الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

انقسام في إيطاليا حول أقوال البابا

19 سبتمبر 2006 00:42
روما ـ د. ناصر الجيلاني: في البداية، وكعادته لم يهتم الإعلام الإيطالي بالكلمات التي تضمنتها محاضرة البابا المثيرة للجدل في جامعة ريغينسبورغ بجنوب ألمانيا، لكن رد فعل العالم الإسلامي سرعان ما فرض هذه الكلمات على وسائل الإعلام المختلفة، وفي حين انشغل القسم الأكبر منها بمناقشة أحقية المسلمين في المطالبة باعتذار البابا، وإمكانية أن يعتذر البابا عن أقوال تضمنتها محاضرة علمية تم الإعداد لها مسبقاً، وعما سيمثله ذلك - إن حدث - من اهتزاز لصورة ''الأب الأقدس''، ومؤسسته التي تقود العالم الكاثوليكي، عرض القليل منها مقتطفات من محاضرة البابا في إطار التفريق بين ما تدعو له المسيحية من انتشار سلمي مقابل ما تم نقله عن نظرة إسلامية تدعو لنشر الدين بالقوة، ولم يفت أي من هذه التغطيات الإعلامية الإشارة إلى ما أصبح متعارفاً عليه بتعبير ''الإرهاب الإسلامي''، وهو التعبير الذي يمثل تداوله في حد ذاته إساءة مستمرة للدين الإسلامي· وعلى المستوى الشعبي انقسم الإيطاليون بين مؤيد لحرية البابا في قول ما يراه ضمن إطار ''حرية البحث والتعبير''، ومبرراً لمقولاته على اعتبار أن العالم الإسلامي يعج بمقولات مضادة للمسيحيين والغربيين عموماً، في حين عارض قسم آخر من الإيطاليين مقولات البابا باعتبارها تصب في خانة تعميق الفجوة بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وهو ما لا يحتاجه العالم في هذه الفترة بالذات، أما المسلمون في إيطاليا فقد اختلط سخطهم على ما قال البابا بخوفهم مما هو آت، وتحدث بعضهم عن خطط طويلة الأمد ضد وجود الإسلام في القارة الأوروبية· يقول جميل الحميدي، وهو رجل أعمال عربي: أنا أعتقد أن البابا كان يدرك جيداً ما يمكن أن تثيره كلماته من استياء شديد لدى المسلمين، فرد الفعل المبالغ به من قبل المسلمين إزاء الرسوم المسيئة لا يزال ماثلاً في الأذهان، فاستدعاء أقوال الإمبراطور البيزنطي مانويل باليولوغوس الثاني من قصة عمرها أكثر من ستة قرون، لانتقاد انتشار الإسلام بالقوة لا يجد ما يبرره اليوم، وإذا كان يجري تأملاً تاريخياً مجرداً فلماذا لم يستدع قصة ما جرى للمسلمين في الأندلس من إجبار على التحول إلى المسيحية وترك لغتهم العربية بالقوة، ولماذا لم يستدع قصة اليهود الذين احتلوا أراضي الفلسطينيين وأقاموا عليها دولة دينية تحقيقاً لأسطورة تتحدث عن أن الله وعدهم بهذه الأرض، وهل يتضمن التأمل الفلسفي استعادة أقوال ذلك الإمبراطور المأزوم بسبب حصار مدينته دون تكلف عناء تفنيد تلك الأقوال خاصة ما يتعلق بالإساءة إلى الأنبياء؟ وهل تتضمن حرية الرأي وصف نبي بأنه ما جاء إلا بما هو شرير ولا إنساني؟ وإذا صدق حدثي في أنه تعمد إحداث هذه الأزمة فإن الحديث عن اعتذار محتمل يصبح مجرد أوهام· عين على أميركا ويؤكد ماتيو ريتزا المتحدر من أصول إيرانية على نفس الرأي، ورداً على سؤالي حول الأسباب التي تدعو البابا إلى تعمد إشعال الفتنة، أجاب: أسباب كثيرة، منها مغازلة الأمريكيين، وكذلك الغيرة الشخصية من سلفه، فيوحنا بولس الثاني جاء في عصر تسيدت فيه الأفكار الليبرالية في الغرب في مواجهة الفكر الشيوعي، وهو اختار الانفتاح وحوار الثقافات كي يستفيد من الغطاء الغربي لوجود كنيسته المهددة بعوامل ضغط مختلفة، وقد نجح في ذلك وأصبح نجماً إعلامياً، أما اليوم، وبعد هزيمة الفكر الشيوعي، وعودة الكنائس شرق أوروبا لممارسة دورها، ثم قصة صدام الحضارات، ومأساة الحادي عشر من سبتمبر فالموقف تغير بالنسبة لمفهوم الحرية