الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوهام الدواعش

22 فبراير 2016 01:19
تكثر في مواقع الإنترنت الإعلانات المغرية عن تجارة العملة أو الذهب وغيرها من سبل الثراء السريع التي تَعدك بربح أضعاف ما تدفع. اليوم، يشكل الثراء السريع هدفاً لكثير من الناس، وهذا يتضح مع مخالطتهم في الحياة اليومية وسماع همومهم ورغباتهم، وكذلك في اقتراحات محركات البحث، جوجل وغيرها، على غرار (كيف أصبح غنياً بسرعة). إن النظام الاجتماعي المعاصر يتسم بالقسوة ويتطلب طول الصبر والحنكة من الأفراد في سبيل تحقيق أهدافهم من مال ومنصب وسمعة طيبة وبناء أسرة. والشباب هم النسبة الأكبر في المجتمع العربي، وهم لسوء الحظ أصحاب النصيب الأدنى من الأهداف، فالحياة اليوم تكاد لا تبتسم في وجهك إلا وقد جاوزتَ النصف الأول من عمرك، هذا إذا ابتسمَت أصلاً. أما سنوات العمر الأولى (15-30) فيغلب عليها التعب والعناء مع اليأس وقلة المال وانعدام الصوت مع أنها السنوات الأكثر نشاطاً وحيوية وتطلباً للحياة. وهنا في هذه النقطة بالضبط تأتي وعود «داعش» بِجنّتي الدنيا والآخرة، فـ «داعش» يعدك «كذباً» مقابل الانضمام له بأموال كثيرة وزوجات من شرق الأرض وغربها، مع إمكانية الإرجاع والتبديل، وبسلطة تمكنك من إلزام الناس بما تراه أنت، وقتلهم إن رفضوا، دون أن يسألك أحد: لمَ فعلت؟ وفوق هذا كله، يقول لك داعش إنك بهذا تحيي سنة الرسول، عليه الصلاة والسلام، وترفع شأن الإسلام، وإن جنة الآخرة تنتظرك بمجرد أن تخرج من جنة الدنيا. هنا تتسلل الفكرة لرأس الشاب المراهق، فيقارن في باله بين الدروب الطويلة والشاقة نحو أهدافه ووعود داعش (الكاذبة) بتحقيق كل تلك الأهداف، وأكثر، في ظرف أشهر أو أسابيع قليلة. ويتوهم الشاب الذي انطلت عليه أكاذيب داعش، أن الخروج على وطنه والانضمام لداعش هو تخلص فوري من قيود النظام الحياتي السائد والانتقال المباشر لعالم مرن وحيوي يحقق له أهدافه. هذا الإغراء لا يؤثر على المراهقين فقط، بل حتى على شباب العشرين وأكثر، وليس العاطلين فقط، بل حتى الموظفين وبمختلف القطاعات من أطباء ومهندسين ومعلمين وغيرهم، لأن الطبقية الوظيفية والضغوط الحياتية الحالي تكون في ذروتها على هذه الفئة العمرية. الانضمام لـ «داعش» هو سكرة فرح أخيرة قبل سلسلة من المعاناة، ويوم واحد مشرق قبل سنين كثيرة مظلمة كظلمة القبر، مستعرة مثل جهنم، ابتسامة واحدة حذرة، قبل دموع ودماء وطول عناء للشاب وأهله معه. فما إن ينهي الشاب فترة السفر من أرض بلاده إلى أرض داعش، حتى يدخل في نظام اجتماعي آخر، أكثر تعقيداً وقمعاً وقسوة، ويأخذ الشاب الجديد موضعه من تلك السلسلة الاجتماعية. حينها يجد الشاب نفسه مرة أخرى في الحلقة الأدنى من السلسلة، لكن بلا فرص تطور ولا سبل خلاص، فوظيفته (بالضرورة) ستكون مقاتلاً يموت في أول معركة، أو يحيا ليموت في التي تليها، أو انتحارياً يمتلئ جسده بالمتفجرات، لتتفجر ويتفجر. إذن لا نساء ولا مال ولا سلطة، فـ«داعش» ليس إلا تنظيماً سياسياً يستغل الشباب لينفذ أهدافه (السياسية) من خلالهم، والسلطة فيه محتكرة لأمرائه وقادته بعيداً عن الإغراءات المظللة. أحمد الذبياني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©