الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خوند بركة المملوكية صاحبة المآثر على الفن الإسلامي

خوند بركة المملوكية صاحبة المآثر على الفن الإسلامي
4 أغسطس 2011 22:49
خوند بركة واحدة من أشهر سيدات العصر المملوكي جركسية الأصل، ورغم أنه لم يقيض لها أن تكون زوجة لسلطان، إلا أن ابنها شعبان بن حسين بن قلاوون صار سلطاناً لدولة المماليك فيما بين عامي 764هـ/ 1363م، و778 هـ/ 1377م، وهو ما منحها لقب «خوند» أي السيدة الأولى في الدولة، وقد أثبتت أنها جديرة بأن تكون كذلك. وأثرها على فنون الإسلام كبير سواء في ما يتصل بالفنون الزخرفية أو العمارة الإسلامية، ويكفي أنها خلفت وراءها أثراً معمارياً كبيراً وبعض مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة. كانت «خوند بركة» المعروفة في تاريخ مصر بأم السلطان، على قدر وافر من الجمال مثلما كانت خيرة ومتدينة تعنى بأعمال البر، وكان السلطان شعبان يحبها حباً جماً حتى يقال إنها كانت تسير فعلياً أمور الدولة ولا يتصرف ابنها السلطان في أمر من أمور الحكم إلا بعد استشارتها وموافقتها على كل كبيرة وصغيرة. الخروج للحج في عام 770هـ/ 1369م، خرجت أم السلطان للحج مصطحبة معها مئة بعير محملة بما يتطلبه مطبخها من الحوائج، فضلاً عن الهدايا للحرم المكي وبرفقتها مئة من المماليك وعم خيرها أرجاء مكة حتى عرف العام باسم «أم السلطان» وعندما عادت من الحج اهتم السلطان ورجال البلاط المملوكي بالخروج لاستقبالها خارج القاهرة مصطحباً إياها حتى القلعة وسط أفراح وزينة الطرقات. وقد عنيت أم السلطان بإنشاء مدرسة لتدريس المذاهب السنية وأوقفت عليها أوقافاً جزيلة للإنفاق من ريعها على أجور المدرسين ورواتب الطلاب وعلى الرغم من أن النص التأسيسي لمدرسة أم السلطان شعبان يشير إلى أن السلطان هو الذي أنشأها لأمه فإن المؤرخين وعلى رأسهم المقريزي يشيرون إليها بوصفها مشيدة المدرسة. شيَّدت «خوند بركة» أيضاً الربع الذي عرف باسم «ربع أم السلطان»، وهو عبارة عن مجمع تجاري وسكني ضخم مخصص لإقامة الحرفيين مع أسرهم وتحته بالطابق الأرضي «قيسارية الجلود»، ويظهر أنها كانت مخصصة لتجارة الجلود ومصنوعاتها، وكانت عوائد الإيجارات الشهرية للمساكن بالربع والحوانيت أسفل منها موقوفة للإنفاق على الأنشطة التعليمية للمدرسة. ولكن تلك الأوقاف سلبها في وقت لاحق الأمير الجمالي يوسف وأوقفها على مدرسته بالجمالية. وكانت عناية أم السلطان كبيرة بمدرستها فوفرت لها مكتبة عامرة وزودتها بعدد من المصاحف الحسنة الخط والزخرفة باللازورد وماء الذهب ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بصندوق خشبي عليه اسم «خوند بركة أم السلطان شعبان»، وكان مخصصاً لحفظ أرباع «أجزاء» المصحف الشريف وهو صندوق من الخشب المطعم بالعاج، ويعد تحفة فنية نادرة المثال. كما عثر بالمدرسة على بعض الربعات أو الأرباع، فضلاً عن عدد من المشكاوات الزجاجية المموهة بالمينا المتعددة الألوان والتي صنعت خصيصاً برسم إضاءة المدرسة. وإلى جانب تلك الأعمال الفنية التي يزدان بها متحف الفن الإسلامي، خلدت أم السلطان اسمها بتلك المدرسة التي شيدتها في حي الخليفة بشارع باب الوزير. وتتألف تلك العمارة من سبيل أو حوض لسقي الدواب وسبيل آخر لشرب المارة بالطريق وفوق كل منهما كتاب لتعليم