الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أكشن» نووي..

1 أغسطس 2013 14:54
رولا عبدالله لعبة افتراضية لاندلاع حرب نووية في الشرق الأوسط تنخرط فيها أطراف عدة أهمها إسرائيل من جهة، و«حزب الله» و«حماس» ومن ورائهما إيران من جهة أخرى، وربما تورطت فيها الولايات المتحدة الأميركية. فما هي حدود اللعبة؟. ومن الذي سيحدد خطوطها الحمراء؟ وما هو رد الفعل الإيراني على تفجير نووي على علو منخفض فوق طهران؟... أسئلة كبيرة يطرحها بول براكن، أحد أبرز استراتيجيي الأمن القومي في وزارة الدفاع الأميركية ومؤلّف كتابي “نيران في الشرق الأوسط” و”القيادة والسيطرة للقوى النووية”، مجادلاً في كتابه الأخير “العصر النووي الثاني” في وضع برنامج مستقبلي يهدف إلى تحويل الانتباه إلى تأثير عودة ظهور الأسلحة النووية على الوتيرة التي تتطور فيها الأزمات ودرجة تصعيدها. بين العصرين النووي الأوّل والثاني، يتنقل براكن مقارباً في المعطيات وتطور الأزمات واحتمال تصعيدها إلى حدود اندلاع حرب عالمية ثالثة. برأيه إن الدول الأكثر خطراً هي الدول الضعيفة، وفي حال انتشر السلاح النووي بينها، فإنّ أي كبسة زر متهورة يمكن أن تمحو دولاً أو تعيد حسابات الجغرافيا والتاريخ. من هذا المنطلق، فإنه يلوم الولايات المتحدة التي كان بوسعها أن تفعل المزيد من أجل إيقاف انتشار الأسلحة النووية، عبر الضغط بقوة على الهند أو إسرائيل، أو كوريا الشمالية أو باكستان. لكن مثل هذه المحاولة كانت ستبدو وكأنها مخطط تاريخي كبير لتجميد حقائق القوة الموجودة بهدف الحفاظ على الهيمنة العسكرية الأميركية من خلال الحد من الأسلحة. في عصر تتغير فيه القوى الكبرى، وتبرز فيه قوى إقليمية، ويحوم فيه الشك حول النظام العالمي، كان مقدراً لمثل هذه الجهود أن تفشل. كما يرى أنه “لا يمكن تفادي مشكلات عصر نووي جديد بالقول إنّ الأسلحة النووية خطرة أو فظيعة. فهذه الحجة لم تنفع في الحرب الباردة، ولن تنفع الآن”. أخطاء أميركية لا يوافق براكن على أسلوب الولايات المتحدة في تعاملها مع انتشار القنبلة خلال العقدين الماضيين، إذ اعتمدت سلسلة من الخطوات والخطوات المضادة التكتيكية الفردية للابتعاد عن أي مواجهات مباشرة يمكن أن تؤدي إلى الحرب. يقترح إطاراً أوسع من خلال النظر إلى العصر النووي الثاني على أنه مشكلة طويلة الأمد ـ مشكلة قد تدوم خمسين عاماً، ولهذا فإن فهم النظام المكون من قوى رئيسة وأخرى ثانوية ومجموعات صغيرة أمر جوهري لتجنب كارثة أمنية وصدمات كبرى قد لا يكون النظام الدولي قادراً على امتصاصها. فمن المرجح أن يحفل العصر النووي الثاني بسباقات تسلح نووي إقليمية، وأزمات إقليمية، وتنافس نووي بين القوى العظمى. ولكن لا بد من الاعتراف بهذا النظام الأكبر، وبهذه المجموعة الأوسع من الدول الكبرى والثانوية إذا أردنا للسياسات المتعلقة بالتعامل مع العصر النووي الثاني أن تكون فعالة. يميّز: “العصر النووي الثاني ـ بعكس سابقه ـ أنه لامركزي، بوجود صانعي قرار نووي مستقلين كثر، في أقاليم حيوية من العالم، إضافة إلى القوى العظمى في العالم”. من ناحية ثانية، فإنّه