الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

من يستدعي شبح الحرب الدينية؟

19 سبتمبر 2006 00:44
أكرم ألفي: انتفضت الدنيا ولن تهدأ سريعاً بعد تصريحات بابا الفاتيكان ''بيندكيت السادس عشر'' حول الإسلام والعنف واقتباسه من وصف إمبراطور مسيحي في القرن الرابع عشر لبعض مظاهر دعوة النبي محمد بأنها ''شريرة وغير إنسانية''· بسرعة البرق تحرك رجال الدين الإسلامي بمطالبة البابا القابع في الفاتيكان بالاعتذار ولومه بشدة، وسبقتهم تظاهرات ''الجوامع'' الحاشدة في العواصم العربية والإسلامية، ودخلنا في أزمة دينية جديدة بعد أقل من 8 أشهر من عبور عاصفة ''رسوم الدنمارك'' التي أغرقتنا بأمطارها طويلاً· وكأن'' الحرب الدينية المفتوحة'' أصبحت قدر هذه المنطقة والعالم التي لا فكاك منها، فكلما استرحنا قليلاً من السير على الخيط الرفيع خشية استدعاء ''شبح'' حرب الجماهير الغفيرة على أساس العقيدة الدينية نجد أنفسنا مجدداً مجبرين على العودة للسير على خيط أرفع·· وهلما جرا· لن أناقش خطأ البابا الفاتيكاني ورفض طرحه قضية دينية شديدة الحساسية وسوء استخدامه للمقتبس وأمام كاميرات الإعلام التي تسارع لنقل كل ما هو مثير، ولكني اختار طرح الأصعب في السؤال التالي: لماذا أصبحت الجماهير في المنطقة تختطف كل كلمة ''دينية'' لتخرج غاضبة مستنفرة وتلبد أجواء القاطنين في منطقتنا بغيوم تشدد ديني من كافة الأطراف يزيد في حدته يوماً بعد آخر مما يجعل أمثالي يرون الغد كالح السواد ؟· المولود ''النخبوي'' بداية علينا الإقرار أن منطقتنا تم تفريغها من نخبتها ''العلمانية'' خلال العشرين عاماً الماضية لصالح تصعيد جديد لدور رجال الدين وأصحاب العمامات من المسلمين والمسيحيين· فنحن في لحظة نجني فيها ثمار تحول النخبة ''المفترضة'' إلى أتباع للخطاب الديني وحاملين لمشاعل الهوية القائمة على ''العقيدة الدينية'' أو مرتعبة من مجرد الجدل مع ''فقهاء العصر الحديث''، هذه النخبة الإعلامية والسياسية والاجتماعية انتقلت من دور طرح المشروع إلى دور تبرير ''مشروع الدولة الدينية'' للأغلبية أو مشروع '' المضطهدين'' للأقليات· إن هذا التحول لم يأت فجأة بل عبر أكثر من ربع قرن من تشويه وقتل المبدعين والمثقفين ''معنوياً أو مادياً'' وتخويفهم بساحات المحاكم والفصل بين الزوجات، وإلهاب المشاعر الدينية من خلال المنابر والمذابح، فجاء المولود ''النخبوي'' الجديد مشوهاً وتابعاً وخائفاً ولا توجد هناك مسافة فكرية بينه وبين العامة ، فتحول العامة إلى نخبة والنخبة إلى عامة والقيادة واحدة هي ''العمامة''· فغالبية المثقفين أصبحوا إما يحلمون بالجهاد ضد الغرب المسيحي الكافر أو يعتبر القسم الآخر أن شنودة في القاهرة أو صفير في بكركي هما الأمل في غدٍ أفضل· هكذا فإن الجمهور لم يصبح أمامه سوى قيادة دينية واضحة وصريحة ونخبة تجري للحاق بأذيال هذه القيادة، فماذا سيصبح المطلوب من الجمهور عندما يهتف هؤلاء بأن ''الدين مستهدف ·· انتفضوا'' ؟ ·· بالضرورة سيتحول الشارع إلى مكانهم الوحيد للتعبير عن مشاعرهم فكانت تظاهرات الأقباط المتكررة بمصر وانتفاضة ''رسوم الدنمارك'' في أغلبية العواصم المسلمة· ولأن الدائرة أصبحت مغلقة، فإن البحث عن حل لأي أزمة طارئة يكون بجمع العمامات البيضاء (السنية) والسوداء (مسيحية وشيعية) للتصافح والتهدئة في إعادة إنتاج جديدة لقوتها ونفوذها الجماهيري· تقاطع القطبان إن هذه الحالة النخبوية والجماهيرية المصبوغة بالنزعة الدينية الحركية، يعني أن علينا ان ننتظر ما هو أسوأ· فنحن أمة على قول القرضاوي ''الدين هو المحرك الأول لها و يوجه مسيرتها، ويحرك مشاعرها''·· ولكنني أضيف ليس الدين بل رجال الدين، فوضعية غياب المشروع السياسي والفراغ الفكري الراهن لن يخلف سوى كوارث قريبة جداً في كل بلدان العالم العربي الذي يتعايش فيها أصحاب ديانات مختلفة· عودة على بدء فإن قضية أقوال بابا الفاتيكان ورد الفعل عليها لا تخرج عن هذه الدائرة الجهنمية، وتؤكد أن وضعية منطقتنا أصبحت نفسها في أوروبا ''قارة النور''·· بابا الفاتيكان ظل طويلاً شخصاً يتم التعامل ''من قبل النخبة'' بتجاهل وبأنه ''زينة'' أكثر منه نفوذ حقيقي، حتى نجح البابا السابق ومع انهيار الاتحاد السوفييتي في استعادة نفوذ الاكليروس وتحول إلى المتحدث باسم جمهور مسيحي غفير جداً لم يكن يحلم به قبل 25 سنة مضت· فهذه المؤسسة الدينية بعد أن خاضت حروباً طويلة للبقاء في مواجهة الهجمات الشرسة من قبل النخبة الأوروبية العلمانية، وتراجع دورها وجدت ضالتها في سقوط الإيديولوجية لتستعيد الحياة من جديد وتتحول إلى مارد هو الاقوى مقارنة بكل المؤسسات الدينية في العالم· ومن هنا أصبحت ''سقطة'' بابا الفاتيكان حدثاً يهتز له الكون · هكذا تقاطع القطبان ( في روما وفي منطقتنا) في عالم يعيش بالفعل صدام حضارات بعد انتهاء صراع الأفكار السياسية، عالم يتحدث فيه بوش عن ''الإسلام الفاشي'' ويسود فيه التذكير بـ ''الحروب الصليبية''· في هذه الوضعية أصبح على الجميع أن يستعيد سريعاً قدراته على البحث عن المشروع السياسي المفقود، عن حشد الجمهور بطريقة غير ''الشعارات الدينية'' ووضع الخلافات والاتفاقات في سياقها الحقيقي، وهو سياق المصالح وليس المشاعر· فقد يحدث وأن يخطئ رجال الدين هنا أو هناك بـ ''زلات لسان'' ومن حق المؤمنين بهذا الدين أو ذاك أن يغضبوا ولكن على الجميع أن يمنع أن يتحول هذا الغضب إلى نار تحرق الأخضر واليابس ، وهذا دور ''النخبة المفقودة''، وعلينا أن نبدأ في أنفسنا بالعالم العربي بعدم تغذية مشاعر الشعور بالاستهداف وبالاستضعاف والبحث عن كل كلمة لإثارة مشاعر الكراهية الدينية إلا فلن نجني إلا مستقبلاً أسوأ بكثير مما يأتي في كوابيس بعضنا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©