الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مناورات سياسية بجلباب الدين

مناورات سياسية بجلباب الدين
1 أغسطس 2013 14:51
حلمي النمنم عادت قضية الخلافة الإسلامية تطل من جديد على الساحة السياسية والثقافية، فوق كوبري 6 أكتوبر بالقاهرة كتبت لافتات تطالب بإقامة دولة الخلافة، وعقدت ندوات وصدرت هتافات بهذا المعنى، وربما كان ذلك دافعاً لدى الهيئة المصرية العامة للكتاب لنشر هذه الدراسة عن الملك فاروق والخلافة الإسلامية. لا نجد في الكتاب ما يثبت أن الملك فاروق تحدث بأسلوب مباشر عن سعيه إلى بناء دولة الخلافة أو عن أن يكون هو خليفة المسلمين، نعرف أن والده الملك فؤاد راودته فكرة أن يصبح خليفة المسلمين عام 1924 بعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك إسقاط دولة الخلافة وتأسيس الجمهورية التركية، أما في حالة فاروق فالأمر مختلف، نجد لديه اهتماما عاما بأداء الشعائر والفروض الإسلامية، في وقت من الأوقات أطلق فاروق لحيته وما إن تولى العرش عام 1936، حتى أخذ يؤدي صلاة الجمعة كل أسبوع في أحد المساجد الكبرى، ذهب مرة إلى مسجد السيدة نفيسة، ولاحظ وجود اثنين من الحراس وقفا خارج الصلاة لحمايته، فنادى عليهما لأداء الصلاة وقال لهما: “نحن جميعاً في حراسة الله”. وذهب إلى مسجد الرفاعي ولاحظ أن الديوان الملكي وضع سجادة خاصة له، فأمر برفعها رافضاً ذلك، مؤكداً: “نحن في بيت الله سواسية”. وفي إحدى المرات كان يصلي على الباخرة “النيل” ولاحظ أن المصلين تأخروا عنه قليلا، حتى صار وحده في الصف، رفض ذلك الوضع قائلا: “لا أقبل أن أتقدم عليكم، لأننا كلنا أمام الله سواء”. وهكذا كان في كل صلاة يحدث موقف مشابه، وفضلاً عن ذلك كان الملك يتبرع للمساجد من ماله الخاص لإعمارها أو يطلب إلى وزارة الأوقاف أن تقوم بتجديدها وتعميرها. سلوك الملك واستحدث الملك فاروق فكرة إقامة موائد عامة للإفطار أمام قصر عابدين في شهر رمضان، كان يدعو إليها كبار العلماء والشخصيات العامة ويشرف بنفسه على إفطارهم، وكان يدعو قراء القرآن الكريم للقراءة بالقصر طوال ليالي رمضان، وكانت الإذاعة المصرية تنقل كل هذا، فضلاً عن الصحف اليومية والأسبوعية، التي كانت تتابع وتقدم الكثير من التفاصيل في هذا الصدد. كل هذه الأمور وغيرها تدخل في باب أن الملك أراد أن يقدم نفسه للشعب باعتباره متديناً، يحترم شعائر الدين ويحرص على القيام بها، لكن الأمر فيما يبدو كان أكثر من ذلك لدى القصر الملكي وبعض أفراد الأسرة العلوية، وضح ذلك حين أراد الأمير محمد علي عم الملك فاروق أن يتولى فاروق الحكم في مظاهر دينية، بأن يتقلد سيف جده محمد علي وأن يكون في المسجد وأمام شيخ الإسلام، الشيخ المراغي، شيخ الأزهر وقد أثار هذا الأمر حزب “الوفد” وزعيمه النحاس باشا، الذي أصر على أن الملك يتولى مهام دستورية أمام البرلمان، وكان له ما أراد، غير أن علي ماهر، رئيس الديوان الملكي، لم يكن من رأي النحاس باشا، ولذا حشد التيارات والجماعات الدينية لمناصرة الملك وخاصة مصر الفتاة والإخوان، وكان هؤلاء هم الذين نادوا بأن يكون فاروق إماما