الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إخفاقات «الربيـع» التونسـي

2 أغسطس 2013 22:31
ترودي روبن محللة سياسية أميركية عندمـا اغتيـل زعيم المعارضـة اليسـاري محمد براهمي أمام عائلته الأسبوع الماضي في تونس العاصمة، امتدت تأثيرات ذلك عبر المنطقة، وهز الاغتيال الديمقراطيةَ الوحيدة التي تولدت عن اضطرابات «الربيع العربي» وما زالت تشتغل بشكل كامل. ونظراً للقمع العسكري في مصر، والحرب الأهلية في سوريا، وعدم الاستقرار في ليبيا واليمن، أثارت عملية الاغتيال في تونس سؤالاً كان يفترض بثورات 2011 أن تكون دفنته: هل الديمقراطية مناسبة للعالم العربي؟ تونس كان يفترض أن تكون نموذجاً للديمقراطية العربية، لأنها البلد الذي فجَّر فيه إقدامُ شاب يائس على إحراق نفسه أولَ ثورة سلمية من ثورات «الربيع العربي». ونظراً لعلاقاتها القوية مع أوروبا، كان يُعتقد أن تونس هي المكان، حيث يستطيع حزب إسلامي معتدل، مثل حزب «النهضة»، التعايش مع العلمانيين. والواقع أنه بعد فوز «النهضة» بأغلبية الأصوات وافق زعيمه، راشد الغنوشي، على ألا يتضمن الدستور الجديد للبلاد مرجعيات إسلامية، وتعهد باحترام حقوق النساء. لكن موت براهمي، بعد جريمة قتل زعيم علماني معارض آخر هو شكري بلعيد في فبراير الماضي، صدمت تونس. ويقول دجيري سوركن، وهو رجل أعمال من فيلاديلفيا لديه علاقات قديمة بالدوائر التجارية والسياسية التونسية: «إن البلد في حالة صدمة»، مضيفاً: «لأنه بلد ليس مثل العراق أو سوريا، حيث يوجد هذا النوع من الجرائم». كلا الرجلين المغتالين كانا معروفين بانتقادهما الشديد لحزب «النهضة» ذي الجذور الإخوانية. وقد ندد الغنوشي بالاغتيالين؛ وقال وزير الداخلية إنهما ارتُكبا من قبل المتطرف الإسلامي نفسه. لكن الكثير من التونسيين يتساءلون ما إن كانا يمكن أن يكونا قد نُفذا من قبل فصيل متشدد داخل «النهضة». وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا لم تقبض الحكومة على قاتل بلعيد؟ الواقع أن مشاعر الاستياء من «النهضة» في ازدياد بسبب مشاكل الاقتصاد والتأخر في كتابة الدستور. وفي هذا السياق، يقول سوركن الذي عاد من تونس مؤخراً، إنه سمع الكثير من الشكاوى بشأن إغلاق الحكومة مطاعم ومقاه أثناء النهار في رمضان، وإن فرض القوانين الدينية لم يُغضب العلمانيين فقط وإنما مسلمين متدينين أيضاً. وأضاف: «لقد كلف ذلك الكثير من الوظائف... وشخصياً، سمعتُ أشخاصاً متدينين يقولون إنهم ليسوا بحاجة لمن يقول لهم كيف يمارسوا دينهم». وعلاوة على ذلك، فإن المدافعين عن حقوق النساء في تونس، غاضبون أيضاً من سجن أمينة السبوعي، وهي شابة عرت صدرها على «الفيسبوك» احتجاجاً على الحركات الإسلامية المتشددة. والآن تقبع أمينة في السجن بينما قتلة بلعيد وبراهمي أحرار. وفي هذا الأثناء، ترتفع أسهم حزب علماني يدعى «نداء تونس»، ويقوم أنصاره بجهود للتواصل مع الناخبين في المناطق الريفية، بينما أظهر استطلاع للرأي لمركز «بيو» مؤخرا أن 78 في المئة من التونسيين غير راضين عن الاتجاه الذي تسير فيه البلاد. ورغم أن أغلبية التونسيين متدينة، فإن حزب «النهضة» قد يكون بصدد خسارة الناخبين. والسؤال هو ما إن كان الحزب سيقبل هزيمة انتخابية؟ غير أن اغتيال براهمي يثير السؤال الأكثر إلحاحاً والمتمثل في ما إن كان الغنوشي يستطيع التحكم في أتباعه أو المجموعات السلفية المتشددة الهامشية التي سبق أن هاجمت محطة تلفزيونية وقاعة سينما وحانات، والسفارة الأميركية أيضاً! والواقع أن انقلاباً على «النهضة» على النموذج المصري أمر غير مرجح، نظراً لأن الجيش التونسي ضعيف، والوضع لم يصل بعد إلى حالة العداء الشديد، العلماني الديني، الموجودة في مصر. لكن التوتر آخذ في الازدياد. غير أن إخفاقات الثورات الأخرى مؤلمة أكثر. فالاختبار الرئيسي للتعايش بين الإسلاميين والعلمانيين هو ذاك الذي عرفه أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، أي مصر. تجربة انتهت بطريقة درامية عندما قام الجيش بإزاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي. والآن، وبدلاً من الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، يخرج كلا الجانبين إلى الشوارع. وكان خطأ مرسي الرئيسي فشله في اتباع سياسة تقوم على التوافق؛ حيث أخاف المصريين المسلمين المعتدلين بسعيه لفرض قيم اجتماعية إسلامية محافظة، وفشل في الدفاع عن المسيحيين من المتطرفين الإسلاميين. غير أن خصوم مرسي، ومنهم الزعماء الشباب الذين حشدوا ملايين المتظاهرين في 2011 ثم مرة أخرى الشهر الماضي، لم يكونوا أكثر ديمقراطية منه؛ حيث فشلوا في تنظيم أحزاب سياسية وفي التواصل مع الناخبين في المناطق الريفية. كما فشلوا في توحيد صفوفهم وراء زعيم واحد، الأمر الذي كان يمكن أن يمكِّنهم من هزيمة مرسي في الانتخابات. وبدلاً من ذلك، وقف معظم هؤلاء الشباب «الثوريين» خلف الجيش المصري الذي يستعد لتوجيه تهم ضد مرسي. ولذلك فثمة مخاوف من حرب أهلية. ورؤية شباب مصريين يحتضنون الجنرالات ليست أمراً مفاجئاً في «مجتمع حكمه مستبدون، وتسوده الأفكار غير الديمقراطية»، كما يقول إيريك ترايجر، الخبير في مصر بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مضيفاً: «كيف يمكن أن تكون لديك ديمقراطية في مكان لا يوجد فيه ديمقراطيون؟». ربما سيدرك المصريون الحاجة إلى توافق سياسي في المستقبل (وهو ضرورة سياسية يبدو أن بعض الساسة الأميركيين قد نسوها)، وإلى ذلك الحين، ستظل الآفاق قاتمة بالنسبة للديمقراطية المصرية. أما الاحتمال الأكثر أملاً بالنسبة لديمقراطية عربية ناجحة، فيظل تونس، حيث ما زال العلمانيون والإسلاميون يتحدثون مع بعضهم بعضاً، ولعل المؤشر الذي سيبعث على الأمل سيكون هو الاعتقال السريع لقتلة براهمي وبلعيد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©