الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بريطانيا.. هل تبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي؟

بريطانيا.. هل تبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي؟
23 أغسطس 2014 01:38
لو كنت اسكتلندياً، لكنت أميل إلى التصويت لمصلحة الاستقلال في استفتاء الشهر المقبل، وذلك على اعتبار أن مزايا أن تحكم نفسك بنفسك تفوق سلبيات أن تكون دولة صغيرة. ولكن كيف ينسحب هذا الاعتبار على اختيار بريطانيا بخصوص البقاء عضواً في الاتحاد الأوروبي؟ الواقع أن الحسابات نفسها تُطبق هنا؛ غير أنها أكثر تعقيداً من مسألة اسكتلندا- بريطانيا. فأولاً، بريطانيا مازالت دولة مستقلة بالطبع. صحيح أنها تخلت عن بعض السلطات لمصلحة أوروبا، ولكنها من الناحية العملية ليست مضطرة لمغادرة الاتحاد الأوروبي من أجل بلوغ الحكم الذاتي. المشكلة أن الاتحاد الأوروبي مصمم على اختبار معنى الحكم الذاتي، ذلك أنه من الصعب معرفة كيف سيكون شكل الاتحاد الأوروبي في غضون عشر سنوات مثلاً، وذلك لأن الاتحاد صُمم ليكون مشروعاً قيد التطور – ملتزماً رسمياً بهدف «اتحاد أوثق من أي وقت مضى». كما أن دستور الاتحاد الأوروبي غير عادي، لأنه بدلا من أن يضع تصميماً ثابتاً ومستقراً، فإنه يُلزم أعضاءه بتغيير دستوري مستمر. وشخصياً، أعتبرُ ذلك واحدة من سلبيات عضوية الاتحاد الأوروبي، وسلبية آخذة في التعاظم، في الحقيقة. فعلى مدى عدة سنوات، وبينما كان الاتحاد يتشكل كفضاء اقتصادي مشترك، كان يستطيع الانتقال نحو اندماج أكبر تحت أحكام ومقتضيات هذا الدستور دائم التغيير، واثقاً بأن الخطوات المقبلة تمثل شيئاً جيداً وستحظى بدعم واسع. غير أن ذلك لم يعد صحيحاً لاحقاً؛ حيث قام الاتحاد بتوسيع عضويته التي تجاوزت أوروبا الغربية دون أن يحمِّل نفسه عناء التساؤل حول ما إن كان مواطنوه الحاليون لا يرون مانعاً في ذلك؛ فقام بإزالة المراقبة الداخلية للهجرة – وهي سياسة جيدة، ولكنها لا تحظى بالتأييد الشعبي. كما مثّلت العملة الموحدة فكرة سيئة، وغير شعبية أيضاً. ومع ذلك، تم المضي قدماً في تنفيذها سعياً وراء تحقيق مشروع اتحاد أوثق وأكبر من أي وقت مضى، وهو المشروع الذي تحلم وتدفع به نخبة أوروبية صغيرة. ثم اكتسبت هذه العملية زخماً قوياً جداً لدرجة أن البعض أخذ يتساءل ما إنْ كان يمكن إيقافها. والحال أن نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة كانت واضحة ومعبِّرة؛ حيث حصلت الأحزاب الشعبوية المناوئة للاتحاد الأوروبي على نتائج جيدة، وأظهرت أن الناخبين باتوا مستائين من المشروع على نحو متزايد. ولكن انظر إلى رد النظام. فقد سُمح للبرلمان بفرض مرشحه لقيادة المفوضية الأوروبية – وهو أقوى منصب في الاتحاد الأوروبي – على الحكومات الوطنية؛ وشكّل ذلك خطوة مهمة أخرى في اتجاه الاندماج السياسي تنأى عن السيادة الوطنية، وهو ما يتخطى ما تنص عليه الاتفاقيات ويتعارض مع رغبات الناخبين الذين يفترض أن البرلمان يمثّلهم. ومثّل ذلك تطوراً أوروباً أصيلاً، في الحقيقة. المفارقة هي أنه بينما يمضي الاتحاد الأوروبي تحت هذا الزخم الذي يبدو غير قابل للمقاومة نحو تعزيز وتقوية مؤسسات الاتحاد الأوروبي وإضعاف المؤسسات الوطنية، فإنه يفشل في الاندماج في الجوانب التي تحتاجها منطقة عملة موحدة ذات تسيير جيد في الواقع. وعلى سبيل المثال، فإن تقاسماً أكبر للمخاطر المالية يمثل شرطاً منطقياً من شروط اليورو، وكذلك الحال