الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصيام مدرسة لأصحاب البصائر وأولي الألباب والنهى

الصيام مدرسة لأصحاب البصائر وأولي الألباب والنهى
5 أغسطس 2011 22:23
الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، فإذا ما جاع من ألف الشبع، وعرف أسباب المتع، أدرك الحرمان كيف يقع، وذاق مرارة الجوع إذا لذع. ومن ثم كان الصيام بمثابة مدرسة لأصحاب البصائر وأولي الألباب والنهى يأخذون منه العبر والدروس ليصلحوا حياتهم ناظرين من وراء ذلك إلى ما أعده الله سبحانه من ثواب في الآخرة للمخلصين والمتقين. روى أبو نعيم في الحلية بإسناد حسن، أن الله سبحانه وتعالى، قال لكليمه موسى عليه السلام في حديثه القدسي “يا موسى: إني الهم في شهر رمضان السموات والأرض، والجبال، والشجر والدواب أن يستغفروا لصائمي شهر رمضان. يا موسى: أتدري من أقرب خلقي إلى؟ كل مؤمن لا يلعن إذا غضب، وكل مسلم لا يحقد على والديه وقرابته إذا قطعوه... ومن عطش نفسه في رمضان، إني آليت على نفسى قبل أن أخلق الخلق، أن من عطش نفسه في الدنيا أن أرويه يوم القيامة”، إن هذا الحديث القدسي ليدل على فضيلة شهر رمضان وعظم ثواب العمل فيه. من أجل هذا نجد نبي الله يوسف عليه السلام يكثر من الصيام لا سيما في أيام القيظ، مع أنه كان قائماً على خزائن الأرض، وعندما سئل عن ذلك، قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع. وقيل للأحنف بن قيس إنك شيخ كبير، وإنك لتكثر من الصيام فيضعفك، فقال الأحنف: لقد أعددت صيامي لسفر طويل، وصبري على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه. إن صبر الإنسان بصيامه على طاعة الله هو في حقيقة الأمر كف للنفس عما يتنافى مع حقيقة الصيام ويجرح حرمته، ولهذا قسم العلماء الصيام إلى أقسام ثلاثة: الأول صوم العوام، وهو نوع من الصيام يشترك فيه الناس كافة بكف أنفسهم عن المفطرات الشرعية، وهذا الصنف يقول عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه ابن ماجة عن أبى هريرة رضى الله عنه “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”، وهذا الصنف من الناس لم ينظر إلى روحانية الصيام. والثاني صوم الخواص، وهو صوم يتحصل عليه الإنسان بصيانة جوارحه عن الوقوع في ما حرم الله، وصاحب هذا النوع قد حفظ عينه عن النظر إلى ما حرم الله امتثالاً لقول الله سبحانه (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أذكى لهم) “النور 30”. كذلك حفظ أذنه عن الاستماع إلى ما حرم الله. يقول سبحانه في صفة عباد الرحمن (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) “الفرقان 72”. وصان لسانه عن الخوض في أعراض الناس، فطهر نفسه من الغيبة والنميمة وقول الزور وغير ذلك من آفات اللسان. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الإمام أحمد (الصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم، إني صائم) وأخرج أبو داوود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (من يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). أيضاً صاحب هذا الصيام حفظ بطنه عن أن تشبع بالحرام مدركاً قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به)، ومستحضراً وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد عندما قال له (يا سعد: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة). وموقناً بأن هذه هي وصية الله لأنبيائه وخلقه إلى يوم الدين، فالله سبحانه أمر عباده بما أمر به المرسلين فقال لهم (يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) “المؤمنون 51”. وهكذا الحال في كل الجوارح الأخرى من يد ورجل وفرج إلى غير ذلك. روى الحاكم وابن حبان وغيرهما عن عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (أصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم وأبصاركم، وكفوا أيديكم). وأخرج الإمام مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (كتب على ابن آدم حظه من الزنا، وهو مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه). أما الثالثة، فهو صوم خواص الخواص، وهو نوع من الصيام لم يقف به صاحبه عند الكف عن المفطرات وصيانة الجوارح فحسب، بل تعدى كل ذلك حتى صام قلب صاحبه عما لا يرضى الله، فألزم نفسه الانشغال بذكر الله والاهتمام والأنس به في جميع أحواله، فكان صاحب هذا القلب عابداً مطلقاً، رأى في كل لحظة من لحظات الزمن نوع من العبادة والقرب لله تتناسي مع مقتضيات هذه اللحظة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©