الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المحنة الهايتية... وفرصة أوباما اللاتينية

7 فبراير 2010 20:53
منذ وقوع الزلزال الذي ضربها الشهر الماضي تلقت هايتي فيضاً من المدد والعون الأميركي تمثل في إرسال 6.500 جندي إلى ذلك البلد المنكوب، لتوفير الأمن، وتدفقت عشرات من منظمات المجتمع المدني الأميركية لتقديم الدعم، وذهبت إلى هناك أعداد كبيرة من الأطباء والأطقم الطبية لتوفير العلاج والدواء للجرحى والمصابين. "إن لدينا القدرة على تقديم المساعدات، وها نحن نقدمها بالفعل، وهو ما يشعرنا بالرضا" كان هذا ما قاله "روجر لينهارت"، الملازم بالجيش الأميركي الذي وجد نفسه يوم الأربعاء الماضي في واحد من أفقر أحياء الصفيح في هايتي، على رغم أنه كان قد دُرب من أجل الانضمام لقوات بلاده الموجودة في أفغانستان. وعلى رغم أن المهمة التي تضطلع بها الولايات المتحدة في ذلك البلد هي مهمة إنسانية في المقام الأول، إلا أنها تمُد إدارة أوباما في ذات الوقت بفرصة سياسية ينبغي عليها الاستفادة منها. فمع اهتمام شعوب أميركا اللاتينية في الوقت الراهن بمتابعة جهود الإغاثة التي تبذلها الولايات المتحدة، وبعثتها الناجحة -الأكبر والأكثر تكلفة وتعقيداً من بعثة أية دولة أخرى- فإنه يمكن لإدارة أوباما الترويج للدبلوماسية الأميركية، في قارة ظلت لعقود طويلة تشك في نوايا واشنطن -بحسب تقديرات الدبلوماسيين السابقين والمحللين السياسيين الذين يتابعون التطورات السياسية في ذلك الجزء من العالم. ومن ضمن هؤلاء "كريسنشيو أركوس" السفير الأميركي السابق لدى هندوراس، الذي يشغل في الوقت الراهن وظيفة كبير المستشارين في مركز دفاع نصف الكرة الغربي بجامعة الدفاع الوطني في واشنطن، حيث يقول: "أعتقد أن الولايات المتحدة ستظهر بمظهر الدولة شديدة السخاء والشهامة.. فنحن نوفر الأمن كما نوفر مراقبي الملاحة في المطارات، ونقوم بتطوير تلك المطارات بحيث تصبح قادرة على خدمة 300 رحلة طيران يومياً بدلا من 20 و30 رحلة فقط حالياً". وأضاف أركوس: "إن الأوضاع الحالية في هايتي تتيح الفرصة للولايات المتحدة لإظهار جانبها الإنساني الجذاب، وهي فرصة سانحة بشكل خاص لهذه الإدارة الديمقراطية والليبرالية". وهناك آخرون يبدون ترحيباً أقل بالدور الأميركي في هايتي. فشافيز وحلفاؤه من اليسار اللاتيني في نيكارجوا، وبوليفيا، يقولون إن الولايات المتحدة تحاول احتلال هايتي. وهذا ما عبر عنه الرئيس الفنزويلي نفسه في خطاب ألقاه مؤخراً قال فيه: "هناك آلاف من الرجال يحطون الرحال في هايتي كما لو أن هناك حرباً". وكان أوباما قد سعى لتجنب إثارة مثل هذه الحساسيات والعداوات. فبعد توليه الرئاسة بفترة قصيرة وعد بـ"بداية جديدة مع أميركا اللاتينية" مؤكداً أنه لن يكون هناك بعد الآن في علاقات الشراكة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة "شركاء كبار وآخرون صغار، وإنما سيكون التعامل بين الجميع على قدم المساواة". وقد مضى أوباما خطوة إضافية في إظهار مشاعر الود عندما وصف الرئيس البرازيلي "لولا دا سيلفا" بـ"صديقي" مبدياً اندهاشه من نسب استطلاعات