الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأمة الإسلامية تعاني «السيولة الفقهية»

الأمة الإسلامية تعاني «السيولة الفقهية»
21 أغسطس 2014 20:10
تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة الفتاوى الغريبة وقيام المجامع الفقهية بمطالبة أصحاب تلك الفتاوى بمراجعة آرائهم والتراجع عن الشاذ منها حفاظاً على صحة الفتوى وأن تكون مستمدة على الأصول المعروفة، طبقا للكتاب والسُنة والإجماع والاجتهاد والقياس، وبداية يرى الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أنه ليس هناك ما يمنع المفتي من التراجع عن فتواه، خاصة إذا لم تكن تتعارض مع الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة فالتراجع عن الفتوى يصح إذا كانت خطأً. قال الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق إن الفتوى اجتهاد يتطلب شروطا منها العلم بالحكم الأصلي ودرجته ونوعه صحة وثباتاً ومنها العلم بمقصد ذلك الحكم والحكمة منه والتطور الواقعي، فكل فتوى انقطعت عن أصلها الشرعي الثابت أو عن مقصدها وواقعها فإنها تثير السخرية أكثر مما تعلم الناس أمر دينهم أو دنياهم، وإن الرجوع للحق أمر مطلوب ولئن يتراجع عالم عن فتوى خير من أن يقتل بسببه المئات أو يسجن بسببه الآلاف. أصول وضوابط ويجب التفرقة بين الفتوى الشرعية وغير الشرعية، أي التي ليس لها أصول وضوابط شرعية، ومن ثَم فهي تعد اختراقا للحكم الشرعي مما يؤثر سلباً على عامة المسلمين وقد تفسد قناعاتهم الدينية. ولذلك فإن الفتوى لها ضوابط وشروط، في مقدمتها العلم بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالقياس، وبالاجتهاد وبالأدلة المتفق عليها والمختلف فيها، وبعد ذلك معرفة حال المستفتي، وأيضا لأن الشرع جاء صالحاً لكل زمان ومكان، فقد تختلف الفتوى بحسب تغير الزمان والمكان، مع أن المسألة واحدة، ولكن نظراً لأن النص الشرعي يقبل أن تتعدد الفتوى في المسألة الواحدة لمناسبة مصالح العباد والبلاد فهنا تتغير الفتوى، ولذلك يجب اتفاق الجميع على أن ما يحدث في إطار ما يطلق الآن في كثير من الفتاوى لا تسمى فتاوى شرعية، ولا تدخل في إطار الفتوى الصحيحة، لأنها تنبع وتخرج عن غير المتخصصين والمحسوبين على العلم الشرعي ظلما في الوقت الحالي، وساعد على انتشار ذلك «فوضوية» الفتوى حيث تسعى كثير من الفضائيات للتربح، دون النظر إلى الآثار السلبية التي من الممكن أن تترتب على ذلك بين عامة المسلمين البسطاء. ظاهرة صحية ويرى الدكتور إسماعيل الدفتار أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن التراجع عن الفتوى في الماضي كان ظاهرة صحية لأن العالم يتمسك بالحق ويعمل على الحفاظ على وحدة الشريعة الإسلامية. وإذا أفتى وتبين خطؤه فيها لم يكن أبداً يتكبر على شرع الله عز وجل، بل كان يعلن تراجعه عن فتواه برحابة صدر ورضا لأن العالم كان يعتبر نفسه أحد الأدوات المسخرة لخدمة الشريعة الإسلامية والتعاطي قضايا المسلمين في الإطار الشرعي الصحيح، أما اليوم فإن التراجع عن الفتوى أصبح ظاهرة كارثية لأنه في كثير من الأوقات يكون المفتي ليس على دراية كاملة بضوابط الفتوى فيقوم بالإفتاء والتراجع عن فتاواه بين الحين والآخر، ومن العلماء من يفتي ثم يتراجع عنها ليس بسبب العودة للحق بقدر ماهو بسبب ضغوط