الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"أم عبد الله" مدرسة لتعليم الصبر والشكر

"أم عبد الله" مدرسة لتعليم الصبر والشكر
17 سبتمبر 2006 00:48
زوج حنون، و6 بنات جميلات، ومنزل يغمره الدفء والسعادة الأسرية، مواصفات هي بلا شك قمة ما تطمح إليه امرأة مثل أم عبد الله، وقد مثلت هذه الأمور بالنسبة لها بالفعل قمة السعادة والرضا، لكن الحياة تأبى أن تعطينا كل شيء، وأن تمنحنا الفرح كاملاً، ففي درب الحياة منغصات لا بد منها، وعندها يكون أمام المرء أحد أمرين: إما الصبر والشكر والرضى بقضاء الله وقدره والعمل من واقع هذا الإيمان على مجابهة الصعوبات وتحديها والانتصار عليها، أو الغرق في براثن الإحباط والحزن واليأس· أم عبد الله اختارت الأول، سلَّمت أمرها لله وهيأت نفسها لاستقبال القدر بخيره وشره، صبَرَتْ، وشكرَتْ، وتفانت في البذل والعطاء، فاستحقت عن جدارة لقب الأم المثالية، وعلى مثلها ينطبق قول الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها .. أعددت شعباً طيب الأعراق لكن من هي أم عبد الله، وما حكايتها؟ إليكم القصة: فداء طه: رغم أنها أنهت تعليمها الثانوي منذ زمن إلا أنها عادت إلى مقاعد الدراسة، ليس لإكمال تعليمها الجامعي وإنما للالتحاق بالصفوف الابتدائية الأساسية مرة أخرى! أم عبد الله اختارت الانتظام في صفوف الدراسة حتى لا يفقد وحيدها المريض عبد الله حقه في التعليم، فكانت له على مدار سنوات متتالية الأم والمرافقة والزميلة في الوقت نفسه· ومن هنا أصبحت أم عبد الله أشهر من نار على علم في مدرسة الوردية بالشارقة فهي نموذج الأم المخلصة والمتفانية من أجل أولادها وهي الجديرة بلقب الأم المثالية· فرحة لم تكتمل زوج حنون وست بنات جميلات كانت كافية لتشعر أم عبد الله بالسعادة والرضا، وعندما حملت بعبد الله كانت الفرحة كبيرة لكنها لم تكتمل· فقد اكتشفت في الشهر الثالث من حملها أن الجنين ليس طبيعياً وأن احتمال فقدانه كبير جداً، فسلمت أمرها لله وقبلت بما تأتي به المقادير· بعد 9 شهور من الألم والترقب، ولد الطفل عبد الله رجب حميد الدين ولادة طبيعية؛ وجه جميل ذو ابتسامة ملائكية لكنه يعاني من تشوه في العمود الفقري وفتحة في الظهر وماء على الرأس· بالنسبة لفتحة الظهر كانت أم عبد الله تنظفها لمدة 40 يوما حتى التأمت، أما الماء الذي على الرأس فأجريت له عملية خاصة في اليوم 45 لولادته، لكن تشوه العمود الفقري ظل يحرمه من المشي واللعب وأشياء أخرى كثيرة كبقية أبناء جيله· صحيح أن عبد الله حرم نعمة الصحة، لكن الله منّ عليه بنعم كثيرة تعوضه عنها، فقد وهبه أباً عطوفاً بذل كل ما يملك من أجل راحته والحفاظ على صحته، وست أخوات حنونات يتسابقن إلى العناية به والسهر على راحته، أما الأم فنادر وجودها هذه الأيام، إنها بالنسبة له العين التي يرى فيها والأذن التي يسمع بها، هي النَّفَس الذي يستنشقه والقلب الذي يحيا به··· كثيرة هي الليالي التي سهرت فيها أم عبد الله على راحة ابنها وسلامته، وكثيرة هي الأشياء التي فعلتها وتعلمتها لأجله، وعلى رأسها التمريض؛ فحالة عبد الله معقدة وهو بحاجة لعناية طبية متواصلة تقدمها له والدته