الأطفال الأيتام مبادئ القراءة والكتابة، ثم بناء المدرسة ذاتها والمآذن الخاصة بالمجمع. ولتلك المدرسة واجهة حجرية تعد الأفضل بين عمائر المماليك خاصة من ناحية التوزيع المتوازن لمكوناتها والمقرنصات الحجرية البديعة التي تتوج عقد المدخل. وبالواجهة الحجرية شريط كتابي بخط النسخ يحوي النص التأسيسي للمدرسة. أما تاريخ الإنشاء، فكان عام 770هـ أي في العام نفسه الذي ذهبت فيه للحج. الشافعية والحنفية اختارت أم السلطان لمدرستها أن تكون مخصصة لتدريس مذهبين فقط من المذاهب السنية الأربعة وهما الشافعي، وكان مذهب جمهرة أهل مصر آنذاك، والمذهب الحنفي والذي كان عليه المماليك وجنس الترك بشكل عام، ورغم ذلك جاء تصميم مدرسة أم السلطان على نفس النسق الخاص بالمدارس المملوكية التي كانت تشيد لتدريس المذاهب السنية الأربعة، فهي تتألف من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة إيوانات. ويوجد بالإيوان الشرقي قبتان الجنوبية منهما خصصت لدفن السلطان شعبان الذي قتل على يد مماليكه في عام 778هـ/ 1377م، ودفن فيها أيضاً ابنه الملك المنصور حاجي، أما القبة الشمالية فقد كانت مخصصة لدفن خوند بركة، كما دفنت معها ابنتها في وقت لاحق لوفاتها في عام 774هـ/ 1373م، ويتم الدخول إلى القبتين من بابين بطرفي إيوان القبلة زودا بأحجبة من الخشب المزخرف بالتفريغ وبهما زخارف هندسية دقيقة. ومنطقة الانتقال في القبتين من المقرنصات التي يتزايد عددها بارتفاع صفوفها من الأعلى إلى الأسفل. والقبتان من أقدم القباب الحجرية بمصر وهما بدقة بنيانهما يعبران بدقة عن مدى تطور فنون العمارة في العصر المملوكي ويصل قطر كل قبة إلى 14 متراً. والواجهة الرئيسة للمدرسة هي الشمالية الغربية وفي كل من طرفيها مدخل يؤدي إلى مكونات المجموعة المعمارية ويتوج كل مدخل بعقد مدائني ثلاثي الفصوص حافل بصفوف من المقرنصات الحجرية الدقيقة. وتحتل المدرسة التي خصص إيوانان منها لوظيفة التصوف مساحة مربعة الشكل تقريباً وتحيط به أربعة إيوانات أكبرها وأهمها إيوان القبلة الذي كان يستخدم مسجداً للصلاة. وجرياً على النسق الذي كان سائداً في بداية العصر المملوكي فإن إيوان القبلة يجمع بين مزايا تخطيط المدارس ذات الإيوانات وتقاليد تخطيط المساجد الجامعة ذات الأروقة فينقسم الإيوان إلى ثلاثة أروقة بواسطة بائكتين من عقود وأعمدة ولمدرسة أم السلطان مئذنتان حجريتان من أجمل المآذن المملوكية وتتميزان بمتانة البناء وبالحفاظ أيضاً على النسب الجمالية بين الارتفاع وقطر البناء. نهاية «أولجاي اليوسفي» إن ما شيدته أم السلطان يعد من بواكير وأهم المجمعات المعمارية في عصر المماليك، حيث كان يؤدي عدة وظائف في وقت واحد وهي سبيل الماء للمارة وللدواب، ووظائف تعليمية بالكتاب والمدرسة فضلاً عن وظيفة التصوف والمسجد. وقد توفيت أم السلطان يوم الثلاثاء آخر ذي الحجة من عام 774هـ فحزن الشعب لفقدها نظراً لاهتمامها بأعمال البر والخير، ومن بعد وفاتها حاول زوجها الأمير «أولجاي اليوسفي» المطالبة بميراثها الشرعي فرفض السلطان شعبان أن يعطيه شيئاً منه وثار أولجاي، ولكن السلطان طارده إلى قليوب وحاصره المماليك فألقى بنفسه وفرسه في النهر ليموت غريقاً ويحمل جثمانه إلى المدرسة المعروفة باسمه قرب القلعة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©