يدعو إلى شيء من التواضع باعتبار أنه إذا لم يكن باستطاعة القوى العظمى منع باكستان وكوريا الشمالية ودول أخرى من الحصول على القنبلة، فمن الصعب التصديق بأن هناك إمكانية لإقناع هذه الدول بالتخلي عنها. يشير المؤلف إلى أنه: “فعلت الولايات المتحدة كل ما بوسعها تقريباً لترويج سياسات مناهضة للأسلحة النووية بعد الحرب الباردة، غير أنها لم تنجح، إذ لم تقتنع بها الدول الأخرى، فتلك الدول مستقلة ومسؤولة عن تقرير مصيرها، ولهذا السبب اختارت الحفاظ على القنبلة أو الحصول عليها. ولم يكن انتشار القنبلة والتكنولوجيات العسكرية المتقدمة الأخرى مجرد انحراف أو بداية غير صحيحة، أو مجرد طريق اتبع لمدة وجيزة إلى أن وعي الناس المخاطر، بل أصبحت القنبلة راسخة بعمق في العلاقات الدولية، على المستويين العالمي والإقليمي”. قوى نووية قسّم براكن الدول التي تملك أسلحة نووية في العصر النووي إلى نوعين: “القوى الكبرى مثل روسيا والصين والهند، إلى جانب القوى النووية الثانوية مثل باكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية، وعلى الأرجح إيران، ليست واثقة إلى أين يتجه العالم، حيث ترى هذه القوى أنّ هناك الكثير من الاحتمالات المختلفة في ما يتعلق بالمستقبل”. وفي ظل وجودهما على الساحة معاً، يتعاظم الخطر بانخفاض القدرة الأميركية ـ سياسياً واقتصادياً ـ على فرض النظام في مناطق مختلفة، وعدم وجود بنى جديدة واعدة للقيام بذلك، وانتشار تكنولوجيات عسكرية متقدمة من جميع الأنواع، يقول براكن: “كل هذا جعل من غير المحتمل أن تتخذ هذه الدول الخطوة الاستثنائية المتمثلة بنزع أسلحتها بقرار ذاتي. وهناك سبب آخر لانتشار القنبلة، ألا وهو عدم الثقة في الولايات المتحدة، الأمر الذي غذّى نشر القنبلة كإجراء مضاد للتدخلات العسكرية الأميركية. فمن وجهة نظر الصين وروسيا والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإيران، فإنّ القنبلة تردع أميركا تماماً؛ لأنها خطرة جداً”. ويطرح المؤلف سؤالان: “كيف سيدير العالم شؤونه بأكبر قدر ممكن من الأمان في العصر النووي الثاني؟ يخمّن بأن هذا السؤال واجهته القوى العظمى في أواخر الأربعينيات عند فجر العصر النووي الأوّل. أمّا السؤال الثاني، فهو: هل من الممكن بالنسبة إلى بعض الدول أن تنجح في البقاء خلال العصر النووي الثاني؟ وكيف يمكن استغلال الكوارث في العصر النووي الثاني من أجل إنتاج نظام نووي عالمي أشد تقييداً، أو حتى نظام يزيل القنبلة نفسها؟ يجيب: “إنّ مقاربة العصر النووي الثاني باستخدام مصطلحات مبادئ الردع الخاصة بالعصر النووي الأول ـ مثل البقاء بعد الضربة الصاروخية الأولى، والاستهداف العسكري مقابل الاستهداف المدني، والهجوم التقليدي مقابل الهجوم النووي ـ لا تصف بشكل صحيح التحديات التي يواجهها العالم اليوم؛ لأنّ هذه المقاربة تهمل أسباب الصراع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرقها، صراعات أصبحت تمتلك الآن بعداً نووياً”. من وجهة نظر براكن، فإنّ دراسة العصرين النوويين معاً أكثر نفعاً من دراسة كل واحد منهما بمعزل عن الآخر. ففي كلا العصرين، واجه