الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأبواب المصفحة بالنحاس.. سمة مميزة لفنون النجارة الإسلامية

الأبواب المصفحة بالنحاس.. سمة مميزة لفنون النجارة الإسلامية
22 أغسطس 2014 22:35
تبقى الأبواب في عمائر المسلمين من أجلّ الفنون التطبيقية التي عني بها المشيدون سواء في العمارة الدينية أو المدنية ناهيك عن الحربية الدفاعية ولا سيما الأبواب الخارجية التي تعد عنواناً موحياً للناظرين بما خلف هذه الأبواب، ومن اللافت للنظر أن المسلمين لم يعنوا بضخامة أبواب منشآتهم واختاروا دائماً الأنواع المؤلفة من ضلفتين للمساجد والمدارس والقصور بينما اعتمد المؤلف من قطعة واحدة للمنازل بصفة رئيسة فضلاً عن أبواب القلاع والحصون. كانت الأبواب الأولى للمساجد حسبما يستشف من أقوال المؤرخين بسيطة في تكوينها ويكاد الاهتمام بها أن ينحصر في توفير سُمك مناسب لأخشابها أو الاعتماد على الأنواع الجيدة من الأخشاب في صناعتها، ثم أخذت الزخارف المحفورة تظهر على الأبواب ولا سيما تلك المستخدمة في منازل النخبة الثرية ولدينا مثال جيد لهذا التطوير يحتفظ به متحف بيانكي بأثينا وهو باب لا يتجاوز اتساعه 120 سم، بينما يصل ارتفاعه إلى 3 أمتار، وقد زود المصراعين بحشوات مزينة عن طريق الحفر الغائر بزخارف نباتية قوامها رسم شجرة ذات أفرع كثيرة تتوزع على جوانبها الأوراق النباتية وثمار الفاكهة فضلاً عن زخارف هندسية ويعتقد أن هذا الباب من صناعة تكريت في القرن الثاني الهجري «8 م». وتجدر الإشارة إلى أن صناعة هذه الأبواب لم تنقطع إلى العصر الحديث وخاصة في بيوت الأسر الثرية ويحتفظ متحف الأشموليان بجامعة أوكسفورد بباب خشبي كان بأحد منازل جدة في القرن 17م وهو مزخرف بالحفر بزخارف نباتية غاية في الجمال. حشوات الأبواب وبدءاً من هذه الفترة المبكرة من العصر العباسي أخذ المسلمون في تزويد الأبواب بالحشوات التي كانت تثبت ببدن الأبواب لتعطي لها جمالاً فنياً وغالباً ما ضمت هذه الحشوات زخارف هندسية ونباتية إلى جانب بعض النصوص الكتابية التي كانت تشير للمنشئ وألقابه وسنة إتمام البناء. ومن أشهر الأمثلة لتلك الأنواع من الأبواب الخشبية باب الجامع الأزهر الذي أمر بصناعته الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وهو من مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وهو مزخرف بحشوات خشبية كبيرة مستطيلة بداخلها رسوم نباتية منفذة بالحفر المائل وارتبط هذا الباب بحادثة شهيرة تفصح عن اعتماد المقاييس الإنسانية لأبواب المساجد إذ اضطر المشرفون على الجامع الأزهر لخلعه من أجل إدخال تنور ضخم من الفضة صنع خصيصاً لزيادة الإضاءة بداخل الجامع خلال شهر رمضان في بدايات القرن الخامس الهجري، وشهدت تلك الفترة أيضاً تثبيت حليات وأشرطة معدنية بأبواب المساجد مثلما نرى في أبواب الجامع الطولوني بالقاهرة. أقدم الأبواب وبدءاً من منتصف القرن الخامس الهجري على أقل تقدير أخذت الأشرطة النحاسية تظهر في تكسية الأجزاء السفلية والعلوية من الأبواب الخشبية في المساجد حاملة أسماء والقاب المنشئين وما إن انتصف القرن السادس الهجري حتى كانت صفائح النحاس والبرونز تغطي كاملة الأبواب من الخارج، بل ومن الدخل أيضاً في بعض الحالات ويعتبر باب جامع الصالح طلائع بن رزيك بالقاهرة «555 هـ» من أقدم الأبواب الباقية من هذا النوع. انتشرت الأبواب الخشبية المصفحة بالنحاس المطروق أو البرونز المصبوب انتشارا كبيرا في العالم الإسلامي