الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الواقع والوهم

4 فبراير 2017 23:10
تكّون الهوية هو نتاج تراكم الخبرات في الثقافات المختلفة، والتعددية بمنظور علم الاجتماع هي منهج تفاعلي تظهر فيه الإرادات التي تحترم التسامح مع الآخرين والتعايش المثمر والتفاعل من دون صراع ومن دون انصهار.. التعددية من أهم ملامح المجتمعات الحديثة، وهي تعد مفتاحاً للتقدم والتنمية الاقتصادية، علمياً وعملياً يمكن القول بأن الطبيعة التعددية في المعرفة والعلوم تكون عاملاً رئيساً في التقدم السريع وعاملاً مؤسساً للنهضة بكل مناحيها المادية والبشرية، ونتيجة لذلك يصبح التقدم العلمي سبباً لسعادة الإنسان نتيجة الزيادة الإنتاجية والتنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي في مختلف مجالات الحياة. أطلق مصطلح «الكوزموبوليتانية» على مدن وعواصم عالمية للتعبير عن تعدد ثقافاتها ومدى انفتاحها على العالم مثل باريس وروما وغيرها، ولن نعود كثيراً إلى الوراء ولكن لا بد لنا من وقفة تأمل في تاريخنا الإسلامي وحين كانت مظاهر الدولة الحديثة وابتداءً من العصرين الأموي والعباسي وما تلاهما وما رافق الفتوحات الإسلامية من تداخل وتنوع حضاري وثقافي كبير أثرى وقدم للإنسانية منهجاً للتعايش والتنوع وكان مدخلاً مؤثراً وفاعلاً في تقدم العلوم الإنسانية وتطورها لخدمة وصالح البشرية، وهو في حقيقته مبدأ راسخ في ديننا الإسلامي (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا). ومن تاريخنا الحديث هنالك مدن حافظت على هذا النهج الحضاري وكانت تتصف بمثل هذا التنوع لاستيعابها مختلف الأجناس من البشر لتمتزج فيها حضارات وثقافات مختلفة ومتباينة تعايشت بانسجام أدى إلى شهرتها ورقيها من خلال التمازج في بوتقة المعرفة، والتي كانت أساساً مهماً في نشوء وتكون مفهوم الدولة الحديثة.. فقد كانت ولا تزال مدينة مكة المكرمة كقبلة تستقطب العالم، والقاهرة والإسكندرية، و«بغداد والموصل والبصرة ودمشق وحلب قبل الغزو الهمجي» والكثير من المدن والحواضر عبر تاريخنا العربي والإسلامي حاضرة وحاضنة لمثل هذا التنوع وتحمل الكثير من صفاته وتحمل من آثاره الكثير من الشواهد تحاول الحفاظ عليها والبناء عليها كمدخل لعصر جديد من الفضاء المفتوح عبر عالم متاح للجميع. منذ أكثر من أربعة عقود مضت ودولة الإمارات العربية المتحدة تكرس الكثير من طاقاتها لتصير حواضرها مثل دبي وأبوظبي والشارقة مدناً تحمل الكثير من صفات الكوزموبوليتانية والتي جعلتها منارة وقبلة للسياحة والثقافة والفنون، وتتميز بالكثير من التنظيم والرقي والجمال، مما أدى إلى تطورها لتصبح من بين أهم المراكز السياحية والثقافية والاقتصادية في العالم، والذي انعكس إيجاباً على استقرارها في الإقليم، وهذا بدوره جعلها نموذجاً للتعايش والتنوع الثقافي والفكري بين مختلف أجناس البشر بسلام، وبالتالي أصبحت جاذبة للاستثمار كنتيجة حتمية لهذا الاستقرار وسط إقليم مضطرب. إن البعد الآخر لمثل هذا التنوع، والذي يروم النيل منه وتقويضه والذي يسير باتجاه معاكس لحركة التاريخ الطبيعية نحو مزيد من التطور لصالح الإنسانية، هو الخطر الذي نواجهه اليوم في عالمنا العربي ومنذ عقدين من الزمان، والذي يسعى إلى تكريس أحادية الفكر والنهج، وتجهيل وتسطيح الوعي المعرفي الجمعي من خلال نشر الخرافة والأساطير والغيبيات بهدف تدمير القيم وكل معالم الحضارة التي كانت نتيجة التنوع والانفتاح على الآخر وما رافقها من تقدم ورقي للعودة بنا إلى عهود مظلمة مضت. وما يدور من حولنا في العالم والإقليم خير شاهد ودليل، مدن وحواضر دمرت لغرض إزالتها ومحو تاريخها ومدن يتم بشكل ممنهج محاولات تغيير هويتها ونسيجها المتناغم والمتنوع، والتي كانت مثالاً للتعايش بسلام عبر قرون، وملايين من البشر قتلوا وهُجِّروا قسراً وقهراً من خلال هجمة ظلامية تتضاءل أمام وحشيتها هجمات التتار والمغول عبر التاريخ، هدفها تغيير وتدمير حواضر أصالتها ضاربة في جذور وعمق التاريخ حملت رسالة التنوع والتعايش بسلام، والتي هي خير شاهد حي على تطور التجربة الإنسانية عبر مختلف العصور، ومن الغريب أن العالم «الغربي المتقدم»، والذي يدَّعي حمل راية الإنسانية لأجل حمايتها، يتفرج بصمت ويشارك بشكل مريب..!! فنحن نعلم ومن خلال تجاربنا الفرق بين واقع الحرية ووهم الحرية الذي يحاولون تسويقه. مؤيد رشيد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©