الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيخة السبوسي غواصة منذ الصغر في بحر العمل التطوعي

شيخة السبوسي غواصة منذ الصغر في بحر العمل التطوعي
4 أغسطس 2011 22:31
هي سيدة أحبت خدمة الغير منذ عمر، ربما لن يصدق أحد أنها كانت وقتها تلميذة في الابتدائية، لكنها كانت تعمل على تدريس الأميين بشكل تطوعي قبل أن تعرف معنى العمل التطوعي، لكن كل من يعرف شيخة عبيد يوعان السبوسي التي قضت ثلاثين عاماً من عمرها في التربية والتعليم، لن ينسى تلك الطفلة التي قدمت جزءاً كبيراً من وقتها ومن طفولتها لخدمة كل أمي بصدر رحب وبحب وهدوء، وقد ولدت شيخة في فريج الشويهيين بالشارقة، وكان جيرانهم من أصل طيب وعائلات معروفة. أخذت شيخة عن والدها الكثير من الصفات النبيلة، فقد كان الرجل محبوباً ليس كثيرا، إنما بشدة من قبل كل من يعرفه، وهو بشوش ويحمل روحاً مرحة وكريم، وكل من سكن المنطقة لن ينسى أن منزله كان لا يقفل له باب، فهو مفتوح أمام الجميع وللقادمين من البادية لبيع بضائعهم في السوق، فقد كان الرجل يحب أن يخفف عنهم عناء السير لأيام وليال طوال، فيقدم لهم الضيافة والمبيت إن لزم الأمر، وهو من قبيلة السبايس التي يعود أصلها للعين. وتذهب شيخة ببصرها بعيداً وكأنها تدلف إلى الذاكرة، لتستحضر لنا المشاهد المقيمة في وجدانها، وهي لا تزال تذكر أن لبيتهم ثلاثة أبواب لكثرة الضيوف والأهل والأٌقارب الذين لا ينقطعون عن المنزل، فذاك باب خاص بالأسرة وآخر بالأقارب والثالث خاص بالضيوف، وقد عمل والدها مع البريطانيين. حلوى الكيك وكانوا يتعاملون بدبلوماسية مع المواطنين، وتذكر شيخة أنها كانت تنتظر أعيادهم بشغف لتحصل على الحلويات وخاصة الكيك الذي لا تزال تذكر مذاقه حتى اليوم، لكنها صدمت حين علمت في الكبر أن ذلك الكيك كان يطهى بالروم وهو أحد المشروبات الروحية، لكن لم يكن أحد من الأهالي قد يتصور ذلك، ولم تنس شيخة ذلك اليوم الذي تحدثت فيه مع إحدى المعلمات الانجليزيات، ربما بعد مرور عشرين عاماً على أكلها ذلك الكيك وأخبرتها بالحقيقة. وعن أقرب الصديقات تقول إن معظم الفتيات في تلك الفترة كن مقربات من بعضهن، ولم يكن هناك تحاسد أو غيرة، وتذكر شيخة أنها تعلمت القرآن عند بنت الذهب وأيضاً عند لطيفة بنت عبدالله بن صالح رحمة الله عليهما. ولا تزال ترى تلك الصور واضحة وكأنها اليوم، ومن أهم الأحداث أن والدها يستقبل الضيوف ومنهم الأجانب يومياً على العشاء في منزلهم، وتعقب أن سبب ذلك وفرة الألبان وكل ما ينتج عنها، وطهي العشاء الدسم وبكميات كبيرة كل ليلة، خاصة الأرز وبجانبه اللبن أو الزبادي واللحوم من الدواجن الطازجة، ولذلك كانوا لا يفوتون تلك الوجبة الدسمة المجانية كل ليلة، وبعدها يتناولون القهوة العربية، وكانت شيخة تحب أن تدخل مثل أي طفلة في عمرها لمشاهدة ضيوف الوالد خاصة عندما يكون بينهم الإنجليز، الذين تراهم مختلفين عمن حولها، وكانوا يلاطفونها ويتحدثون معها بالإنجليزية، ولذلك عندما دخلت شيخة المدرسة في عمر الرابعة، كانت تملك حصيلة من المفردات اللغوية باللغة الانجليزية. فض المنازعات شيخة أحبت مرافقة جدها والد أمها علي بن راشد بن ديماس، وقد كان قاضياً ومحامياً يعمل على فض المنازعات والقضاء بين الناس بالتراضي، ولأنها كانت أول حفيدة فقد كان الجميع يهتم بها، إلا أنها لم تدع كل تلك المظاهر تؤثر عليها، لأنها كانت قد جبلت على العطاء، وأهم أدوارها مساعدة والدتها منذ الطفولة المبكرة، رغم توفر أيدي عاملة من السند، وحين تعود من المدرسة التي دخلتها في عمر الرابعة، كانت تنهمك في المذاكرة ثم تعين والدتها. وتقول إن من بين الأعمال أن تحلب البقر مع الدتها وتذهب إلى البر لتجمع نبات الثمام، وتنظف المنزل ولكنها كانت تكره الطهي، وبعد أن تنهي تلك المهام وتنهي فروضها، تذهب لجمع الأهالي الذين لم يحصلوا على فرصة الدخول للمدارس، فتجلس معهم بالساعات لتعلمهم الكتابة والقراءة، فأصبحت لديها مهارة