الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محمد شكري يروي تفاصيل وتشعبات حياة بول بوولز في طنجة

محمد شكري يروي تفاصيل وتشعبات حياة بول بوولز في طنجة
3 أغسطس 2013 00:14
على مدار أيام شهر رمضان المبارك سوف نطل عليكم من خلال هذه الزاوية بعرض مختصر لعدد من الكتب في التراث والأدب والتاريخ وأدب الرحلات لتكون استراحة قصيرة، تروي شيئاً من شغف المعرفة في ساعات هذا الشهر الفضيل. ونتناول اليوم: محمد نجيم (الرباط) - يعد كتاب «بول بوولز وعزلة طنجة» من الكتب المُهمة التي خلّفها الكاتب المغربي المُشاكس والعالمي الشهرة الراحل محمد شكري، وهو كتاب سماه صاحبه باسم «بول بوولز وعزلة طنجة»، الذي كان الإقبال عليه شديداً إبان نزوله إلى المكتبات المغربية. كيف لا ومؤلفه هو صاحب الرواية الشهيرة «الخبز الحافي». يحكي صاحب «مجنون الورد» و»السوق الداخلي» و «زمن الأخطاء» في هذا الكتاب عن كل ما له علاقة بالكاتب الأميركي الشهير، الذي أقام لعقود طويلة في مدينة طنجة إلى جانب كتّاب من العيار الثقيل أمثال تينيسي وليامز، وجان جينيه، وويليام بوروز، وأسماء أخرى. يحدثنا محمد شكري عن الكاتب بول بوولز قائلاً، إنه عاش طفولته وسط عالم الكبار، وليس حضن الكبار؛ لأنه لم يتمتع بأي دفء في أسرته: إذ حياته قُننت، ورُوقبت، وعوقبت إلى حد الإرهاب والجنون، ولم يتسامح معه أبوه إلا في ظروف نادرة. ومن بين التعذيبات التي كانت تمارس عليه أن أباه كان يفرض عليه، بنوع من الوسواس القهري، مضغ لقمة أربعين مرة قبل بلعها حفاظاً على صحته، كما كان يعتقد. ويبدو جلياً أن بوولز قد استوحى قصته «حقول صقيعة» من محيط عائلته، إذ هناك تشابه بينه وبين دونالد بطل القصة. يحكي شكري عن كاتبنا «بول بوولز عندما دخل المدرسة لم يكن له فيها أصدقاء؛ لأنه كان ينعزل عن رفاقه. وستكون هذه العزلة مصدر تفوقه عليهم في دراسته. لهذا فقد كتب أول حكاية أشخاصها حيوانات. وكانت أمه تناغيه في الرابعة من عمره بحكايات فوق مستواه العقلي لتنيمه، وتقرأ له أيضاً قصص إدغار آلان بّو المُرعبة ومازال حتى الآن كاتبه المفضل، وبعده اكتشف بنفسه باكر لوتريامون، الذي لا يعتبر أكثر دموية من بوولز نفسه في كتاباته، فأعجب به، لكنه لم يعجبه فوكنر؛ لأنه قرأ كتبه ولم يصدقها كما ي يقول لآلن هيبرد في رسالة طنجة (83.1.18)، ولم يتم قراءة «المهرجون» لسيلين، أما جويس فهو يعترف لميليسنت ديلن في رسالته لها: «أغبطك إذا كنت قادرة على تحمل درجة من الاهتمام بانتظام في قراءة (عوليس). الناس لا يكفون عن التأكيد بأنهم قادرون. الناس أيضاً يؤكدون أنه متبصر وخادم». أما رامبو فقد ظل معجباً به إلى حدود الخامسة عشرة من عمره، ثم حل إعجابه بمغامراته محل شعره. وكذلك حيرته تقنية فرانسيس باكون في الرسم وأريكه «الغذاء العاري» لوليام بروز. ويضيف شكري متحدثاً عن كاتبه بول بوولز أنه كان يحب أن يشعر بالخوف، لكنه لا يعرف لماذا…! في اعتقاده أنه «الخوف هو الذي يدير العالم، هو الانفعال الأقوى، الأكثر قوة من الحب، لأن الحب لا يحرك العالم،؟ إنه ينتج النوع: فهو ليس مهماً مثل الخوف الذي يتصدر. الخوف من أن نفارق الحياة؛ لأنه معلوم أن كل واحد منا يريد الاستمرار في العيش. وكل ما هو خارج يهددك؛ لأنه إذا أنت لم تكن خائفاً فإنك لن تتنفس». وطبعاً فإن هذه الفكرة تأثر بها من كتاب «تدهور الحضارة الغربية» لأسوالد اشبنغلر الذي كان معجباً به. في روايته «بيت العنكبوت» لا يطرح السؤال: لماذا العيش؟ ولكن كيف يمكن العيش؟ مارك تواين يحكي محمد شكري أن مارك تواين عندما زار طنجة قادماً إليها من إسبانيا عام 1876، لم يبق فيها أكثر من ستة وثلاثين ساعة. لقد علق عليها في كتابه «الغريب البريء»: طنجة هي المكان الذي كنا نرغب فيه من قديم… كنا نريد شيئاً كاملاً ومختلفاً تماماً». ثم اعتبرها الثانية من بين أقدم مدن العالم. وجدها جنة يوم وصوله، كما كتب لأصدقائه، لكن يرى مغادرته لها بقيت مبهمة حتى اليوم. ومع ذلك فلم يخب ظنه فيها. أما بول بوولز، فقد ظل هنا، رغم أنه قد يكون حدث له شيء ما مزعج أو لم يحدث. إنه «الكاتب الأمير المقيم بامتياز في المدينة»، كما قال عنه جافن يونج. وصرح آرون كوبلاند بعد أيام من إقامتهما «هو وبول في طنجة: «إنها مستشفى المجاذيب، مستشفى المجاذيب»؛ لأن توتر وضجيج أهلها في الكلام أزعجا راحته، وكذلك لم تكن أصوات الطبول والعيطة تكف ليل نهار. وعندما زار فاس، صحبة بول، وجدها أكثر إقلاقاً من طنجة، فأثبت نفوره من المغرب كله. الموسيقى المغربية والأندلسية وعن إعجاب الكاتب بول بوولز بالموسيقى الشعبية، يروي محمد شكري أن هذا الأخير سجل كثيراً من أنواع الموسيقى المغربية الشعبية والأندلسية. يقول عن الصعوبات التي اعترضته: «كنت في حاجة إلى مساعدة من الحكومة المغربية، فعندما أحل في إحدى المدن أتصل بالقائد. أكشف له عن هويتي وأطلب منه أن يجمع بين موسيقيين، أحيانا. كانوا يقولون: « كلا، كلا، نحن لا نريد أن يتم تصدير الموسيقى المغربية. لا نريد أن يستمع الأجانب إلى ما نفعله». بعضهم كان حقيقة غير مهذب، لكن أكثريتهم كانوا لطفاء، مستعدين أن يعينوني. كان ينبغي الحصول على دعم الحكومة من اجل جلب الموسيقيين، لأنه أحيانا، كان يجب إرسال شاحنة للبحث عنهم على بعد مائة كيلومتر، في الجبال، واستقدامهم، حيث أستطيع التسجيل معهم. عله يحدث أن يكونوا في عين المكان، في القرية، لكن، في معظم الأحيان، كان لا بد من الذهاب بحثا عنهم حيث يوجدون» في بداية الستينيات بدأت أسمع وأقرأ عن أسماء الكتاب والفنانين الأجانب الذين زاروا طنجة في الماضي والذين يزورونها على فترات أو الذين رحلوا عنها ولم يعودوا إليها حتى ماتوا مثل ترومان كابوتي، وجاك كرواك، وألفريد تشستر الذي أثر الانتحار في إسرائيل بعدما طرد من طنجة وأصيلة بسبب مشاغباته مع السلطات المحلية وتصرفاته المجنونة أينما حل. في مذكراته كتب محمد شكري في يوم 28 - 10 - 1993 يقول: زرت بول صحبة إبراهيم الخطيب حوالي الخامسة مساء. كان قد انتهى من تناول عشائه وقت وصولنا. كان داخلاً إلى الحمام منطويا على نفسه. لا شك في أن ألم عرق النسا قد عاوده. عند عودته إلى غرفة نومه ساعداه، إبراهيم وأنا، على الاستلقاء فوق فراشه. عبد الواحد كان في المطبخ. تركت إبراهيم يتحدث مع بول بالإسبانية عن متابعات أدبية صدرت عن بعض ترجمات كتب بول التي يهتم بها إبراهيم، ثم وجه لي بول سؤال الزيارة: ماذا هناك من جديد؟ أدركت أنه يقصد آخر ما اكتبه. كنت أخبرته أني أكتب مذكراتي معه وأشياء أخرى عن طنجة. لقد بلغت 107 صفحة بخط اليد. إنه ينفعل دائما عندما أذكر له أني مستمر في كتابتي كتابا عنه. «ماذا سيكتب عني شكري؟ إنه لا يعرف عائلتي ثم هو لا يعرف عن حياتي الكثير». هكذا قال لـ»بدرو». ولي قال: «أتمنى أن أقرأ ما تكتبه عني». وفعلاً كتب محمد شكري كتابه عن الكاتب العالمي الأشهر في طنجة بول بوولز وأورد فيه تفاصيل مذهلة ووصفاً دقيقاً للحياة البوهيمية التي عاشها هذا الكاتب مع زوجته التي ماتت في الرابع من مايو 1973. وعن موتها، قال محمد شكري، الذي عايش الحدث المؤلم عن قرب: ظل بول جالسا جنبها إلى السابعة مساء ثم رجع إلى الفندق. وفي التاسعة أخبرته رئيسة المُمرضات هاتفياً بأن جين قد ماتت منذ قليل. وفي اليوم التالي كان الدفن خاصا تماما في كنيسة القلب المقدس. بعد موت جين كتب بول من طنجة في 11 - 5 - 1993 إلى «أدري وود: « الآن لم يعد شيء يستبقيني هنا، ماعدا العادة، لكن من المحتمل أن أبقى حتى ترغمني ظروف خارجية على الذهاب، وانه في كل مرة رجعت إلى الولايات المتحدة تبين لي أنه المكان الذي يقل حبي للعيش فيه». الكاتب: «بول بوولز وعزلة طنجة» الكاتب: محمد شكري عدد الصفحات: 167 صفحة من الحجم المتوسط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©