للمسلمين جميعاً وخليفة المسلمين وتردد ذلك في أدبياتهم وكتاباتهم وهتافاتهم، خاصة لدى حسن البنا، وخرجت المظاهرات في مناسبات مختلفة تهتف للملك “أمير المسلمين” وازدادت هذه النغمة، حين زار عدد من الرؤساء والملوك العرب مصر أثناء اجتماع إنشاص للجامعة العربية، وأمّهم فاروق جميعاً في الصلاة وأثار ذلك حماس ومشاعر كثير من المصريين تجاه الملك. وتكشف الوثائق البريطانية عن أن السفارة في القاهرة كانت قلقة من هذا المنحى، خاصة من الخطب التي يلقيها الشيخ المراغي في المساجد والمناسبات الدينية بحضور الملك فاروق ويتحدث فيها عن وحدة العالم الإسلامي وخلافة المسلمين، كان المراغي يطالب بعودة الخلافة وإمارة المؤمنين، وفي هذا الصدد جاءت المصاهرة بين القاهرة وطهران، بزواج شقيقة الملك فاروق الأميرة فوزية من ولي عهد إيران الأمير محمد رضا بهلوي، اعتبر هذا الزفاف موافقة من إيران على عودة الخلافة وأنه يعني التقارب السني ـ الشيعي ومن ثم سقوط الخلافات المذهبية التي يمكن أن تعطل هذا المشروع، وكان ملك ألبانيا تقدم لخطبة الأميرة فوزية لكن طلبه رفض، بينما تم الترحيب بالطلب الإيراني. العلمانية والحزبية لا نلمس لدى علي ماهر ورجال الديوان الملكي، الذين احتضنوا التيارات الإسلامية، انهم كانوا جادين في مسألة أن يصبح الملك خليفة المسلمين ولا يتصور أحد أنهم كانوا من الغباء حتى يتصوروا عودة دولة الخلافة ثانية، تركيا على لسان رئيس وزرائها راحت تؤكد أنها دولة علمانية تماماً وأنها مع وحدة بين الدول الإسلامية، حلف إسلامي، وليس دولة خلافة، ونقلت السفارة البريطانية إلى الديوان الملكي أن ملك السعودية غاضب من الحديث عن دولة الخلافة في مصر وأنهم ـ أي الإنجليز ـ يريدون أن يتوقف الشيخ المراغي عن الحديث في مثل هذه الأمور، أمام الملك فاروق خاصة، ولعل هذا ما دفع علي ماهر إلى إصدار تصريح بأن مصر لا تسعى لإعادة دولة الخلافة. الواضح أن علي ماهر ودهاقنة القصر الملكي كانوا يسعون إلى تقديم الملك كرجل متدين، ويحيطونه بجماعات وأحزاب إسلامية للحد من شعبية حزب “الوفد” وأن يكون الملك هو الرجل الأول، صاحب الشعبية الأكبر بين المصريين وليس مصطفى النحاس زعيم حزب “الوفد” هكذا كان التنافس وإن شئنا الدقة كان الصراع السياسي وقتها وأنهم استغلوا المشاعر الدينية في ذلك وجاءت أحداث فلسطين منذ ثورة عام 1936 والحديث عن المخاطر حول المسجد الأقصى لتثير حماس المشاعر وينظر المواطنون إلى الملك فاروق باعتباره الملاذ والمنقذ للمقدسات الإسلامية. حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان انطلقوا في الطريق إلى نهايته وهو المطالبة بإعادة الخلافة الإسلامية وإمارة المؤمنين، فضلاً عن أن يكون فاروق هو الخليفة أو الأمير، فيما بعد تحديداً بعد حادث 4 فبراير 1942 تحول الملك عن سيرته الأولى لم يعد الملك المتدين، الذي يحرص على المظاهر الإسلامية، لذا انقلب أحمد حسين إلى الحزب الاشتراكي، أما حسن البنا فقد استمر في هذا الطريق وسار إلى النهاية، على النحو المعروف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©