السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ربما كنت حصانا

ربما كنت حصانا
22 أغسطس 2014 22:44
(1) كان الكاتب الروائي الروسي العظيم تورجينيف يتمشى مع الروائي الروسي الأكبر ليف تولستوي، وقد مرّا من قرب حصان عجوز ومنهك القوى. يقول تورجينيف متذكراً: - ....اقتربنا من الحصان، من ذلك التعيس، فأخذ تولستوي ينظر إليه، ويردد في الوقت ذاته ما كان يجب أن يشعر به ذلك الحصان ويفكر فيه، حسب رأيه. فأصغيت إليه مصادقاً. لم يكتف تولستوي في أن يضع نفسه في موضع هذا المخلوق التعس، بل وضعني أنا أيضا هناك، فلم أصطبر، وقلت له: - اسمعني يا ليف نيقولايفتش، لا بد أنك كنت حصانا في وقت ما!. انتهى الاقتباس. طبعاً لم ينقل لنا التاريخ ماذا رد تولستوي على تورجينيف آنذاك، لكننا نعرف رده الفني في أواخر حياته، حيث كتب روايته القصيرة (الذراع) التي يتحدث فيها على لسان حصان هرم، فوضع العالم كله في الجو، وليس مستر توجينيف وحده. وفي ذات الزمان والمكان كتب أنطون تشيخوف قصة قصيرة، تتحدث حول حوذي مات ولده الوحيد، فكان يجرّ الحديث مع الراكب ليتحدث عن وفاة ابنه اليوم، لكن الركاب جميعا كانوا يصدونه ويرفضون سماع الحديث، حتى زملاؤه لم يسمحوا له بإنهاء الحديث حول ولده المتوفى... الكل مشغول عنه وغير مهتم. ما كان من الحوذي إلا أن شرع في الحديث حول مأساته بولده إلى حصانه الهرم، الذي لم ينهره ولم يسكته. تحضرني هنا رواية (وداعاً يا جولساري) للروائي السوفييتي جنكيز ايتماتوف. تأثرت كثيراً في هذه الرواية في فترة ما يسمى بالشباب، وهي في الواقع شيخوخة مبكرة، بطل الرواية ختيار عجوز سوفييتي عاش طويلاً مع حصانه المخصي الهرم، فصار يستعرض حياته ويشكو همومه للحصان وينتقد التراجع في الروح الشيوعية السوفيياتية.. ربما لو تنبه القادة السوفييات (أقصد الشرفاء منهم والمخلصون فقط) إلى مضمون الرسالة، بالإضافة إلى الرسالة التي وضعها الكاتب في روايته «السفينة البيضاء»، حيث مات الطفل في الرواية .. لو انتبهوا لكانوا حاولوا منع السقوط الكبير الذي أذلنا جميعاً. عندما سأل النقاد جنكيز ايتماتوف وانتقدوه لأنه أمات الطفل في الرواية ، وهو الأمل، قال لهم: - أقول لكم إذا بقينا على هذه الحالة سوف يموت الطفل. بالفعل.. بقي السوفييات على تلك الحالة، حتى مات الطفل. وليس آخراً لا أتحدث عن الأحصنة، بل أتحدث عن الصدق الفني، الذي يكاد يقترب من النبوءة .... إنه الصدق التي نحتاجه جميعاً ...... إنه أوكسجين الإبداع. (2) لعلَّ أكثر ما يوحدنا، هو تلك العلامة الناجمة عن الأثر الذي تتركه إبرة التطعيم على أذرعنا منذ الطفولة المبكرة (كنا نسميها تقريفة، ولا أعرف معناها)، وهي مكونة من عدة مطاعيم أهمها ضد الجدري... أما بالنسبة للإناث، فقد كن خوفا من تشوهات الذراع، كن يضعنها في منتصف الفخذ الأيمن... لكن المشرع الصحي في ذلك الوقت لم يتوقع موضة الميني جوب وبعدها المايكرو جوب، التي فضحت الطابق، ولم يستطع حتى كولون النايلون أن يخفيها، ولا اعرف أين نقلوا تلك التطعيمة حالياً. تلك المطاعيم كانت تحدث وخزا أو علامات على أجسادنا الهشة. لكننا حاليا ما نزال نتعرض لمطاعيم يومية، لا تترك أثراً على الجسد، بل تترك ثقوباً في ما تبقى من أرواحنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©