السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سليم الأول أول حاكم غير عربي يحمل لقب أمير المؤمنين

سليم الأول أول حاكم غير عربي يحمل لقب أمير المؤمنين
2 أغسطس 2013 21:49
سيبقى سليم الأول بن بايزيد خان أول سلطان عثماني، في التاريخ، بل وأول حاكم غير عربي ينتحل لقب أمير المؤمنين ويخطب له على منابر الحرمين الشريفين بوصفه خليفة للمسلمين، وقد عرف لدى البريطانيين بالعبوس لأنه نادراً ما شوهد مبتسما بينما تعرفه المصادر الفرنسية باسم سليم الرهيب د. أحمد الصاوي (القاهرة) ولد سليم لوالده السلطان بايزيد وأمه عائشة كلبهار خاتون بمدينة أماسيا في 872 هـ «10 أكتوبر عام 1470 م» وما إن بلغ الحادية عشرة من العمر حتى كان السلطان قد عينه والياً على طرابزون في إطار سياسته الرامية لتوزيع أولاده الثلاثة الذكور في مناطق بعيدة عن بعضها البعض خوفا من اصطدامهم بسبب اختلاف طبائعهم. كان الثلاثة هم كل من بقي على قيد الحياة من أصل ثمانية أولاد من الذكور ولكل منهم طابعه وشخصيته المتفردة، فكان محباً للعلوم والآداب والفنون وتحفل مجالسه بالعلماء، ولذا كان الجيش يكرهه لعدم ميله للحرب بينما كان أحمد محبوباً من الأعيان والأمراء ومؤيداً من قبل الصدر الأعظم علي باشا أما سليم فكان ناري الطباع محباً للحرب ومن ثم تمتع بمحبة الجيش وخاصة فرق الانكشارية التي كانت تحصد الغنائم في الحروب. مجالس العلم ولكن إجراءات بايزيد لم تفلح في تجنب الصراع بين أبنائه وما إن أعلن أن ابنه أحمد سيصبح سلطاناً من بعده حتى ثار سليم وكركود ثورة عارمة ولم يتمكن بايزيد من قمعهما إلا بعد حروب طاحنة انتهت بتشتيت جيوش الابنين. ولكن جنود الانكشارية باستانبول ثاروا بعد تنصيب أحمد سلطاناً على البلاد ورفضوا الاعتراف به وطالبوا بايزيد بالعفو عن سليم وأعادته لولايته لاعتقادهم بأن دعم الشاه إسماعيل الصفوي للأمير أحمد قد يشكل تهديداً لقدرة العثمانيين على وقف خطر تدخل الصفويين في سياسة الدولة. قرار العفو ولم يتمكن بايزيد من تجنب مصيره المحتوم بقراره العفو عن ابنه سليم إذ إن الانكشارية أتوا به إلى استانبول مظهرين الاحتفال بعودته وساروا به إلى سراي الملك وطلبوا منه التنازل لسليم عن العرش فقبل مرغماً تحت تهديد القوة العسكرية وتنحى عن العرش في 8 صفر 918 هـ «25 أبريل 1512 م» وتولى سليم الحكم رسميا بعدها بأسبوع. وبينما كان بايزيد في طريقه للإقامة ببلدة ديموتيقا توفي فجأة وهو بالطريق في 10 ربيع الأول وحسب بعض الروايات التاريخية، فإن سليم أرسل من دس إليه السم خوفاً من تراجعه عن تنازله عن العرش. تهمة وإذا كان سليم قد نفى عن نفسه هذه التهمة فإنه لم يتورع عن الإقدام على قتل أخويه كركود وأحمد وذريتهما في معرض سعيه لإخماد تمرد أحمد الذي استولى على أنقرة. وبعد أن عين ابنه سليمان حاكماً للعاصمة انطلق بجيوشه إلى أنقرة ليجد أحمد قد فر منها لمعرفته خبر وصوله من الصدر الأعظم مصطفى باشا فانتقم منه سليم بقتله فوراً وذهب إلى بورصة حيث قبض على خمسة من أولاد كركود وأحمد وأمر بقتلهم جميعاً وواصل مطاردته لأخويه فقبض على كركود بجبال صاروخان وقتله وأخيراً واجه جيش أحمد بالقرب من مدينة يكي شهر ليهزمه ويلقى أحمد مصرعه في 17 صفر عام 919 هـ وينفرد سليم كلياً بحكم البلاد. بعد النظر تميز سليم ببعد النظر الاستراتيجي ومن ثم ترك النزاع مع دول أوروبا جانبا وراح يستعد لمواجهة الخطر على حدوده لا سيما وأن الشاه إسماعيل الصفوي بدأ عهده بمذبحة عظمى للسنة الذين رفضوا التشيع بتبريز وأذربيجان والعراق، كما أنه استمال معه العلويين من عناصر القزلباش الأتراك حتى صاروا