الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رسالة تظلّم

17 سبتمبر 2006 00:55
سعاد جواد: suad-jawad@hotmail.com أنت تطالبني بطاعتك ولكن··· ألم تفكر لحظة واحدة يا زوجي العزيز، بأن ما تطلبه مني يفوق طاقتي؟ صرت تهددني باستمرار، وتخبرني بأن السماء تلعنني بسبب غضبك علي، فهل يعقل أن اطيعك فيما لا يرضي الله؟ هل هذا معقول؟ لقد امسكت بيدي واوصلتني إلى بر الأمان، هل نسيت ذلك؟ أنت من علمني الصح والخطأ، أنت من أخذ بيدي إلى بر السعادة والطمأنينة، فهل يعقل أن تكون قائدي للمعصية؟ اتعجب من موقفك مني ومن غضبك المستمر علي، فأنت تعرف جميع الظروف المحيطة بي والتي تمنعني من تنفيذ رغبتك، فهل أنت جاد في تهديدك لي؟ هل ستطلقني أنا زوجتك ام أولادك؟ أم أنك ستتزوج غيري؟ هل هذا هو العدل بنظرك؟ اليس في ذلك ظلماً حقيقياً؟ الم تسمع بالمثل القائل: كي تطاع اطلب المستطاع؟ رسالة إلى زوجي لزوجي، والد ابنائي اكتب تظلمي، عسى أن تصله كلماتي وحججي فيتراجع عما سيقدم عليه· لم اغادر البلد يوماً، ولم يقدر لي أن أعيش في بيئة الغرب، إلا أنني عشت نفس الأجواء المتحررة في الشكل والجوهر وكأنني فتاة غربية، ربما لأن أمي أجنبية· فقد نشأنا انا واخوتي على نموذج حياة الغربيين في اللباس والتفكير، ولم يعترض والدي على ذلك، بل ساهم في جعلنا بهذه الصورة لأنه لم يعطنا الفرصة لمعرفة أهله أو التقرب إليهم· درسنا في المدارس الأجنبية، وكنا نختلط بأمثالنا من الأجانب، أو المواطنين أبناء الأجنبيات، فلم نشعر بأن هنالك عالماً آخر يعيش فيه الناس بطريقة مختلفة على هذه الأرض· تخرجت من الجامعة وعملت في وظيفة شبه حكومية، عندها اختلطت بأبناء بلدي، فوجدت بأنني لا انتمي إليهم إلا بالجنسية فقط، طريقة لباسهم، تفكيرهم، معتقداتهم، كلها كانت غريبة علي بشكل كبير· تقربت إلى إحدى الزميلات فارتبطنا بصداقة متينة، فصارت تلح علي في فهم مجتمعي وأفكاره، وصارت تساعدني لمعرفة ديني الذي لا أحمل منه سوى الأسم·توطدت علاقتنا وصرت ازورها في منزلها· اعجبتني طريقة اجتماع الاسرة حول السفرة الموضوعة على الأرض عند تناول الطعام، فالكل يجلس حولها بشكل متقارب وحميم، وهي ليست غنية بالأكلات المنوعة وانما تقتصر على نوع واحد هو عبارة عن صينية كبيرة تحتوي على الرز والسمك، تفوح رائحتها بشكل يثير الشهية· الأيادي كلها تمتد لتغرف من ذلك الطعام بلا ملاعق أو شوك أو سكاكين· لم استطع التدرب على أكل ذلك الطعام بسهولة، ولم تكن جلستي مريحة بسبب البنطلون الضيق الذي ارتديه، فاعطتني صديقتي ثوباً واسعاً مريحاً، وعلمتني كيف اتناول طعامي بيدي، فأعجبني ذلك كثيراً· شعرت بالألفة والود مع صديقتي واسرتها، لأنهم عاملوني كواحدة منهم بلا تكليف أو مبالغة في المشاعر، بل كان كل شيء يسير ببساطة وتلقائية رائعة· بعد زيارات متكررة لتلك الأسرة، اصبحت فترات بقائي