الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المثقفون و«الربيع العربي»

2 أغسطس 2013 22:32
حواس محمود في خضم الثورات العربية أو ما يسمى «الربيع العربي»، يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة. فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا «الربيع»، يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات عميقة وموضوعية ودراسات ولقاءات إعلامية تزيل اللبس والغموض عن هذه الثورات التي يشكك بها عدد من المواطنين العرب وكذلك نسبة من الساسة والمثقفين، مما يشير إلى أن المثقف كان غائباً عن التمهيد والتهيئة والتحضير لهذا الربيع، فجاءت نباتاته وأشجاره من دون أزهار ثقافية، إن جاز التعبير. ولعل هذا هو السبب في مواقف اللبس والاشتباه وعدم الوضوح والريبة من هذه الثورات العربية، وكأن المثقف العربي، وكذلك الفكر العربي، عاجزان بأدواتهما التحليلية عن كشف الملتبس وتوضيح ما جرى، وتبيان ما هي الأسباب وراء ما حدث وإلى أين المآل؟ أعتقد أن حالة من التماهي الثقافي، أو بتعبير أدق، تماهي المثقف مع السلطات الشمولية في عهود الاستبداد المظلمة في العالم العربي، يمثل سبباً رئيسياً في غياب المثقف عن الثورات العربية كمقدمات ومسايرة ومتابعة مآلاتها، أي أنه كان غائباً عن التمهيد والتبشير، ما عدا استثناءات قليلة جداً، وكذلك عن الانخراط، وأيضاً عن رسم الدروب والمآلات، وهذا أثّر كثيراً حتى على سمعة وشعبية هذه الثورات، فجاءت ناقصة في بعدها الثقافي الفكري التنظيري، لكنها كانت مشبعة ببعدها الشعبي المنافحي والمقاومي. وهنا مكمن قوتها التي تحتاج حتى بعد اندلاعها إلى مواكبة المثقفين والفنانين ورجال الدين والمال والاجتماع... من أجل إنجاحها واستكمال مهامها النهضوية العارمة لانتشال المجتمعات العربية من سطوة الاستبداد القاتلة والأخذ بيد الشعوب إلى فضاءات العلم والعمل والتطوير. إن الكثير من أنصار الاستبداد يتذرعون بذريعة غياب المفكرين عن هذه الثورات، وهذا صحيح جزئياً، لكنه بالقطع ليس صحيحاً بصورة كلية، أي أن المفكرين العرب لم يشكلوا حالة نهضوية تنظيرية ضاغطة باتجاه الثورات الراهنة، لكنهم ساهموا ولو بدرجات مختلفة في تشخيص الحالة العربية وتبيان أمراضها المزمنة من استبداد ومرض وجهل وتخلف، لذلك فإن اتهام الثورات بغياب الفكر عنها اتهام فيه من الظلم والإجحاف ما يثير الريبة والشكوك في الهدف الذي منه ينطلق أولئك المشككون في نظافة ونزاهة وأحقية واستحقاقية الثورات العربية الراهنة في أن تسمى ثورات، ولم لا تسمى ثورات طالما أنها تقاس جماهيرياً بالملايين؟ وهل الملايين التي تخرج لا تستحق أن تشكل ظاهرة احتجاجية نسميها ثورة؟ إنها في الواقع ثورة ضد الاستبداد والظلم، بل ثورة ضد حقبة كاملة شكلت أكثر من أربعة عقود مظلمة، وهذا ما ظهر ويظهر من اليافطات والشعارات التي ترفع في مظاهراتها وتحركاتها السلمية العديدة. كما لا ننسى الإشارة إلى وجود فئة من المثقفين تعيش حالة الاستنفار في مواجهة الإرادة الشعبية الزاخرة بالاندفاع والإصرار والحيوية الثورية، وهذا يأتي بطبيعة الحال من دفاع بعض المثقفين عن مصالح شخصية من خلال شرعنة الاستبداد ثقافياً باعتبار أن علاقة المثقف بالسلطة في العالم العربي، حسب ووتر بيري، تتجاوز موضوع المكافآت والاستخدام والإجازات المهنية، لتشمل شعوراً قوياً بالهوية والأهداف المشتركة. (جون ووتر بيري، «إمكانية التحرك نحو الليبرالية السياسية في الشرق الأوسط»، نقلا عن «المثقف العربي والربيع العربي... في نقد البلطجية الثقافية»، إدريس جنداري، الحوار المتمدن 2-6-2012). ولذلك وجدت حالة من الجمود الجزئي في الحراك الثوري العربي، وذلك بسبب التوظيف الأيديولوجي للمثقف العربي الذي ساهم في تشويش الحالة العربية والاتجاه إلى ترسيخ نظريات المؤامرة والتطرف والمذهبية والطائفية وتخويف الأقليات من «الربيع العربي». نصل إلى نتيجة واضحة مفادها أن تقصيراً حصل من جانب المثقف العربي في دوره، لأسباب فكرية وانتهازية واقتصادية موضوعية، لكن ليس إلى درجة تغييبه والغمط من جهوده الفكرية التي ساهمت بشكل أو بآخر في إشعال لهيب الثورات العربية أو ما يسمى «الربيع العربي». ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©