الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العملة الأفريقية الموحدة...مستقبل واعد

22 يناير 2012
بعد ثلاث عشرة سنة فقط على ولادته ثمة مخاوف حقيقية من أن العملة الأوروبية الموحدة قد لا تبلغ سن الرشد أبداً، فخلال الأسبوع الماضي فقط وصل "اليورو" إلى أدنى مستوى له في سعر الصرف مقارنة بالدولار الأميركي خلال الستة عشر شهراً الأخيرة، هذا في الوقت الذي قررت وكالة التصنيف "ستناندارد أند بورز" تخفيض التصنيف الائتماني لعدد من الدول الأوروبية بما فيها فرنسا. لكن وخلافاً لهذه الأنباء المزعجة القادمة من أوروبا، استطاعت المستعمرات الفرنسية السابقة في غرب ووسط أفريقيا تطوير عملة موحدة أثبتت نجاعتها حتى هذه اللحظة، بل إن العملة المعروفة باسم "سيفا" نجحت في الاستمرار لأكثر من ستين عاماً، والسؤال اليوم هو: ماذا سيكون مصير العملة الأفريقية الموحدة في حال تعمقت أزمة اليورو؟ وللإشارة تعتمد 14 دولة أفريقية العملة الموحدة، "سيفا"، كوسيلة نقدية فعالة، هذه الدول التي تضم ثمانية بلدان زراعية في غرب أفريقيا وستة بلدان غنية بالموارد في وسط القارة، بحيث تمتد رقعة الوحدة النقدية الأفريقية من السنغال المطلقة على الساحل الغربي للقارة السمراء إلى جمهورية أفريقيا الوسطى في قلب القارة، وعلى غرار الاتحاد الأوروبي، تتنوع منطقة العملة الأفريقية "سيفا" بين بلدان مختلفة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، فهي تضم 123 مليون نسمة والمئات من اللغات، فضلاً عن مجموعة متنوعة من العرقيات. ولا يمكن القول إن هذه البلدان قد تجاوزت المشاكل التقليدية، التي تعصف بالبلدان الأفريقية والاضطرابات السياسية التي تهددها، فمنذ استقلال بلد مثل جمهورية أفريقيا الوسطى على سبيل المثال عام 1960، عرفت البلاد تسعة انقلابات عسكرية، لكن مع ذلك نجحت البنية التحتية للعملة النقدية الموحدة في الاستمرار وبالبقاء على قد الحياة. ويُرجع بعض المراقبين الفضل في استمرار العملة الأفريقية الموحدة إلى الاستعمار الفرنسي الذي أقام العملة وما زالت تدعمها باريس من خلال ضمان سعر صرف ثابت تجاه "اليورو". ومع أن الارتباط بـ"اليورو" يفيد عملة "السيفا" كثيراً، فإن بقاء العملة الأفريقية ليس مرهوناً ببقاء "اليورو" نفسه، فلو سقط "اليورو" بسبب الأزمة الحالية لن تتجه الدول الأفريقية التي تتبنى "السيفا" إلى ربط العملة بالفرنك الفرنسي بقدر ما ستربطه بسلة عملات، لا سيما وأن أوروبا لم تعد الوجهة التجارية الأولى للدول الأفريقية ما يعني أن الارتباط بـ"اليورو" صار أقل أهمية، ففي عام 1995 كانت 49 في المئة من صادرات الدول وسط أفريقيا التي تتبنى "السيفا" تتجه نحو أوروبا، لكن بحلول 2010 تراجعت تلك النسبة إلى 32 في المئة فقط، ويرجع السبب في ذلك إلى صعود الصين كقوة عالمية وحضورها المكثف في أفريقيا ثم تنامي صادرات القارة السمراء إلى السوق الصينية، لا سيما في ظل الطلب الصيني المتزايد على الموارد الطبيعية الموجود بكثرة في أفريقيا، بل إن انهيار "اليورو" وانخفاض قيمة "السيفا" قد يساعد الصادرات الأفريقية في غزو الأسواق العالمية مثلما حصل في عام 1994 عندما فقدت عملة "السيفا" 50 في المئة من قيمتها فقط ليرصد صندوق النقد الدولي في تقرير له تحسناً ملحوظاً في الأداء الاقتصادي للدول الأفريقية، لا سيما في مجال النمو وضبط التوازنات الاقتصادية الكبرى، لكن ذلك لا يعني أن فك ارتباط "السيفا" بـ"اليورو" لن يؤثر سلباً على الدول الأفريقية، فمن دون دعم الخزينة الفرنسية لن تحظى العملة الأفريقية بالصدقية نفسها والموارد التي يضخها المستثمرون الدوليون الذين لا يشعرون بالخوف من الاستثمار في بلدان أفريقية فقيرة ذات مديونية عالية بسبب الضمانات الفرنسية، ومع ذلك يمثل السقوط المتسارع لـ"اليورو" أمام الدولار سبباً كافياً للمستثمرين لعدم الوثوق في "اليورو" نفسه. وفيما يُعتقد أن الصادرات الأفريقية ستكون أول المستفيدين من خفض قيمة "السيفا"، إلا أنه من جهة أخرى ستتضرر الواردات الأفريقية من البضائع الأجنبية التي سيرتفع سعرها، لا سيما بالنسبة للبلدان الأفريقية غير النفطية التي تضطر لاستيراد احتياجاتها من الطاقة. لكن مع ذلك لن تتسبب تلك البضائع الغالية في أضرار كبيرة لأنها لا تدخل إلا بكميات بسيطة إلى الدول الأفريقية لعدم الإقبال عليها وارتفاع تكلفتها، كما أن العملة الأفريقية الموحدة، وفيما عدا المكاسب الاقتصادية التي تحققها للدول الأفريقية، فإنها أيضاً تسهم في التخفيف من حدة التوترات داخل تلك البلدان، ولعل المثال الأبرز على ذلك الأزمة التي عصفت بساحل العاج عام 2010 على خلفية الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها. فبعدما رفض الرئيس المنتهية ولايته "لوران جباجبو" مغادرة السلطة، قام البنك المركزي في غرب أفريقيا بتجميد أصول النظام ومنع عليه الموارد لشراء ولاء الموظفين والقوات الأمنية الأمر الذي سرع من سقوطه، زيادة على ذلك تمثل تجربة "السيفا" الناجحة فرصة لتكرارها في مناطق أخرى بأفريقيا، لا سيما تكتل بلدان شرق أفريقيا الذي يضم أوغندا وكينيا ورواندا وتنزانيا وبوروندي الطامحة أيضاً إلى التكتل في إطار عملة موحدة، بل حتى بلدان أفريقيا الغربية الناطقة بالإنجليزية بدأت تنظر باهتمام لتجربة "السيفا"، وهي تفكر حالياً في إقرار عملة موحدة أطلق عليها اسم "إيكو" مع نهاية العقد الجاري، وفيما تواجه منطقة "اليورو" احتمال تفككها وانهيار العملة الأوروبية الموحدة مع ما سيترتب على ذلك من فك الارتباط بين فرنسا ومستعمراتها الأفريقية السابقة، يبدو أن عملة "السيفا" تتجه نحو المزيد من الازدهار حتى في غياب دعم من "اليورو". أندرو ميلر باحث بمجلس "العلاقات الخارجية" الأميركي نيل بوهان محلل بمركز جرينبورج للدراسات الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان سيانس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©