عندهم طويلة وقد أحسست بأنني صرت فرداً منهم يسألون عني ويهتمون بي، على عكس اسرتي المشتتة، فلا أحد يكترث لأحد، والكل مشغول بهواياته، ومن النادر أن تلتقي الاسرة أو تجتمع في مكان واحد· جدال لطيف كان لصديقتي أخ يكبرني بعامين، درس في دولة أجنبية وهو يعمل بشركة كبرى· كان ينتقد حياة الغربيين بشكل مستمر، وكنا نتجادل حول هذا الأمر، فأنا احاول أن أدافع عن بيئة والدتي ولكنني لم اكن امتلك الحجج الكافية، وكنت اهزم أمام مناقشاته باستمرار· أعجبت به وبحماسه ودفاعه عن أفكاره وعقيدته، وعدم انجرافه في تيار المتع الذي ينجرف إليه الشباب في هذا الزمان· شعرت بأنه قد اعجب بي وبرغبتي الشديدة في التغير· كنت انتظر منه المبادرة ولكنه لم يفعل حتى اعتقدت بأن أفكاري ربما شطحت وذهبت بعيداً، فلربما كنت مجرد شيء عابر في حياته· فوجئت بصديقتي وهي تخبرني بأن أخيها يفكر بالتقدم لطلب يدي· سعدت لذلك كثيراً واستغربت لأنه لم يحاول مفاتحتي بالأمر بشكل مباشر، ولم يسمح لنفسه باقامة علاقة بيننا للتفاهم والتأكد من المشاعر قبل الزواج· إلا أن أخته افهمتني بأن ذلك لا يتفق مع مبادئه ومعتقداته، فالدين لا يسمح بمثل تلك العلاقات قبل العزم على الارتباط· كنت مستغربة لكل شيء ولكني كنت مندفعة نحوه بشعور قوي ينمو باستمرار، لذلك فقد قررت أن اتزوجه بالطريقة التي يريدها، وبالشروط التي فرضها علي وهي لبس العباءة والشيلة والإلتزام بالصلاة، ففعلت ما أراد وكنت سعيدة بشكل كبير· زواج موفق تزوجنا وعشنا مع أهله حياة رائعة جداً وصار يعلمني أمور الدين، ونصحني بلبس ما يستر بدني، واحضر لي الكتب الدينية التي تحث على الإلتزام· ولأنني أحبه فقد اطعته في كل ما أمرني به وصرت ألبس الملابس الطويلة في المنزل واغطي شعري بشكل محكم، وألبس سروالاً طويلاً كما كانت تفعل أمه واخواته، فسر زوجي بكل ذلك وصار يكافئني بالهدايا والمديح والكثير من الحب· لا أنكر بأن كل ما فعلته كان بسبب حبي لزوجي، ولكنني بدأت أفهم وأدرك بأن كل ما أفعله يجب أن يكون خالصاً لله تعالى كي أفوز برضاه وثوابه، فصرت اتعمق بالدين برغبة كاملة وحب لله غمرني بشعور جميل بالرضا والطمأنينة· مرت السنوات ورزقني الله بولد وبنت اصبحا مركزاً لحب واهتمام العائلة كلها حتى اصبح من الصعب على الجميع مفارقتهما حتى لوقت قصير· كنت اعتقد بأنني أسعد انسانة في هذا العالم لولا تلك التغييرات التي حدثت لزوجي فقلبت الأمور بيننا رأساً على عقب· تغيير غير متوقع اصبح عصبياً معي، ينتقدني باستمرار ويطالبني بأن اتخلى عن هذه الملابس لأنها تجعلني أشبه بأمه وجدته· صار يطالبني بأن أعود للبس البنطلون والتنورة القصيرة والقمصان شبه العارية وأن أترك شعري يسترسل كما كنت عليه سابقاً· اخبرته بأن ذلك صعب علي لأننا نسكن مع أهله وهو يعلم بأن اخوته في سن الشباب ولا يصح ان أبدو أمامهم بذلك المظهر· افهمته