القادة تحديات تتعلق بدرجة غير معقولة من العنف، وحاجة إلى فرض بعض الحدود، وبعض العقلانية، من أجل كسر زخم التصعيد، وسباقات التسلح، والتنافس الذي يمكن بحد ذاته أن يؤدي إلى الكارثة نفسها التي وجدت الأسلحة بهدف منع حدوثها. في الكتاب الذي يسعى مؤلفه لاستشراف المستقبل من خلال ربط الأحداث والبناء عليها، يضيء على الآلية التي تعتمدها الدول الكبرى في المجالس السرية، ألا وهي: “اللعبة الأزمة”. وتلك اللعبة استخدمها المحللون من أجل استكشاف عالم الاستراتيجية النووية الجديد. والغاية منه معرفة كيفية معالجة الأزمة من خلال اللاعبين، وبذلك انتقل التركيز إلى معالجة الأزمة، وليس إلى الفوز بها كي لا يتم الوصول إلى مرحلة الإبادة النووية. ومن خلال تلك الألعاب، تبين أنّ بعض أكثر الأفكار إثارة للاهتمام حول الحرب الباردة جاءت من ألعاب الأزمات التي كانت مؤسسة راند ومعهد هدسون ومراكز بحوث أخرى تلعبها. كانت الألعاب تلعب من أجل اكتشاف ديناميات لم يسبق لأحد أن فكر فيها من قبل، ولم يكن منهج الألعاب يعد بالصرامة نفسها التي تعد بها غالباً مناهج الدراسات. ويوضح براكن: “الألعاب تريك أشياء لم تفكر فيها من قبل. وفي تلك الألعاب لا يسمح بامتلاك معلومات سرية كاملة عن العدو، ولا يسمح بامتلاك أسلحة اللايزر التي تقتل الأشرار بكبسة زر”. لعبة افتراضية ويعطي المؤلف مثالاً عن واحدة من هذه الألعاب التي تتوجه إلى منطقة الشرق الأوسط، فيقول: “تبدأ اللعبة بخطف (حزب الله) جنوداً إسرائيليين، أو يحدث هجوم كبير داخل إسرائيل، ثم ترد إسرائيل بغارات جوية على قرى يعتقد أنها تحوي مخازن ذخيرة لـ(حزب الله)، وبعد ذلك تشتعل غزة والضفة الغربية. بعد الهجمات الجوية الإسرائيلية على لبنان، أطلق (حزب الله) صاروخ كروز بطيئاً على سفينة حربية إسرائيلية، فلم يصبها إصابة كارثية ما استدعى السؤال: ماذا لو أعطت إيران (حزب الله) صواريخ حديثة أسرع؟ عندها كانت ستشل القوة البحرية لإسرائيل. وهنا تصبح المعادلة: التصعيد في سياق نووي ليس كالتصعيد في النزاعات السابقة من دون القنبلة. فإسرائيل كانت تعرف كيف تصعد في حرب تقليدية أو في وجه انتفاضة، إلا أن الوضع اختلف في الظروف النووية. فناقش فريق إسرائيل فكرة القيام بتصعيد كبير لمفاجأة إيران، لكن تبين أن الموضوع شائك، ففي حال فتحت الجبهة المصرية عملياً، ستكون إسرائيل في حالة حرب مع جبهتين، الأمر الذي تخشى عواقبه. ولهذا ارتأى الفريق الإسرائيلي برفع مجسات السلام وتخفيف التصعيد وتفعيل القنوات السرية”. وفي اللعبة، يطرح السؤال: ماذا لو لم توقف إيران الحرب؟ عندها فكر الفريق بتوجيه صاروخ برأس حربي ينفجر على علو مئة ألف قدم فوق طهران. وفي تلك الضربة ستتحطم نوافذ، ولكن سيسقط عدد قليل من الناس، الأمر الذي قد يردع إيران فتطلب من (حزب الله) جمع أوراقه والانسحاب. ويكبر السؤال: “ماذا لو تأهبت إيران نووياً؟. وبنتيجة السؤال دارت نقاشات حادة بين إسرائيل وواشنطن طلبت فيها الأولى أن تقوم الولايات المتحدة بخطوات رادعة لإيران، إذ إنّ أي خطوة إيرانية متهورة تعني زوال إسرائيل، الأمر الذي يطرح