عندما يغادرنا من نحب وتنطوي صفحة من صفحات العمر، مليئة بالمواقف المشحونة التي عشناها في أكنافهم، عطاء وسعادة وأملاً وهمة تدفعنا الى معالي الأمور، ونتواجد نحن في نفس المكان الذي اجتمعنا فيه معهم من بداية الطريق، ولكن هذا المكان قد خلا من ضحكاتهم ومداعباتهم وصراخهم وغضبهم وحتى من حزنهم وبكائهم، ويعيش الحنين في جنبات ذلك المكان الذي كان يوماً ما مرتعاً خصباً للحياة الحقيقية، بكل تفاصيلها الدقيقة، وها هو تسكنه برودة في المشاعر وسكون في الطموح، وتداعي في الذكريات التي مرت بنا مع من عشنا معهم أياماً من أبهى أيام العمر، وأكثرها غرابة وتغيراً، حيث لا نزال نحتفظ بخطوطها العريضة في عمق العمق من وجداننا، وأبرز مكان من تفكيرنا، نتساءل وقد تملكتنا الحيرة: ماذا حل بالدنيا ؟ أصبحنا لا نفتأ نحب من نحب حتى يفجعنا بهم الفراق والشتات ولكن عزاءنا ما قاله المحب لمن يحب:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان الظن ألا تلاقيا
نعم عندما يغادرنا من نحب، نتعلم ذلك الدرس الذي نفر منه، وتصر مواقف وأحداث الحياة أن نكون بارعين فيه، درس التجلد والصبر، وحسن الظن بالله أن يجمعنا بهم غداً في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فلا نملك سوى هذا الأمل الذي يبرق لنا في تجليات الأيام يوماً بعد يوم، فإلى من غادرنا وقد ملأ القلب بحبه: عزيز هو أن نعيد ما مضى وانصرم، وعزيز أن نسترجع ما انقضى من أعمارنا، ولكن يبقى ذلك الفضاء الكبير الذي أبدعتم في تركه من ورائكم، ورسمتم ملامحه في حياتنا بإخلاصكم وتفانيكم، يضج بطيب الأثر وجميل الذكر لكم، فلله دركم كيف عزفتم على أوتار قلوبنا شديد فراقكم وتركتمونا للجوى وعاصفات النوى من بعدكم! وأنتم وحدكم من علمنا كيف يكون الحب رفيقاً في جميع المساعي، وكيف يكون من يمنح الحب بلا مقابل إنساناً دائم الصلاحية، لا تعرف ذكراه الانتهاء:
الله أعطانا القلوب هدية والحب في كل القلوب عطاء
فإليكم يا من غادرتمونا، وبقي حبكم محيطاً بنا أينما قلبنا ناظرينا نهمس قائلين:
سنظل نحبكم مهما باعدت بيننا المسافات واختلف الزمان وتغير المكان، وسنظل نذكركم لأن الإنسان الوفي هو الإنسان، وربما غلبتنا عيوننا فذرفنا الدموع اشتياقاً لكم، وسنظل ندعو الله لكم أن يكون الخير والسعادة واليسر حليفكم أينما حللتم أو ارتحلتم، وسنظل على أمل وثقة أن نسياننا لن يمر في حياتكم أبداً·
عبرة:
ذكرتك والنفس فيها حنين إليك وشوق ليوم اللقاء
فيا رب رفقاً بأخت كريمة دعوتك يا من تجيب الدعاء
بقلم المعلمة:
فاطمة الظاهري- العين الحبيبة
عدد اليوم
