الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أخفى الله ليلة القدر لحثِّ المؤمنين على الاجتهاد في طلبها وإحيائها بالعبادة

أخفى الله ليلة القدر لحثِّ المؤمنين على الاجتهاد في طلبها وإحيائها بالعبادة
2 أغسطس 2013 03:18
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين ... وبعد يقول الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، «سورة البقرة: الآية 185». لقد كان نزول القرآن الكريم في ليلة مباركة كريمة هي ليلة القدر، التي تتيه على الزمان كلّه بهذين الوصفين اللذين لم تحظ بهما ليلة غيرها من ليالي العام كله، وهما «الليلة المباركة» و«ليلة القدر»، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، «سورة الدخان: الآيات 3-6»، وقال عز وجل في كتابه الكريم: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، «سورة ليلة القدر: الآيات 1-5». أهل القرآن ولقارئ القرآن ثواب عظيم فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربِّ منعتُه الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي ربِّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان»، (أخرجه أحمد والطبراني). ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في تكريم حاملي القرآن وحفظته، انطلاقا من قوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بهِ آخَرِينَ»، (أخرجه ابن ماجه)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ»، (أخرجه ابن ماجه)، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يُقَدِّم القُرَّاء الحُفَّاظ للإمامة بالمصلين، كما وكان يُقَدِّم القُرَّاء الحفَّاظ من الشهداء تجاه القبلة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أرسل سَرِيّةً يسألُ مثلاً، مَنْ يحفظ سورة البقرة؟ فيقول رجل أنا، فيجعله صلى الله عليه وسلم أميراً على السريّةً، كما كان صلى الله عليه وسلم يُزَوِّج المسلم بما يحفظ من كتاب الله الكريم. لذلك يجب علينا تشجيع أبناء الأمة الإسلامية على قراءة القرآن الكريم وَتَدَبُّره والعمل به، وتكريم حفظته وأهله؛ لأنه حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم. ليلة القدر ونحن في هذه الأيام نعيش في ظلال أيام مباركة هي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، حيث يجب علينا أن نغتنم فضل هذه الليالي المباركة، وأن نبادر إلى الجدِّ والاجتهاد في العبادة، فقد ورد عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شَدَّ مِئْزَره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»، (أخرجه الشيخان) ومعنى شَدَّ مئزره: الجدّ والتشمير والاجتهاد في العبادة، وقالت أيضاً: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره»، (أخرجه مسلم). كما أن هذه الليالي تشتمل على أفضل ليلة وهي ليلة القدر التي قال عنها - صلى الله عليه وسلم-: «تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان»، (أخرجه مسلم). ويقول - صلوات الله وسلامه عليه-: «مَنْ قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدم من ذنبه»، (متفق عليه)، وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة والدعاء والابتهال وقراءة القرآن. وهي الليلة التي تتنزل فيها الملائكة الكرام بقيادة سيدنا جبريل - عليه الصلاة والسلام-، من أجل كلّ أمر جليل عظيم قَدَّره الله وقضاه، فيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة «سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ»، فهي ليلة سلام ورحمة وخير للمؤمنين. وقد أخفى الله ليلة القدر لحثِّ المؤمنين على الاجتهاد في طلبها وعلى إحيائها بالعبادة والطاعة، واختلف العلماء في تحديدها، حيث ورد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من شهر رمضان»، وأرجى وقت تُلْتَمَسُ فيه ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان للأحاديث الواردة منها: قوله - صلى الله عليه وسلم-: «من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين»، (أخرجه أحمد)، وما رُوِيَ عن أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - أنه قال: «والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها لا شعاع لها»، (أخرجه مسلم)، كما استنبط ذلك من عدد كلمات السورة، فقال: ليلة القدر تسعة أحرف، وقد أُعيدت في السورة ثلاث مرات، وذلك سبعة وعشرون وهذا ما أخذ به الأكثرون. وإذا هيأ الله للمسلم ليلة القدر فعليه أن يَتَّبعَ ولا يَبْتَدع، وجزى الله نبينا خير الجزاء فقد أرشدنا إلى كلّ خير، كما رُوِي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ! إنْ عَلِمْتُ أيّ لَيلةٍ لَيلةَ القَدرِ ما أقولُ فيها؟ قالَ - صلى الله عليه وسلم-: قولي: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمٌ تُحبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»، (أخرجه الترمذي). فعلينا أن نُشَمِّر عن ساعد الجدّ، ونغتنم هذه الأيام المباركة المتبقية من العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك للإكثار من الطاعات والقُربات وفعل الخيرات. صدقة الفطر صدقة الفطر واجبة على كل مسلم حرٍ قادر على إخراجها سواء أكان صغيراً أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، حراً أم عبداً، فقد جاء في الحديث: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر، الذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤَدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة»، (أخرجه مسلم)، وقد فُرِضت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان قبل العيد بيومين، وقد جاء هذا المعنى كما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أَدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»، (أخرجه ابن ماجه)، وَيُخرجها المسلم عن نفسه وعمَّن تلزمه نفقته كزوجته وأبنائه ومن يتولى أمورهم والإنفاق عليهم كالوالدين الكبيرين أو الأخوة القُصَّر.. إلخ، ويجوز إخراجها من أول شهر رمضان، وَيُسْتَحَبُّ تأخيرها إلى أواخر شهر رمضان، والأفضل إخراجها قبل صلاة العيد، ليتمكن الفقير من شراء ما يحتاجه في العيد لإدخال السرور على عائلته لقوله عليه الصلاة والسلام: «اغنوهم عن الطواف في هذا اليوم»، (أخرجه الدارقطني). ومقدارها هو صاع من غالب قوت أهل البلد وَيُقَدّر الصاع بـ (2176) جراماً، وقد جَوَّز الأحناف إخراج قيمتها نقداً لأنها أكثر نفعاً للفقراء في قضاء حوائجهم. وداع شهر رمضان المبارك من المعلوم أننا سنودع بعد أيام هذا الضيف الكريم الذي كان شهر خير وبركة، فيه تتضاعف الحسنات، وفيه تكتظ المساجد بالراكعين الساجدين من أهل القرآن، و فيه يظهر التكافل الاجتماعي في أبهى صوره، نودِّعه ونحن نردِّد قول الشاعر: وَدِّعُوا يا إخوتي شهر الصيام بدموعٍ فائضاتٍ كالغَمَام وَسَلُوا اللهَ قبولاً في الختام فالكريمُ مَنْ رَجَاهُ لا يُضَام بقلم الشيخ الدكتور / يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©