بانني لا استطيع حبس نفسي في غرفتي طوال الوقت، وبالطبع فإنه ليس من المنطق أن اغير ملابسي كلما خرجت من الغرفة لمتابعة شؤون الصغار ومطالبهم باستمرار· اقترحت عليه أن نسكن في منزل مستقل ولكن أهله رفضوا الفكرة لتعلقهم الشديد بالاطفال· صرت حائرة لا أدري ماذا أفعل وانا بين رغبة زوجي في لبس ما يحب، وفي خوفي من مخالفة أوامر ربي بالتمسك بالستر والحجاب· صار يثور ويغضب ويقول بأنه لم يعد يحبني ولا يشعر نحوي بالإثارة لأنني صرت أشبه بجدته العجوز، ولا اعتقد بأنه يظلمني بهذا التشبيه لانني فعلاً اصبحت غريبة الشكل عن تلك الفتاة التي اعجب بها وتزوجها، ولكن ماذا أفعل؟ حاولت أن ارضيه ولبست ما يريد ثم حبست نفسي في الغرفة، فصار الجميع يتساءل عن سبب اختفائي وتصوروا بأنني ربما اتخذت موقفاً منهم، وصاروا يلحون علي بالجلوس معهم، وانا صرت محرجة· كنت أستحي من والد زوجي الذي احترمه وأخجل من الظهور أمامه بغير الشكل الذي تعوده مني· حتى أخوه الصغير البالغ من العمر ثماني سنوات، تعجب عندما شاهدني بثوب قصير، نظر إلي باستغراب وقال لي: اذهبي وارتدي ثيابك، فانت عارية وهذا عيب!· احسست بالحرج الشديد، ودخلت غرفتي وبكيت كثيراً لانني لا اعرف ماذا أفعل· الإصرار المؤلم قررت أن أفعل ما أراه صواباً، بالرغم من اعتراض زوجي، فطلبت منه أن يتخذ قراره ويناقش أهله بفكرة السكن المستقل لأنني لن اعرض نفسي للإحراج بهذا الشكل· حاول أن يناقش الفكرة مع والديه ولكنهما رفضا ذلك رفضاً قاطعاً وحلفا الايمان بمقاطعتنا ان حرمناهما من تواجد الطفلين معهما في المنزل، فسكت زوجي عن الأمر واعتقدت بانه بدأ يقتنع بالأمر الواقع ولكنه لم يفعل وظل يضغط علي لأتغير· اصبحت الحالة بيننا متوترة جداً، وصار يسمعني كلاماً جارحاً مؤلماً ثم هجرني في الفراش، ثم بدأ بضربي وشتمي وهو يردد: انت امرأة ناشز غير مطيعة لزوجك، انا غير راض عنك أبداً، انت ملعونة من الله ومن الملائكة· ان زوجي انسان طيب مؤدب وانا أحبه كثيراً ولكنه يضغط علي باستمرار وبشكل كبير، ويحسسني بالذنب لأنه تزوجني ليصون نفسه عن الزلل وهو يريد ان يرى مني ما يشبعه، فلا ينظر إلى المحارم التي يراها خارج المنزل، والمغريات الكثيرة من حوله في كل مكان، وقد هددني بأنه ربما سيطلقني ويتزوج من أخرى غيري إن لم استجب له واحقق له ما يريد· لا أدري ماذا أفعل، فهل من المنطق أن انفذ له ما يريد واتغاضى عن مسألة الحرام والحلال أثناء وجودي في المنزل وعند الخروج منه اتقيد وألتزم؟ هل هذا معقول؟ زوجي يقول بأن اخوته ينظرون إلي كأختهم وانهم سيتعودون مع الأيام على مظهري، وانه سيتحمل الأثم وحده لأنه هو من يأمرني بذلك، ولكنني غير مقتنعة بتلك الفكرة واعتبرها تناقض حقيقي غير مشروع، فماذا أفعل غير ان اتوجه بهذا التظلم إليه لعله يقدر موقف
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©