الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دور العرض في بيروت تتحول إلى مقاه ومتاجر

دور العرض في بيروت تتحول إلى مقاه ومتاجر
1 نوفمبر 2010 20:31
من عاش في بيروت أيام زمان تقفز إلى مخيلته صورة الازدحام أمام “شبابيك التذاكر”، وترجع به الاكرة إلى ثلاثينيات القرن الماضي وإلى “خاناته” التي تحولت مساحاتها لصالات عرض، ولم يبق من ذكراها غير بنائها الحجري العتيق، وقرميدها الأحمر، وتقفز إلى الذهن صورة مبنى سينما “الكريستال”، وابنة حارتها سينما “الزهراء” بالقرب من مسرح “فاروق”، وتسرق الفضولي ملصقات الأفلام والوجوه المتعاقبة التي تظهر في الشوارع المؤدية إلى ساحة البرج، فتأخذه صالة “شهرزاد” إلى ألف ليلة وليلة قبل تحولها إلى “المسرح الوطني” أيام شوشو والذي تقع خلفه سينما “الدنيا”، بمحاذاة سينما “روكسي” بينما سينما “فينوس” تقبع خلفها، وتسلم الطريق إلى سينما “ميامي”. غير بعيد عن منطقة ساحة البرج أو “ساحة الشهداء”، تكرس شارع الحمراء في أواسط الستينيات على الخريطة الثقافية اللبنانية، بوصفه ساحة الجذب لكافة الفنون الابداعية، حيث تتلاقى على مسارحه ومقاهيه ومنتدياته مختلف التيارات الفكرية والشعرية والثقافية، وكان لدور السينما العربية امتدادات على طول هذا الشارع، إضافة إلى استقطابها معظم فناني ذاك العصر الذهبي، من فاتن حمامة وعماد حمدي ورشدي أباظة وعمر الشريف وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، الذين كانوا يحضرون حفلات أفلامهم شخصياً، في صالات “السارولا” و”البيكاديللي” و”الدورادو” و”الستراند”، وسط ترحيب الجمهور. أسدلت الستارة حتى عهد قريب كانت صور هؤلاء الفنانين تزين صالات السينما في شارع الحمراء وساحة البرج، لكن تطورات وتحولات عصر الاستهلاك والحداثة والعولمة جعلت من صالات السينما، متاجر ومطاعم ومقاهي، فأسدلت الستارة عن شاشات أفلام قبعت في الأقبية لعدم ضرورتها ولانعدام تسويقها. وفي جولة اخرى على دور العرض في شارع الحمراء التي أقفلت منذ سنوات عديدة، ترى إعلانا على المدخل الرئيسي يقول “إلى اللقاء مع أقوى العروض والأفلام في وقت قريب”. إلى جانب “أفيشات” قديمة عائدة لبروسلي بطل الكارتيه، وعنف “الكاوبوي”. في هذا الشارع تأتي سينما “الدورادو” لتشكل نقطة جذب واستقطاب، لهواة الفن وكبار نجوم السينما الأميركية والأوروبية، عدا موقعها الاستراتيجي في وسط شارع الحمراء، وهي اليوم تحولت إلى صالة عرض إنما للأزياء، وآخر و”السارولا” حاولت التكيف مع عروض أفلام الشباب، إلى جانب “الستراند” التي تحولت إلى مطعم حديث يقدم المأكولات والأطباق الغربية، ومقهى يجمع أهل الفن والشعر والثقافة. اللائحة تطول وتطول بين ساحة البرج وشارع الحمراء، فغابت الشاشات العملاقة للترويج لأقوى الأفلام، فتراكم غبار الذكريات إلى حالة نسيان لعز مضى إلى غير رجعة، فما بقي من “سينما” تجد نفسك محاصراً بداخلها بكراسي خالية من الرواد، ما عدا قلة ارتأت الهرب من هموم العمل وقتل الوقت الضائع بالأزمات المعيشية والاقتصادية، حتى بات يصح القول إن جمهور السينما غاب عن ورضخ للمتغيرات الطارئة، والقصد من هذا، أن الجمهور تدافع على دور السينما التابعة للفنادق والمراكز التجارية، على أساس أنها شيدت حسب الطراز والنمط التجاري الأميركي والأوروبي الذي يناسب أذواقهم وواقعهم الاجتماعي. “كشكش بيك” حكم على هذه المناطق بتغيير معالمها، فحلت المباني العصرية والمتاجر الأنيقة، وسلسلة من الأسماء لأشهر “الماركات” إضافة إلى المقاهي والمطاعم، واستراحات الأرصفة التي تعج بالزوار ليلاً ونهاراً. إن العودة إلى ذكريات ساحة البرج وشارع الحمراء، تذكرك بالحنين إلى شخصية كشكش بيك التي جسدها الفنان اللبناني أمين عطالله، الذي كان الجمهور على موعد معه مساء كل جمعة، فوق خشبة مسرح “الكريستال”، بينما يطل بين الحين والآخر من على تلك الخشبة الفنان اسماعيل ياسين وفرقته. فبيروت استقطبت السينمائيين من مختلف أنحاء العالم، لميزات الطبيعة والمناخ، فكانت الموضوع الأبرز في صناعة السينما، لدى الأميركيين والأوروبيين الذين قصدوا لبنان لهذا الغرض. شركات التوزيع وشهدت العاصمة ازدهاراً في نشاط شركات التوزيع على حساب تمتين البنية التحتية لصناعة السينما في لبنان، بسبب المضاربة التي خلقها هذا المناخ، مما منع التفكير في إنشاء صناعة سينمائية متكاملة. ويعزو البعض تراجع الإقبال على السينما لعدة أسباب من اهمها، استيراد التلفزيونات الخاصة للأفلام قبل عرضها في الصالات، وهذا ما يعتبر من باب “القرصنة” والتعدي على حقوق أصحاب “السينمات” بعرضها دون امتلاك حقوق ذلك، في الوقت الذي كانت في هذه الصالات، تدفع آلاف الدولارات للشركات التي تمتلكها، مقابل عرضها واستثمارها في صالاتهم، بالرغم من رفع الشكاوى والتظلمات للجهات المعنية، وهذا الواقع المظلم، أدى إلى تشريد أكثر من خمسة آلاف عامل، كانوا يعملون في دور السينما، عدا الخسارات المتراكمة التي وصلت حد الإفلاس. وكان للسينما دور كبير، حيث كانت تعج بالمشاهدين وطالبي المشاهدة، وعندما اخترع الفيديو والإنترنت وجهاز تشغيل الأقراص المدمجة وقبلها التلفزيون وقنواته الترفيهية، صاروا الأعداء اللدودين للسينما، مما ساهم في تحويل “السينمات” إلى مقاه ومطاعم ومتاجر.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©