بدءاً من القرن السابع الهجري «13 م» وأصبحت من السمات المميزة لفنون النجارة الإسلامية نظراً لما تحققه من فوائد علمية وفنية، فهي من ناحية تكسب الأبواب صلابة أكبر وتدعم وظيفة الحماية فيها ومن ناحية أخرى تعوض رداءة بعض أنواع الأخشاب السميكة التي كانت تستخدم في صناعة الأبواب، زيادة على أن النحاس المطروق والمفرغ بشتى أنواع الزخارف الهندسية والنباتية والكتابات كان يمنح هذه الأبواب جلالاً وجمالاً يخطف الأبصار. وتحتفظ منشآت سلاطين وأمراء دولة المماليك في كل من مصر والشام بعدد كبير من الأبواب الخشبية المصفحة التي تقف شاهداً على الرقي الفني الذي بلغته صناعة الأبواب المصفحة في عصر الدولة المملوكية، والحقيقة أن هذا الجمال والتأنق الفنيين جّرا الويلات وما زالا على تلك الأبواب فتعرضت لعمليات شتى من السرقة والنهب بدءاً من العصر المملوكي، خاصة إذا ما أستخدم الذهب أو الفضة في تكفيت بعض زخارف هذه الأبواب. باب زويلة وتعتبر مدرسة السلطان حسن الضحية الأولى لعمليات النهب فبعد أن توفي مشيدها الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون مقتولاً على يد مماليكه جاء الملك المؤيد شيخ بعد نحو أربعة عقود من وفاته واحتال على نظار وقف مدرسة السلطان حسن حتى وافقوا له أن يقتلع الباب المصفح الضخم الذي كان يغلق على الباب الرئيسي للمدرسة ليضعه في مسجده القائم لليوم بالسكرية قرب باب زويلة بالقاهرة نظير وقف إيراد قرية قها بالقليوبية على مدرسة السلطان حسن ويستطيع زائر جامع المؤيد شيخ أن يرى بنفسه التغيرات التي أحدثها رجال الملك المؤيد في الأشرطة الكتابية للباب من أجل محو اسم السلطان حسن. ولاحقاً ومع النشاط المحموم لتجار العاديات الأوروبيين في القرن التاسع عشر اختفت بعض الأبواب الداخلية لمدرسة السلطان حسن وكانت الكسوات المعدنية لبعضها مكفتة بالذهب والفضة ويعتقد أن الباب الذي يغلق اليوم على مدخل السفارة الفرنسية بالقاهرة هو أحد تلك الأبواب وربما نهبت الصفائح أو على الأقل الأشرطة النحاسية التي كانت بالأبواب الداخلية للمدرسة الفقهية الأربع بتلك المدرسة الجليلة. ورغم ذلك تحتفظ مدرسة السلطان حسن بعدد كبير من أبوابها الداخلية المصفحة بالنحاس ومن أهمها الباب المؤدي للقبة خلف المحراب والباب المؤدي لإحدى مكتبات المدرسة فضلاً عن الباب المصفح الصغير لمرقى المنبر الرخامي لتلك المدرسة. وخلال السنوات الأخيرة تعرضت بعض أبواب المساجد والمدارس المملوكية بالقاهرة للنهب عندما انتزعت منها بعض الحشوات الخشبية وكذا بعض أشرطة كسوتها المعدنية. أجمل الأبواب من أجمل الأبواب المصفحة الباقية لليوم بحالتها الأولى دون تغيير باب مدرسة وخانقاه السلطان الملك الظاهر برقوق بالقاهرة، وهي ذات زخارف هندسية رائعة تعتمد على زخارفة الطبق النجمي، ذلك الابتكار الهندسي والفني الذي أبدعته قرائح الفنانين المسلمين وقد نفذت هذه الزخارف لتبدو بارزة متألقة ونستطيع بسهولة أن نقرأ فيها السلطان «برقوق» مكتوباً بأسلاك من الذهب ثبتت بطريقة الدق أو التكفيت في الكسوة البرونزية. إضاءة اللافت للنظر أن الأبواب المصفحة كانت بها سماعات أو مطارق تستخدم للتنبيه عندما يرغب أحدهم للدخول حال إغلاقها وهي غالباً ذات أشكال هندسية ومزخرفة بالتفريغ وتختلف في ذلك عن سماعات أبواب المنازل التي كانت تتخذ هيئة رؤوس حيوانية كالأسد وذلك في إشارة رمزية لمعنى الحراسة والحفظ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©