بالنسبة لاتحاد مصرفي حقيقي، والحال أن لا شيء تم بخصوص الأول، بينما التقدم بخصوص الثاني مازال بطيئاً على نحو خطير. كل هذا يؤكد أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كان محقا في الدعوة إلى إمعان التفكير في ما ينوي أن يصبح عليه الاتحاد الأوروبي وإلى مراجعة الاتفاقية من أجل إصلاحها. ولذلك، فإن المبدأ المنظِّم لهذا الجهد ينبغي أن يكون هو: اتحاد أكبر حيثما كان ضرورياً، واتحاد أقل حيثما كان ممكنا. والواقع أن مطلب كاميرون منطقي ومعقول بالنسبة لبقية الاتحاد الأوروبي مثلما هو منطقي ومعقول بالنسبة لبريطانيا. ولكن للأسف، يبدو أن حكومات الاتحاد الأخرى لا تصغى. وعلى هذه الخلفية، يمكن القول إن دراسة التداعيات الاقتصادية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد ليست ليست مهمة جزئياً. ففي الوقت الراهن، يبدو أن التداعيات الاقتصادية لمغادرة الاتحاد (إمكانية الحد من وصول بريطانيا إلى سوق الاتحاد الأوروبي وتدفق أقل للاستثمارات الأجنبية عليها) تفوق أي فوائد اقتصادية (حرية أكبر في التجارة مع البلدان خارج الاتحاد الأوروبي، وقيود أقل). وهي ربما كبيرة بما يكفي لتفوق المزايا السياسية والدستورية أيضاً. بيد أن هذه الحسابات مفيدة على المدى القصير فقط؛ ذلك أنه إذا استمر تآكل السيادة الوطنية، فإن ميزان التكاليف الاقتصادية والمزايا الدستورية سيكف عن الرجحان لمصلحة المغادرة على ما يبدو. ثم إنه من المفيد أن نتذكر هنا أن الفوائد الاقتصادية للعضوية البريطانية ستكون أصغر بكثير لو أن بريطانيا لم تقل لا للعملة الموحدة. فميزان السلبيات والإيجابيات يميل لمصلحة العضوية اليوم جزئيا لأن بريطانيا رفضت أصلا فكرة «اتحاد أوثق من أي وقت مضى» وتمكنت من اجتراح ما قد يسميه البعض وضعاً شبه منفصل. ولكنها نقطة قلما يعترف بها البريطانيون الأشد دفاعاً عن عضوية الاتحاد الأوروبي: فالاتحاد الأوروبي معقول ومنطقي بالنسبة لبريطانيا جزئياً لأن البلاد أفزعت شركاءها وقالت لا لأكثر ابتكار جرأة أتى به الاتحاد منذ عقود. وقد كانت تلك نتيجة جيدة بالنسبة لبريطانيا، ولكنها ليست مؤمَّنة. ذلك أن وضع بريطانيا الشاذ والغريب سيظل محل طعن وتحد لأنه يتنافى مع روح الاتفاقيات وزخم الاندماج الأوروبي الذي أُخرج على نحو سيئ. إن مغادرة الاتحاد الأوروبي هي بكل تأكيد خيار قابل للتطبيق، وإنْ لم يكن رخيصا. غير أن أفضل مسار لبريطانيا في الوقت الراهن ليس هو الانسحاب وإنما الاستمرار في النهج المعتمد نفسه: أن تكون أنانية، مثلما حدث مع «اليورو»؛ وأن تبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي في سبيل جني الفوائد الاقتصادية، ولكن مع الاستمرار في معارضة مبدأ «اتحاد أوثق أكثر من أي وقت مضى»؛ وأن تقوم بعرقلة الاندماج غير الضروري بأي وسيلة ممكنة؛ وإذا تعذر عرقلة ذلك، أن ترفض تطبيق تلك الأحكام والمقتضيات على بريطانيا؛ وأن تعمل على توسيع «شبه الانفصال» الحالي وتكريسه، بل والتنصيص عليه في الدستور الأوروبي، إن أمكن. ويوماً ما، ربما سيُغضب هذا الموقف بقية أعضاء الاتحاد لدرجة أن حكومات أخرى ستطلب من بريطانيا أن تغادر وفق شروط أكثر سخاء وأكثر إغراء من أن تقاوَم. ولكن لبلوغ هذه الإمكانية المغرية، يتعين على بريطانيا أن تكرس نفسها لتكون مصدرا لأكبر إزعاج قدر الإمكان. إنها استراتيجية سهلة، وقد أثبتت نجاحها حتى الآن! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©