الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صوت نافر ناهض من تحت أنقاض الهزيمة

20 أغسطس 2014 23:10
جهاد هديب(أبوظبي)كلما غاب شاعر من العالم، انطفأت نجمة. تكاد هذه العبارة الشعرية فاتحة لأي قصيدة رثاء أو نشيد حداد، ولعلها أيضاً هي أول ما يخطر في بال المرء ما أن يتناهى إلى وعيه غياب شاعر كأمر بات مسلَّم به حتى لو يكن قد عرفه أو عرف شعره، فكيف هي الحال مع شخص عرف شعره وأثّر في نشأة وعيه شعريا وإنسانيا في إطار مشروع وطني، ثم عرفه شخصيا في ما بعد من الأعوام بعد أن جرى ماء كثير تحت الجسر. يقينا، أن غياب سميح القاسم لم يكن هيّنا، على الرغم من أن الكثيرين كانوا يعلمون بالموت وقد أخذ يتهدده منذ ثلاثة أعوام على نحو جاد، إذ لن يكون خبر رحيله مفاجئا هو المصاب بالسرطان في الكبد، إذ لا علاج له سوى بالموت. غير أن هذا الموت لم يختر أن يقطف زهرة روحه إلا في لحظة تراجيدية. حدث ذلك مساء أول من أمس على شاشة تلفزيون فلسطين، القناة الرسمية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفي لحظة تالية على فشل هدنة مفاوضات القاهرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأثناء ما كانت القناة تبث صوراً للرضيعة ربيعة الدلو التي استشهدت في الغارات الأولى هي وأمها، كانت الصورة مؤثرة وتختصر الكثير من الوجع الفلسطيني في تراجيديته العالية والباهظة، وفي هذه اللحظة تحديدا أعلن المذيع نبأ رحيل سميح القاسم منذ لحظات في مدينة الناصرة. لقد ارتبط شعر سميح القاسم بالمشروع الوطني الفلسطيني وامتداداته القومية، وظل مخلصا له إلى حدّ أن الشاعر لم يستطع أن يجد له صورة خارج هذا الإطار مثلما فعل شعراء عرب آخرون من الجيل الستيني نفسه. خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وفي ظل الامتداد القومي، استطاع سميح القاسم أن يترك أثراً في وجدان الناس، خاصة الشعب الفلسطيني، إذ رغم تضييق الخناق على صوته وأصوات أخرى إلا أنه استطاع أن يجتاز السياج الذي أقامته دولة الاحتلال حول عرب 48 بوصفهم أسرى وأن ينطلق في سماوات عربية متلهفة لهذا الصوت قادما من هناك. باختصار، كان شعره في مراحله الأخيرة نوعا من «التربية الوجدانية» للشعراء، خاصة الفلسطينيين، وبالأخص مَنْ يعيشون خارج فلسطين؛ في شتاتها المديد. كان للشاعر جاذبيته الخاصة، إذ ينطلق في شعره من مواقف تكاد تكون إيديولوجية، في حين ابتعد عن الحوار مع الهواجس التي تخصّ الشعر وقلقه، وربما لا مبالغة في القول بأن صوت سميح القاسم الشعري قد خلا من مساءلة الموت باستثناء عمله الأخير، كما لو أن قلق الوجود لم يكن يعني له شيئا في إزاء التركيز على استعادة الهوية المفقودة بوجود الاحتلال في فلسطين، الأمر الذي كان ركيزة أساسية في انطلاقته الأولى في الستينات عندما بدا ذلك الصوت النافر القادم من تحت أنقاض هزيمة العام 1948 مثيرا للاهتمام الشعري عربيا. ظلّ سميح القاسم أسير شرطه التاريخي القاسي مذاك وحتى رحل، إلا إذا جرى الكشف عن شيء مغاير بعد رحيله. وذلك بالطبع ليس عيبا، بل ربما هو خصيصة طبعت شعر القاسم بطابعها. بعيدا عن ذلك، وفي تلك المنطقة المظللة التي تمثل تقاطعا بين تجربتيه الشعرية والسياسية، كان سميح القاسم إشكاليا في بعض تعبيراته السياسية عن واقع راهن أو حادثة سياسية بعينها ومثيرا للجدل حوله بل وللخلاف أيضاً. بدا آنذاك أن التجربة الشعرية لسميح القاسم أكثر نضجاً بكثير من تجربته السياسية أو من تعبيراته السياسية. في أية حال، فقد مات سميح القاسم، وبقي شعره. غاب جسد الرجل وظلّ صوته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©