التشكيك الآتي من قبل إسرائيل: “هل كانت أميركا تبيع إسرائيل كلاماً رخيصاً حول منع انتشار الأسلحة النووية، بينما كانت إسرائيل تسير في طريقها نحو الهاوية”. وجاء التشخيص أنّ الوضع يشبه ما حدث في عام 1975 عندما راقبت الولايات المتحدة فيتنام الجنوبية وهي تسقط، بينما كانت تناقش قضايا كبيرة مثل السلطة الرئاسية. وفي تنامي “الأكشن” في اللعبة، عملت إيران على نقل السكان في الحافلات والسيارات والشاحنات إلى خارج طهران وأصفهان ومشهد إلى ضواح بعيدة، وأصبحت جاهزة لأي هجوم نووي في الوقت الذي ساد فيه الإرباك في إسرائيل بعدما أغلقت الصواريخ مطار بن غوريون، فحاول السكان الفرار إلى قبرص في قوارب صغيرة. لكنّ إيران أعلنت بعد البلبلة التي نقلها التلفزيون أنها من أجل السلم العالمي سترجع عن حافة الهاوية. وكان هذا الخبر مصدر ارتياح الفريق الأميركي. وهكذا انتهت اللعبة. ثلاثة محاور يجول براكن في العصر النووي الثاني على ثلاثة محاور: الأولى، كيفية استخلاص العبر من العصر النووي الأول الذي كان دينامياً، وقد أثّرت السياسة في أحداثه بالقدر الذي أثرت فيه الأحداث بالسياسة. في المحور الثاني، يعالج سياسات القوة الجديدة ومدارها الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرقها. وفيه يذكّر ببدايات العصر النووي الأول في السادس من آب/ أغسطس من عام 1945، تاريخ إسقاط الولايات المتحدة قنبلة ذرية على هيروشيما. وهناك رأي يفيد بأن الحرب الباردة أدت إلى العصر النووي الأول، وانتهت في عام 1991 مع نهاية الاتحاد السوفييتي. وبعد ذلك، بدأت حقبة من الانتشار النووي في التسعينيات وما بعدها. رأي آخر يفيد بأن العصر النووي الثاني بدأ منذ وقت طويل، وأن بدايته لم تلحظ لأن كل الانتباه كان منصباً على الحرب الباردة. أما العصر النووي الثاني، فإنه بدأ من دون أن يلاحظه أحد مقتبساً عن هيغل: “التاريخ هو ما يحدث خلف ظهورنا”، والعصر النووي يشبه ذلك كثيراً”. في المحور الثالث، يسأل: هل ستكون السياسات المحافظة كافية في العصر النووي الثاني؟. يعلق: “تصميم كازينو العصر النووي الثاني مختلف، إذ يشتمل هذا الكازينو على ثلاث عجلات روليت: واحدة للشرق الأوسط، واحدة لجنوب آسيا، وواحدة لشرق آسيا. تمثّل هذه العجلات المواقع الأكثر خطورة للتصعيد النووي. لكن احتمالات الحرب النووية ما بين القوى الرئيسة تقلصت بصورة كبيرة في العصر النووي الثاني، ما يعني أن أجزاء التصعيد العليا ـ أي الهجمات النووية المحدودة، والضربات المنظمة وتدمير مراكز القيادة والسيطرة، أي التعابير التي ظهرت في الحرب الباردة ـ يحتمل أنها استبعدت تماماً. كما أنه في هذا العصر غاب الصراع العقدي الكبير الذي يستحق الدخول في حرب نووية لأجله”. يخلص براكن إلى ضرورة وضع قواعد جديدة للديبلوماسية والاستراتيجية العسكرية والسيطرة على الأسلحة من أجل تخطي العصر النووي الثاني وصولاً إلى عالم أكثر استقراراً وأمناً. ويفضي إلى استنتاج جوهري: “إذا لم نتدبّر أمر العصر النووي الثاني، فإنّ العصر النووي الثاني سيتدبّر أمرنا”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©