الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الأوديسة البورميّة» رحلة في شاعرية الجحيم

«الأوديسة البورميّة» رحلة في شاعرية الجحيم
21 أغسطس 2014 22:45
نحن العرب لا نكاد نعرف شيئاً عن بلدان أخرى تعيش مثلنا حروبا ونزاعات دموية، وفواجع لاتكاد تنتهي. ولعلّ أحوالنا الصعبة، وأزماتنا المتتابعة الواحدة تلو الأخرى هي التي تعيقنا عن النظر إلى الآخرين بعين فاحصة. وبورما، البلد الآسيوي، واحد من هذه البلدان التي نجهل ما يحدث فيها. وقد تكون رواية البورمي باسكال كهو تهفي التي حملت عنوان: «الأوديسة البورميّة» وثيقة مهمة تكشف لنا خفايا هذه البلاد، وآلام شعبها، وجراحه النازفة. الزمن: شهر فبراير 1988. المكان: مقهى في مدينة «ماندلاي» الواقعة على أراضي بورما العالية والساخنة. في هذا المقهى يجلس شاب يدعى باسكال كهو تفي. وهو في الواحدة والعشرين من عمره، ويدرس في الجامعة ـ قسم آلآداب الانجليزية. بين روّاد المقهى سيّد إنجليزي يدعى جون كازاي. وهو أستاذ مرموق في جامعة «كامبريدج». وفي تلك الفترة كانت بورما تعيش سنوات الاشتراكية الإجبارية. وكان الجنرال ني فين يحكمها بالحديد والنار. وكلّ من يتفوّه بكلمة مثيرة للشبهات يواجه مصيرا مظلما. وكان اللقاء بين الطالب الشاب والأستاذ المرموق وديّا للغاية. ولعلّهما تحدثا أثناء اللقاء عن الأدب الانجليزي. وربما تحدثا أيضاً عن الكاتب الإيرلندي الشهير جيمس جويس الذي سيؤثر في ما بعد في الشاب البورمي فيقتدي به عندما يشرع في كتابة روايته الآنفة الذكر. وقبل أن يغادر المقهى، ترك الاستاذ الانجليزي عنوانه للطالب الشاب، ثم قفل عائدا إلى بلاده. بعد ذلك ببضعة أشهر وتحديدا في شهر أغسطس 1988، اندلعت مظاهرات طلابية عارمة ضدّ نظام الطغمة العسكرية. غير أن القمع كان شديداً ومريعاً. فقد أطلق الجنود النار على المتظاهرين ليقتلوا منهم العشرات. في حين اقتيد المئات إلى السجون. وقبل ذلك لم يكن الطالب باسكال كهو تفي يولي اهتماما بالسياسة. ودائما كان يحاول عدم التورّط في أيّ نشاط سياسي. لكنه وهو يرى رفاقه الطلبة يتساقطون أمام عينيه، أو يساقون إلى السجون مصحوبين بجنود مدججين بالسلاح، قرّر التمرّد على النظام القائم. ولمّا لاحظ أن الشرطة أصبحت تراقب حركاته وسكناته، قرّر الهروب من البلاد. ومن دون أوراق هويّة، اجتاز الغابات الكثيفة بينما كان حراس النظام يقتفون أثره. وعند وصوله إلى الحدود الفاصلة بين بورما وتايلاند، وجد نفسه مجبرا على خوض الكفاح المسلح. بعدها وجد الحماية لدى قبيلة «كاراني». وهي قبيلة من أصل بورمي، لكنها تعيش في تايلاند. وعند تلك القبيلة، عاش الطالب الشاب باسكال نصف عام عرف خلاله متاعب مضنية. فقد تكالبت عليه الأمراض. وكان مجبرا أحيانا على أكل الفئران والنباتات. أحيانا أخرى كان يجتاز حقولا ملغومة فيها تتعفن الجثث البشريّة. وفي النهاية قرّر أن يكتب للأستاذ الانجليزي رسالة مقتضبة وفيها يقول: «عزيزي الأستاذ. أنا في وضع صحيّ سيء للغاية. ينقصني الغذاء وأشياء أخرى كثيرة. سأكون مدينا لك بكل مساعدة تقدمها لي في هذه الظروف الصعبة. وأنا لا زلت راغبا في مواصلة دراستي في الآداب الانجليزية. عندما توصل برسالته، قام الأستاذ الانجليزي باتصالات واسعة لدى أوساط معنية بمسألة اللاجئين. وفي النهاية نجح في الحصول على ما يمكن أن يضمن للطالب البورمي الشاب الدخول إلى بريطانيا لينتسب الى جامعة «كامبريدج». وفي عام 1991، شرع باسكال كهو تفي في كتابة «الملحمة» التي عاشها خلال فترة هروبه. وبلغة مكثفة وشاعرية، يحدثنا عن الأيام الصعبة التي أمضاها وسط الغابات الكثيفة، وعند القبيلة البورمية في تايلاند. فعل ذلك باختصار شديد بحيث لا يشعر القارئ بأي ملل. وفي البداية كان باسكال يرغب في الاحتفاظ لنفسه بما كتبه. غير أن أصدقاءه أقنعوه في النهاية بضرورة نشره. وفعلا أصدر باسكال كهو تفي عمله الروائي حاملا عنوان: «الاوديسة البورمية». وفي الحين لاقى هذا العمل صدى كبيرا لدى القراء في بريطانيا. لذا ترجم إلى العديد من اللغات. ويقول باسكال كهو تفي: «لقد كتبت هذه الرواية لكي يحسّ الآخرون بما يقع في بورما، وبما يعيشه الناس هناك من آلآم وفواجع مرعبة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©