الرأي التي يتلقاها الأخير الذي كان عاملا في أحد المصانع قبل أن يصعد إلى سدة الرئاسة في بلاده. وفي أحد مؤتمرات القمة التي عقدت بالقارة اللاتينية منذ شهور تصافح أوباما مع شافيز الذي كان قد ألقى خطابات عديدة يحذر فيها من الخطط الأميركية الرامية للإطاحة بزعماء أميركا اللاتينية . وفي استطلاع للرأي تم إجراؤه العام الماضي بواسطة مؤسسة "لاتينو بارومترو" التشيلية التي تقيس توجهات الرأي العام في 18 دولة، تبين أن نسبة تأييد أوباما قد بلغت 71 في المئة، وهو ما يفوق بفارق كبير النسبة التي كان يحصل عليها بوش الذي كان يتعرض لانتقادات عنيفة في المنطقة. ومع ذلك لا تزال التوترات وعدم الثقة تسِم علاقة أوباما بأصدقائه وأعدائه في أميركا اللاتينية على حد سواء، سواء ما تعلق منها بالجهود الفاشلة التي بذلتها الإدارة لإعادة تنصيب الرئيس الهندوراسي المقال "مانويل زيلايا"، وما أعلن من أن الولايات المتحدة قد خططت لتوسيع وجودها العسكري في عدد من القواعد الكولومبية العسكرية، والاحتكاكات التي حدثت بشأن استمرار اعتقال المساجين في معتقل جوانتانامو - كوبا، ومسألة وجود القوات الأميركية في العراق، وهي موضوعات كانت تولد سخطاً واسع النطاق تجاه إدارة بوش السابقة. ومن جهته يعتبر "مايكل شيفتر" محلل السياسات في مركز "حوار ما بين الأميركتين" وهو جهة دراسات وبحوث أميركية متخصصة في شؤون أميركا اللاتينية، في مقابلة أجريت معه، أن النزاع طويل الأمد بين الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية لا يزال بدون حل، بسبب تركيز إدارة أوباما على المتاعب الاقتصادية التي تواجهها وعلى حروبها المزمنة. يذكر أن "شيفتر" هذا كتب في مقال نشر مؤخراً في دورية "كارانت هيستوري" يقول: "إن علامات الإحباط الراهن لا يمكن أن تغيب عن عين أحد في واشنطن وفي العديد من عواصم دول أميركا اللاتينية، على رغم الجاذبية الشخصية الهائلة التي يحظى بها أوباما". وعلى رغم المساعدات الضخمة التي قدمتها الولايات المتحدة لهايتي فإن كثيرين يلقون باللائمة عليها لعدم قيامها بإدارة جهود الإغاثة على النحو المأمول. ومن بين هؤلاء "لاري بيرنز" مدير شؤون مجلس نصف الكرة الغربي، وهو مجموعة سياسية تتخذ من واشنطن مركزاً لها، الذي يقول إن الجميع "يحبون فكرة إخراج الأطفال من بين الركام، ولكن ذلك ليس كافياً في حد ذاته للتخفيف من الشكوك المثارة حول النوايا الحقيقية لأميركا وقواتها لمسلحة في تلك المنطقة من العالم". أما الملازم "لينهارت" المذكور في بداية هذا التقرير فقد اندهش عندما سمع في مدينة الصفيح التي كان يزورها أن الجميع لا يؤيدون الجهد الأميركي، كما كان يتوقع. ولذا فهو يفكر في الكيفية التي يمكن بها جعل هذا الجهد أداة فعالة في تحسين صورة أميركا. وعن ذلك يقول: "إن المأمول هو أن يدرك الناس هنا حجم هذه الجهود ويقدروها حق قدرها في خاتمة المطاف، وأن يعرفوا أننا هنا من أجل الهايتيين، وليس من أجل أي هدف آخر". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
المصدر: بورت أو برانس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©