القيادة وكبرت معها يوماً بعد يوم, ولذلك كانت تعرف كيف تدير علاقاتها مع الصديقات والزميلات. وتشرح ذلك قائلة إنها أنانية في أثناء الدرس، فهي يمكنها مساعدة كل من يرغب في فهم أي معلومة أو حل أية مسألة أو أسئلة، لكنها تخبر الجميع أنها لا تقبل الرد على أي سؤال ما أن تدخل المعلمة الصف، لأنها بكل بساطة لن تفهم ولن تركز مع الشرح وكذلك حالها عند الامتحانات، وما أن تأتي الإجازة حتى تكافئ نفسها بزيارة فريج المزاريع، فهي تحب أن تذهب لبيت أحدهم مع بعض الصديقات، وكانت سيدة البيت تصنع كل أسبوع الهريس بطريقة متقنة بحيث لا يمكن مقاومته، وتضع جزءاً للفتيات أثناء لعبهن مع بعض بناتها، ومن أجمل المغامرات أن يركبن العبرة لتأخذهن إلى منطقة اللّية عبر خور الشارقة. وتؤكد شيخة أن والدها من أوائل من اشتروا سيارة لاندروفر من الإنجليز، وكان لديهم تلفزيون وثلاجة في وقت لم يكن عند بقية الأهالي تلك الأدوات، لذلك كانت تأتي برفيقاتها كي يتفرجن على الثلج ويشاهدن التلفزيون، وفي بعض الأوقات كانت الكهرباء تنقطع عن منزلهم، وقد تعلمت شيخة أن تصنع لها مصباح كي تكمل مراجعة دروسها، حيث تحضر عبوة مشروب غازية فارغة وتضع فيها زيت والفتيلة من بقايا غطاء رأس من قماش الندوة، وتقفلها بقطعة من التمر ثم تشعلها. إتقان الإنجليزية وتفوقت بنت عبيد وكانت تتقن الإنجليزية منذ الابتدائية، وشعرت أن أمها ترسي فيها قواعد التربية، لذلك حين أتيحت لها الفرصة للانضمام للمرشدات، اختارت بنفسها أن لا تنضم لأن ذلك سيؤثر بلا شك في تحصيلها ودرجاتها، كما سيعطل المهام التي تؤديها لصالح المجتمع، وفي الوقت ذاته هي مسؤولة عن إدارة منزل الأسرة مع أمها، وتتذكر أن البيت الذي ضمهم كان يستقبل أيضاً ضيوفاً كانوا يأتون من البادية لمراجعة مستشفى سارة هازمن للولادة، حيث تقدم لهم الخدمات لحظة الوداع. نهاية الستينيات وفي مرحلة نهاية الستينيات انتقلت الأسرة إلى منزلهم الجديد في منطقة المصلى، تلك المنطقة عبارة عن بر جميل الشارقة، وعندما أنهت شيخة الثانوية العامة تزوجت، حيث عينت معلمة في مدرسة رابعة العدوية، وفي الوقت ذاته هي زوجة ومدبرة لمنزل الأسرة، ولا تزال تذكر مديرة المدرسة فاطمة مصبح السويدي التي تجيد التعامل الحسن مع المعلمات، ثم تم نقل شيخة إلى مدرسة الرملة وكانت المعاملة في المدرسة خليط من الأخوة والمشاعر، وفي تلك المدرسة رقيت إلى مشرفة إدارية، وعندما أنجبت، بدأت في تغذية أطفالها معنى الالتزام وأداء الواجبات الذاتية تجاه النفس، وأن لا ينتظروا أن تقدم لهم الخدمات. وعندما كبر أبناؤها أصبحت توزع عليهم مهام العمل في المنزل، تماما كما كانت تفعل والدتها، وفي عام 1982 جاء لها زوجها بخبر فتح مراكز للانتساب الموجهة في جامعة الإمارات، فانضمت من دون تردد وواصلت أدوارها المختلفة، ومنها حب تلخيص المواد لزميلاتها في الجامعة، وتؤكد أنها كانت تفعل ذلك بحب ومتعة، وحين تقدم أي مشروع أو تختبر كان الدكتور في الجامعة يقول لها إنه لا يتعب أبداً وهو يصحح أوراقها. وتخرجت شيخة بمرتبة الشرف في كلية الدراسات الإسلامية قسم اللغة العربية، وعينت مباشرة مديرة لمدرسة أشبيلية، وكانت تتوقع أن يتم تعيينها موجهة، وفي النصف الأول من العام الدراسي فازت المدرسة بمركز أول مدرسة متميزة على مستوى وزارة التربية والتعليم، وكان ذلك بجهد كل المعلمات اللاتي أحببن شيخة، وكانت كل واحدة منهن تدير المدرسة في حدود مسؤولياتها بإخلاص. استثمرت شيخة ثلاثين عاماً من عمرها في التعليم حتى عام 2003، حيث ربت أجيالاً وعززت قدرات معلمات، وشعرت أن وقت الترجل عن صهوة جواد العلم قد حان، فقدمت استقالتها قائلة: إنها بسبب انكسارات في ظهر الشموخ وهي تأبى الانكسار، ثم وقعت عقداً مع شركاء في مدرسة خاصة لأجل العمل شريكاً، وتدير اليوم المدرسة كما تدير شؤون بيتها إلى جانب شريك العمر وبرفقة الأهل والداعمين.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©