الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التطرف «الجمهوري» المزمن

4 ديسمبر 2017 23:15
في الأيام القليلة الماضية، سعى الزعماء الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي جاهدين ليجمعوا الأصوات لمشروع قانون ضرائب قالت «لجنة الضرائب المشتركة» إنه سيضيف تريليون دولار إلى العجز في الموازنة. وسعى الجمهوريون إلى ذلك دون عقد أي جلسات استماع مهمة للجنة. والأسوأ من هذا أن الزعماء الجمهوريين لم يخفوا دوافعهم وهي تحقيق وعودهم للمانحين الأثرياء، ثم فيما بعد، استغلال العجز الكبير في الموازنة لتقليص وخصخصة برنامج «ميديكير» وبرنامج التأمين الاجتماعي. وهكذا فالكونجرس لم يعد يعمل بالطريقة التي ينبغي أن يعمل بها. ولكن المذهل في الأمر هو الطبيعة السريعة وغير المتوقعة للتراجع في السياسة القومية الأميركية، وأحادية الجانب التي أصبحت عليها. فقد كان بوسع المرء أن يلقي بمسؤولية هذا على كلا الحزبين من قبل، ولكن على مدار العقد الماضي أصبح من الواضح أن الحزب الجمهوري كمؤسسة وحركة وجماعة من السياسيين هو من تسبب في ضرر واسع النطاق ربما لا يمكن إصلاحه للنظام السياسي الأميركي. وحتى اليوم، يروق لبعض الناس أن يتخيلوا أن الضرر كله من صنع الرئيس دونالد ترامب لأنه ارتهن الحزب الجمهوري، ولكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير. ونحن لا نناقش هذه القضية باعتبارنا سياسيين حزبيين. فعلى رغم أننا من الحزب الديمقراطي، فقد أيدنا مواقف لجمهوريين ونعتبر أنفسنا معتدلين وقد عملنا من قبل مع شخصيات بارزة في كلا الحزبين لتحسين أداء العملية السياسية. ولكننا لا نجد الآن مفراً من الإقرار بأن الحزب الجمهوري هو السبب الأساسي في عدم الاستقرار السياسي الحالي. وهناك ثلاثة تطورات كبيرة أدت بنا إلى هذه النتيجة. أولاً، في بداية تسعينيات القرن الماضي، رسم الجمهوريون بشكل استراتيجي صورة بشعة للكونجرس والحكومة بشكل أوسع، وسخروا من تقاليد صناعة القرار، ودعموا التقلص الكبير في الثقة بالحكومة، وهو ما بدأ قبل الانهيار المالي عام 2008 بكثير، وإنْ كان قد تسارع بعد ذلك. وبالتالي فقد ألقيت حينها بذور رد الفعل الشعبوي. ثانياً، «عامل أوباما». فحين كان بوش الابن رئيساً، عمل الديمقراطيون معه لوضع إصلاح شامل للتعليم في وقت مبكر، وقدموا أصواتاً مهمة لإقرار أولويته الأولى وهي خفض الضرائب. ولكن في ظل إدارة أوباما كان الأمر مختلفاً. فقد رأينا استراتيجية جمهورية مدروسة لاعتراض كل مبادرات أوباما، ووصف محاولاته للتوصل إلى حلول وسط بأنها ضعيفة أو غير صادقة. واستخدم مجلس الشيوخ في ظل قيادة زعيم الأغلبية ميتش ماكونيل الإجراءات المعرقلة كسلاح لتعطيل التشريعات وقلب العملية السياسية. وكان «عامل أوباما» منعطفاً مشؤوماً تمثل في عنصرية كامنة تجسدت في حركة الافتراء بأن أوباما لم يولد أصلاً في الولايات المتحدة! وواصل زعماء مجلس النواب بدورهم إذكاء نيران الغضب الشعبوي لتحقيق انتصارات في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في عامي 2010 و2014. ودأبوا على التأكيد أن من المستحيل تحقيق شيء في ظل حكومة منقسمة حزبياً. ووعدوا بأنهم إذا فازوا، فإن أوباما سيُرغم على ما يكره، وسياساته سيتم محوها، والحكومة كما نعرفها ستتم إزالتها. وفشلهم المتكرر في تحقيق هذا حفز مزيداً من الغضب استهدف زعماء الحزب. ثالثاً، شهدنا تغيراً كبيراً في وسائل الإعلام كان أثره في اليمين أكبر من أثره في اليسار. فقد تطور تأثير الآلية الحديثة لترديد مزاعم المحافظين في قاعات الأخبار منذ نهاية الثمانينيات، وتعزز هذا مع ميلاد قناة «فوكس نيوز». واستغل متشددون قوة الإنترنت في ترويج وجهات نظرهم اليمينية المتطرفة. ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، شهدنا ظهور نظام إعلامي راديكالي لليمين المتطرف قادر على خلق «الحقائق» الخاصة به، وحشد جمهور حول العداوة للحكومة وللهجرة وللأعراق المختلفة. ولكن لم يتطور شيء يشبه هذا ولو من بعيد في اليسار. والحزب الجمهوري الآن يسوغ التصرفات الاستبدادية الخطيرة والمحرجة لترامب أملاً في إنقاذ عناصر محورية من قائمة أولوياته الأيديولوجية مثل تقليص الضرائب على الأثرياء، مما قد يكون أسوأ قانون ضرائب في التاريخ الأميركي، وعرقلة نظام اللوائح وإفراغ الوظائف الأساسية للحكومة من معناها، وإلغاء برنامج «أوباماكير» دون بديل معقول. إنها قائمة أولويات تفتقر إلى أي جهود جادة لعلاج المشكلات التي تؤرق قطاعات كبيرة من المجتمع الأميركي، ومن ضمن ذلك ناخبون محبطون أيدوا ترامب. صحيح أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين صرحوا باحتجاجهم على ذلك، ولكن اعتراضاتهم العابرة لم يدعمها عمل فعلي. ولم يعترف بإفلاس الحزب الجمهوري إلا المثقفون المحافظون. ولم نقل قط إن الديمقراطيين مثاليون والجمهوريين شياطين. ولكن الأحزاب تعمل لتفوز بالانتخابات وتنظم الحكومة. والأحزاب تشكلها المصالح والأفكار والمانحون. ولا يوجد حزب محصن ضد نزعة تطرف. ولكن عدم التوازن الحالي لافت للانتباه ومخيف. وديمقراطيتنا تتطلب منافسة بين حزبين جادين ومتمايزين أيدولوجياً، كلاهما يعمل في نطاق الحقيقة. ويرى كلاهما في الحكم مسؤولية أساسية ونبيلة، ويؤمن بأن قبول مؤسسات الجمهورية وقيمها الديمقراطية يمثل أساساً لما هو أميركي. * زميل بارز في معهد بروكينجز ** باحث في معهد أميركان إنتربرايز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©