والانفتاح، والولايات المتحدة تقود حرباً داخل الغرب ضد الليبرالية، داعية إلى فكر محافظ، وهناك مقاومة في عدد من البلدان الغربية وخاصة فرنسا وبعض دول الشمال، والبابا عندما يثير هذه الزوبعة إنما يحاول الالتفاف على خط سلفه ليقول للولايات المتحدة إنه معها آملاً في الحصول على دعمها، لاحظ أيضاً توقيت هذه المحاضرة الذي يصادف مرور خمس سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر· أما ماوريتزيو دامياني فيقول: التاريخ الإنساني دائماً ما شهد موجات من التحفظ ثم التحرر وهكذا، وعندما تنظر إلى العالم اليوم ستجد المحافظين في كل مكان بدءاً من الولايات المتحدة وانتهاءً بإيران، والانتخابات قد أفرزت المتشددين الإسلاميين في عدد من الدول الشرق أوسطية، وهيننجتون نفسه كتب عما أسماه ''اختطاف الديمقراطية في العالم العربي''، والبابا بينيدكت رجل محافظ، وهو قد عارض انضمام تركيا لأوروبا، ولذلك فقد رحب المحافظون الجدد في الولايات المتحدة باختياره لأنه قد يساهم في تحقيق تصوراتهم عن عالم تصطدم فيه الأديان والثقافات، مما يعطيهم مبررات التدخل، ويتيح لهم الفرصة لإعادة صياغته· قلق الجاليات العربية ويقول المستشرق إنريكو برونو: نعم قد لا أوافق على ما قاله البابا، لكنني أدعم حقه في قول ما يشاء، وعلى المسلمين أن يتقبلوا تعدد الآراء في عالم اليوم، فهم يثورون ويرفضون أن يقول أحد في العالم الغربي شيئاً يمس دينهم بينما يوجد بينهم كثيرون ممن يصفون المسيحيين بأنهم كفار وبالتالي لا يستحقون الحياة، كما أن كتباً يتم تداولها في العالم العربي، بل وتدرس حتى اليوم في الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية تتحدث عن أحكام فقهية تؤسس لفرض الجزية على الناس الذين يحتل المسلمون ديارهم مقابل عدم قتلهم وإقامتهم في دار الإسلام، ومنعهم من بناء كنائس!! برأيي المسلمون يحتاجون إلى حس عادل لتقييم ما يقولونه عن الآخرين، وما يقال عنهم· أما سعد الميرغني، وهو رجل أعمال عربي فيقول: هناك هذه الأيام موجة من الاهتمام بما يجري في العالم العربي والإسلامي، الكثير من الكتب والأفلام عن العرب، ورغبة لدى الشباب في تعلم اللغة العربية، لكن هذا الاهتمام يصاحبه اهتمام إعلامي يعج بالصور الغامضة والمختصرة بشكل مقلق عن العالم الإسلامي، والإعلام هنا يفضل نشر صور النقاب والانتحاريين باعتبارها صوراً غامضة ومثيرة، وهذا يزيد القلق من كل ما هو إسلامي، فإذا أضفنا إلى ذلك تهديدات القاعدة، ومحاولات بعض المجموعات الإرهابية مهاجمة مصالح غربية، ثم التصريحات المستفزة في الغرب على شاكلة ما قاله البابا، وردود الفعل الغاضبة لدى المسلمين، يتملكني شعور بأن التعامل معنا في الغرب سيتغير إلى ما هو أسوأ، فعندما جئت إلى هنا منذ ثلاثين عاماً لم يكن هناك من يعرف الكثير عن المسلمين، ونادراً ما كان يسألني أحد عن ديانتي، واليوم يسألني الكثيرون عما إذا كنت مسلماً وعما إذا كنت أواظب على الصلاة، وينظر لي الكثيرون بقلق، فهل يمكن أن يأتي يوم بعد عشر أو عشرين سنة، نصبح فيه كمسلمين في الغرب عرضة للاضطهاد؟ ثم يتفرج علينا العالم الإسلامي ويشجب ويتأسف مثلما يفعل يومياً مع المضطهدين من الفلسطينيين والعراقيين وأخيراً اللبنانيين؟ ويضيف منسي نبيل، وهو قبطي مصري هاجر إلى إيطاليا منذ خمس وعشرين عاماً: تصور مثلاً أن كلمات البابا قد أغضبت مسلماً مأزوماً لسبب أو لآخر، وتهور واعتدى على كنيسة، ألن يرد الإيطاليون بعنف علينا جميعاً، أليس هذا ما حدث في انجلترا؟ بالنسبة لهم العرب والمسلمون شيء واحد، أنا أشعر بقلق كبير·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©