعراء المرهفين، أن أوراق وردة أن تكون: «نوم شخص تحت جفن مغمض» لم يخطر ببال أي من الشاعرين أن الشعر قد يكون سبباً في تقسيم البشرية إلى قسمين: كم هم، من ناحية، قادرون على الحلم، ومن هم، من ناحية أخرى، أقل قدرة عليه، فالشعر في اعتقادهما هو هذه المعجزة – النادرة ندرة العفو، التي تسمح للناس بالمشاركة في ما يوحد بينهم رمزياً، وينقذهم من الوحدة والتناهي الذي هو نصيبهم المشترك خارج هذه اللحظات التي يكون فيها، بالمعنى الدقيق، خارج أنفسهم وفي مركز كل شيء، بهذا المعنى يكون الجمال، ذلك الذي يتجلى ويؤثر فينا، كما كان الشاعر كيتس يريده، سعادة دائمة. وبهذا فلا الشعر ولا القصيدة غريبان عن أي فعل خلاق، عدا في مادتهما التي ليست هي الصوت كما هو، ولكن الكلمة فقط، ضوء بفضله نقرأ العالم ويقرأنا العالم، قبل أن نعي به كل الوعي، فالكلمة بالإجمال منحصرة في وظيفة تسمية العالم كي تحوله إلى عالم تبتكره بنفسها. من علاقتنا المختلفة بالكلمات يأتي التمييز بين الشعراء والآخرين، بين الشاعر الذي هو نحن وغير الشاعر الذي هو نحن جميعاً قبل أن تفصلنا القصيدة عن حياتنا اليومية، وباعتبار أننا سادة الكلمات، وأننا نستعمل ذلك للوصل إلى هدف تسمية أشياء العالم، من انفعالات وعواطف كما لو أن تسميتها سيطرة عليها، فنحن لا نملك استعمالاً شعرياً للكلمات. نمشي على درب الحياة فقط، نجمع الحجارة البيضاء، كعقلة الإصبع بيديه الخاصتين الحروف، الحروف الأساسية التي تنتظره لينكشف له العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©