الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسلامنا بين موضوعية الفهم وسوء الظن والعرض

إسلامنا بين موضوعية الفهم وسوء الظن والعرض
20 يناير 2011 20:13
ابتلي الإسلام في بنيته التشريعية بأمرين : الأول سوء الظن، والثاني سوء العرض. أما سوء الظن فوجدناه عند البعض من غير المسلمين الذين تمثلوا الإسلام هاجساً مخيفاً، وكابوساً مرعباً، فتولد في نفوسهم ما أطلق عليه البعض اسم (Eslamo Fobia إسلاموفوبيا) أو الخوف من الإسلام. وأما سوء العرض فقد ابتلي الإسلام بفئة متعصبة لم تتعمق في أحكامه وتشريعاته، ولم تقف على مقاصده ومراميه أو تدرك فقه الواقع فيه، ومن ثم أساؤوا عرض مسائلهم وطرح قضاياهم في ظل ما يشهده عالم اليوم من تغيرات وإحداثيات، ومن ثم كان الإسلام ضحية بين سوء الفهم ومغالطات العرض، وهذا أمر ينبغي أن نقومه في ضوء عدد من المفاهيم منها : أولا: يجب أن نفرق بين تشريعات الإسلام، وسلوكيات بعض المسلمين، فسلوكيات المسلم ليست حجة على الإسلام وإنما تشريعات الإسلام حجة على كل المسلمين. فمثلاً : إذا ما سرق مسلم، هذه السرقة سلوك شخصي ومن ثم ليس من الموضوعية بحال أن نقول إن الإسلام يأمر بالسرقة والسطو على ممتلكات الآخرين. ثانيا: إن سوء العرض ليست خاصية في الدين الإسلامي، فهذا أمر وارد عند كل ملة وطائفة وكل فكر ومذهب، بيد أن الموضوعية تدعونا إلى القول: إن إساءة العرض في أي نحلة وملة لا تعبر بواقع الحال عن البنية الفكرية لهذه الملة أو تلك النِحلة أو الطائفة. ثالثا: إذا أردنا أن نتعرف على الإسلام فإن النهج العلمي الموضوعي يقتضينا أن نفعل ذلك من واقع التشريع الإسلامي ذاته لا من أفعال أو تصرفات بعض المحسوبين عليه لا سيما وأن الإسلام في بنيته وجوهر أحكامه يحمل النصفة لغير المسلمين في نصوصه وتشريعاته. وفى سبيل الوصول إلى ذلك أضرب مثلاً بحرية المعتقد في الإسلام، حيث بنيت تشريعات الإسلام أن التعدد والتنوع سنة من سنن الله تعالى الكونية في خلقه وعباده. يقول سبحانه وتعالى: «وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» هود: 118-119. وتأسيساً على ذلك كان من ملامح السنن الكونية في الاختلاف والتعدد أن الحق سبحانه أرسل أنبياءه ورسله بشرعه وأحكامه، ومع هذا فإن الخلق في قبول ما أرسل به المرسلون متباينون في أمرهم، فمنهم كافر ومنهم مؤمن، ومنهم شقي وآخر سعيد، وفى داخل الدين ذاته منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله. وهذا يأخذنا إلى أن مهمة المؤمن مع من خالفه مهمة إنسانية قوامها الدعوة بالحسنى وأساسها البلاغ والتذكير. وتبقى الهداية والتوفيق من وراء ذلك كله قدرا مقدورا بمشيئة رب العالمين. ولعل هذا ما تضافرت الآيات القرآنية على تأكيده حيث قال الحق سبحانه: «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» الغاشية: 21-22. وقال سبحانه: «فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ» الرعد: 40 . وقال سبحانه: «لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء» البقرة 272. في ضوء هذا الهدى الرباني استنار سلف الأمة فلم يحمل لنا التاريخ عن أحد منهم أنه أكره غير المسلم على الدخول في الإسلام، بل روى التاريخ لنا ما يخالف ذلك، ولعل من أظهر المواقف في هذا الشأن ما حدث من أن عمر بن الخطاب مر بعجوز على غير دين الإسلام فقال لها عمر «أسلمي تسلمي إن الله بعث محمداً بالحق. فقالت العجوز: أيها الأمير أنا عجوز كبيرة، والموت أقرب إلى. فقال عمر : اللهم اشهد، ثم تلا قول الحق سبحانه «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» البقرة 256. بل فوق ذلك تعاملت تشريعات الإسلام مع غير المسلمين في ضوء مرتكزات الأخوة الإنسانية التي تعلو قيمها فوق العرق والجنس واللون حيث قال الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» الحجرات 13. تلك الأخوة الإنسانية التي فرضت للإنسان حقاً في حياته وبعد مماته، فأما الحق في الحياة فيتمثل في البر وحسن الصلة يقول سبحانه: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» الممتحنة 8. وأما بعد الممات فقد روى الإمام مسلم والبخاري والنسائي أن قيس بن سعد بن عبادة، وسهل بن حنيف كانا بالقادسية فمرت بهما جنازة فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض. فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل إنه يهودي فقال : أليست نفساً ؟ وقد أخذ الإمام ابن حجر من هذا الحديث كما نص في الفتح «استواء المسلم بغير المسلم في القيام لجنازته». وبعد، لقد أدرك المسلمون الأوائل سمو دينهم، ونبل تشريعاته في التعامل مع الآخر، فعرفوا له حقه، وأدركوا أن الحق سبحانه وتعالى وهو الخالق الرازق وسع غير المسلم في ملكه وكونه، فأيقنوا أنه حري بهم وهم حملة مشعل الهداية من الحق إلى الخلق ألا يضيقوا ذرعاً بمن خالفهم في دين أو معتقد بازلين لهم صنائع المعروف لعل الله تعالى أن يهدي بحسن السيرة ونقاء السريرة نفوساً طالما اشتاقت إلى الوصول إلى الحق سبيلاً. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©