يتعرض لها أو ما شابه وكلا الأمرين كارثة لأنهما يسببان فوضى دينية في المجتمع. إضلال الناس ويشدد على أنه ينبغي للعالم أن يكون متهيباً للإفتاء، لا يتجرأ عليه إلا حيث يكون الحكم جلياً في الكتاب أو السنة، أو يكون مجمعا عليه، أما فيما عدا ذلك مما تعارضت فيه الأقوال والوجوه وخفي حكمه، فعليه أن يتثبت ويتريث حتى يتضح له وجه الجواب، فإن لم يتضح له توقف، أما الإفتاء بغير علم فهو حرام ومن الكبائر، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضّلوا وأضلوا»، من أجل ذلك كثر النقل عن السلف أنهم كانوا إذا سئل أحدهم عما لا يعلم أن يقول: لا أدري، وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه ويعود نفسه، ثم يجب عليه أن يعلم يقينا أنه إذا فعل المستفتي بناء على الفتوى أمراً محرماً أو أدى العبادة على وجه فاسد، حمل المفتي بغير علم إثمه، ومن هنا فلا مجال للمستفتي للتعلق بمقولة: «علقّها في رقبة عالم» التي شاعت وراجت بين العامة، فيظن المستفتي أنه قد نجا بسؤاله، وقد ذهب العلماء إلى أنه ليس للمفتي تتبع رخص المذاهب، بأن يبحث عن الأسهل من القولين أو الوجهين ويفتي به، ذلك أن الراجح في نظر المفتي هو في ظنه حكم اللّه تعالى، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر استهانة بالدين. السيولة الفقهية ويقول د. سالم عبد الجيل وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشؤون الدعوة السابق: إن إصدار العلماء للفتاوى والتراجع عنها يعد سبباً مباشراً للفوضى العلمية التي يشهدها العالم الإسلامي في الوقت الحالي فقد فقد عامة المسلمين الثقة بكثير من العلماء نتيجة هذه «السيولة الفقهية» الموجودة الآن، إن أمة الإسلام اليوم أحوج ما تكون إلى «فقه الأولويات»، فكل قضية يجب أن ينظر بصددها أولا وقبل كل شيء إلى ما تمثله في سلم أولويات الأمة، حتى لا تضيع جهود علمائنا في القضايا الثانوية على حساب قضايا الأمة المصيرية، وضرورة وحفاظ مؤسسات الإفتاء على تماسك ووحدة موقفها وعدم الظهور بمظهر الضعيف المنقسم، وهناك بعض الآراء المعتبرة التي يجب أن يضعها العالم نصب عينيه قبل إصدار فتواه خوفا من الوقوع في أخطاء شرعية تقتضي منه التراجع عن فتواه، فقد كان الإمام الشاطبي رحمه الله يرى أن المفتي قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الشرع للأمة. . وقال ابن القيِّم إن المفتي يوقِع عن الله ومن أخطر الأشياء أن يجترئ الناس على الفتوى وهم ليسوا أهلاً لها، وكان الصحابة يحيل بعضهم إلى بعض في الفتوى وكان ابن عمر يقول يريدون أن يتخذوا ظهورنا مطايا إلى جهنم. ضياع هيبة الفتوى أوضح الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي نائب رئيس الرابطة العالمية لخريجي الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن ضياع هيبة الفتوى من النفوس له أسباب متعددة في مقدمتها ضياع هيبة العلماء من نفوس الناس، وهذا يعد في حد ذاته سبباً ونتيجة في الوقت نفسه، بمعنى أن ضياع الهيبة التي كان يحتلها العلماء من نفوس الناس قد أدى إلى عدم التمسك بالفتاوى التي تصدر عن هؤلاء العلماء وأيضاً من أسباب ارتباك عامة المسلمين، تضارب الفتاوى فتجد للموضوع الواحد أكثر من فتوى متعارضة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©