بالإضافة إلى تناول الأدوية، ناهيك عن إجراء عملية ''القسطرة'' اليومية والتي تسهل عليه التنقل سواء إلى المدرسة أو إلى السفر، أما المهمة الأصعب فهي الانتظام معه في الدراسة طوال العام الدراسي، حيث تصطحبه من البيت إلى المدرسة وبالعكس، وهناك تساعده في قضاء حاجاته وتلبي طلباته ليس هو وحده بل وجميع طلاب الصف الذين يحبونها ويشكرون فضلها عليهم، ومن خلال عطائها وحنانها وعظيم أخلاقها فرضت أم عبد الله احترامها على جميع من حولها، ومن هنا جاء تكريم مدرسة الوردية لها في العام الدراسي السابق حيث أطلق عليها لقب ''الأم المثالية''· تربية مثالية على كرسيه المتحرك يجلس عبد الله بثقة وأمان بين عائلة لم تتخل عنه يوماً ولم تبخل عليه بالمال أو بالحب، ليعبر عن نفسه فهو يحب القراءة لاسيما باللغة الانجليزية كما يحب العلوم والأحياء ومشاهدة البرامج التي تتحدث عن الحيوانات، ويريد أن يصبح مخترعاً عندما يكبر· عبد الله واجه صعوبات كثيرة لكي يلتحق بمقاعد الدراسة، حيث اعتذرت عن استقباله غير مدرسة لكن أبواب الوردية في الشارقة فتحت له ذراعيها ويسَّرت له أمور الدراسة، من ذلك أنها خصصت له باباً ليسهل عليه الدخول إلى الصف والخروج منه، فضلاً عن تفهم ظروفه خاصة وأنه يسافر كثيرا من أجل العلاج· عبد الله الآن يعي حالته الصحية جيدا، وهو متفهم لكل ما يحدث معه من مشاكل صحية أو مضايقات من الآخرين، ولذلك تراه مبتسما راضيا بنصيبه على الدوام· تقول والدته: ''في السابق كان يتألم عندما نتحدث معه بخصوص حالته الصحية، لكنه الآن يأخذ الأمور بروح مرحة· إنه يعلم طبيعة حالته ويعرف مواعيد أدويته ومواعيد ''القسطرة''، ويهتم بصحته كثيرا إذ يعرف الأكلات التي تضره فيبتعد عنها والأكلات التي تنفعه فيقبل عليها ولا يكثر من الطعام، ويبتعد عن تناول المشروبات الغازية· ورغم العناية الخاصة التي توليها أم عبد الله له والوقت الطويل الذي تمضيه معه، إلا أن هذا لم ينقص من نصيب بناتها في التربية والتعليم والعناية، فهن جميعا متفوقات في الدراسة وثلاث منهن أكملن التعليم الجامعي في أفضل جامعات الدولة، ولا تزال الأخريات على مقاعد الدراسة· حكمة المحن ابتسامة الرضا تعلو وجهها دائما، وهي راضية بنصيبها وتعتبر أن للمحن حكما كثيرة، فمن خلال محنتها مع ولدها تعلمت أم عبد الله أن ترى النعم التي بحوزتها: ''تعلمت أن أحمد ربي على النعم وأشكره عليها، أحمده على الصحة، وأشكره على كل ما أعطانيه· تعلمت الصبر أكثر، فالمحن تجعل الإنسان أكثر إيمانا وتجعل العائلة متكاتفة ومتعاونة أكثر وهذا ما حدث مع عائلتنا بالضبط· ونحن حاليا نجري جلسات أسبوعية لكي نعلم عبد الله الاعتماد على نفسه منذ الآن فصاعداً، وهو يستعد لكي يستقل في غرفة خاصة به وحده، وسوف تتولى كل أخت من أخواته تعليمه والإشراف عليه في ناحية من النواحي، فإحداهن سوف تقيم معه في الغرفة لكي تهتم به إذا ما استيقظ ليلا، وثانية سوف تساعده في الأكل وتجلس إلى جانبه على طاولة الطعام، وثالثة ستساعده في العناية بنظافته الشخصية، وبهذه الطريقة يتمكن من الاستقلال تدريجيا وتتعمق علاقته مع أخوات
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©