عماد قوته العسكرية الضاربة، وزحف بجيوشه مرغماً الشاه والقزلباش على دخول المعركة قبل فصل الشتاء القارس ونجح في هزيمة القزلباش والصفويين هزيمة منكرة في موقعة جالديران في رجب عام 920 هـ «1514 م» واستولى على مدينة تبريز وأما من وقع من قوات الشاه إسماعيل بالأسر فقد أمر سليم بقطع رؤوسهم ليصنع من جماجمهم هرما نصب بساحة المعركة. والحقيقة أن سليم كان ينوي مطاردة الصفوي وقتله وإسقاط دولته ولكن جنوده من الانكشارية تمردوا عليه ورفضوا مواصلة القتال لقلة المؤن فآب لبلاده، حيث انتقم من قادة التمرد وأمر بإعدامهم جميعاً وخفف من اعتماده على الإنكشارية. ومن بعد جالديران شرع سليم في تحقيق حلمه بتوحيد العالم الإسلامي تحت حكمه فحارب دولة المماليك بمصر والشام وهزم قانصوه الغوري في معركة مرج دابق قرب حلب، ثم طومان باي في الريدانية، وأعلن نفسه خليفة للمسلمين وتلقب بأمير المؤمنين ومع دخول بلاد الحجاز في طاعته كوريث لعرش المماليك منح سليم الأول نفسه اللقب الأشهر «خادم الحرمين الشريفين». أول خليفة وهكذا صار سليم الأول بن بايزيد أول خليفة للمسلمين من الترك ولما رأى نفسه متملكا لأغلب أراضي المسلمين أو بالأحرى لوسط العالم القديم بقاراته الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا صار يلقب بسلطان البرين «الآسيوي والأوروبي» وخاقان البحرين «الأبيض والأسود»، وهو تواضع جم من السلطان الذي كانت الأراضي الخاضعة له تمتد لقارة أفريقيا بعد دخوله مصر وصولاً للجزائر وتشمل بالتبعية البحر الأحمر. وطبقاً لروايات من عاصروا سليم فقد كان رجلاً فارع الطول رشيق الحركة حليق اللحية مكتفياً بشارب ضخم وهو ما نشاهده جلياً في صورته بأول سلطنته. أما صفاته الشخصية فكانت ملحمية بامتياز تجمع بين المتناقضات بكل بساطة. فقد كان عصبي المزاج سريع الغضب وإذا ما غضب بادر بسفك الدماء ولم يؤثر عنه استعماله الرأفة أو العفو عن أعدائه حتى لو وعد بذلك، وقد قتل عددا من قادته العسكريين لأول بادرة اعتراض على أوامره كما قتل سبعة من وزرائه لأسباب واهية حتى أن الوزراء كانوا مهددين بالقتل دائماً وصار الأتراك يتندرون على من يرومون موته بالدعاء له أن يصير وزيراً لسليم. المزايا الحسنة ورغم تلك القسوة لم يكن سليم خلوا من المزايا الحسنة فقد كان محارباً من طراز رفيع ورجل دولة حاد الذكاء يدبر أمور دولته بنفسه بكل الحزم والصرامة. كما كان محباً للأدب والشعر يصطحب معه المؤرخين والشعراء ليخلدوا انتصاراته الحربية ومن الطريف أن سليم كان شاعراً متميزاً يتقن اللغات التركية والفارسية والعربية وينظم الشعر بها تحت اسم مستعار هو «مهلس سليمي»، وقد نقل الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني ديوانه من الشعر الفارسي إلى برلين عام 1904م. وقد مات سليم متأثراً بمرض عضال في عام 926 هـ وهو في بعض حروبه واختلفت الأقوال في ذلك فمن قائل أنه مرض الجمرة الخبيثة أو سرطان الجلد، بل هناك من أشاع أن طبيبه الخاص دس له السم. وتوضح الصور المعروفة لسليم الأول ملامحه الحادة وشاربه الطويل المميز ونظرات عيونه المتوثبة للانتقام سواء في تلك الصور الرسمية التي رسمها فنانون من الأتراك أو في تلك التي رسمها له الرسام الفرنسي دو شتان. إضاءة يروى أن أحد وزراء سليم الأول طلب منه مازحاً أن يخبره مقدماً بتاريخ إعدامه، حتى يرتب أموره، فرد عليه السلطان بالقول إنه في الواقع كان يفكر لفترة من الوقت في إعدامه إلا أنه لم يجد بعد بديلاً مناسباً له ووعده بأن يخبره فور الحصول على شخص يقوم مكانه في الوزارة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©