الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جداتنا في الإمارات رحلة عمر مطرّزة ببريق التَلِّي

جداتنا في الإمارات رحلة عمر مطرّزة ببريق التَلِّي
24 سبتمبر 2006 01:40
تحقيق وتصوير - محمد الحلواجي: ماذا تعرف عن أسرار ''التلي''؟ هل قالوا لك، ببساطة فائقة، أنه شكل من أشكال النسيج الشعبي الذي يحاك بخيوط مصنوعة من الفضة؟ إذا كانت هذه هي فكرتك عن ''التلي''، فتأكد تماما أنك قد شاركت الآخرين في ظلم هذه الصناعة التراثية البديعة دون أن تشعر، فلكي تعرف حق المعرفة وبشكل دقيق سحر ''التلي''، ندعوك لترافقنا في الرحلة التالية التي ستكشف لك الكثير من خفايا زينة وأناقة الأجداد المشغولة بأدوات بسيطة لا تتعدى المقص والإبرة والخيط المتلألئ· ثوب ''التلي'' ليس نسيجاً فضياً وحسب، بل منحوتة فنية، تحيكها بدقة مبهرة أنامل امرأة بالكاد نستطيع أن نتأكد أن عيونها مفتوحة فعلاً، وهي تتوارى خلف ذلك البرقع الذهبي الحصين عن عالمنا، امرأة لم تعرف طوال عمرها غير لعبة قتل الوقت التي تحصل منها على لقمة عيشها بالصبر على الكثير من الخيوط المتشابكة كل يوم، ومع كل قطعة ''تلّي'' جديدة تسفح من عمرها نصف عام حتى تجهز تماماً، ليأتي أخيراً دور تركيبه على القماش· سريالية أثواب الفرح في دبا الحصن بإمارة الشارقة، ومدن وقرى كثيرة في الدولة، لا يزال بامكان الواحد منا أن يشاهد اليوم، صورة سريالية لنساء وأمهات وجدّات موشحات بحياد سواد عباءاتهن، على النقيض من أصابعهن التي لا تنطق إلا بفنون الفضة ومزيج ألوان الأقمشة الحارة القادمة من فنهن الشعبي الخالص، وهو فن معقد رغم بساطته الظاهرية إذا نظرت إليه بمنطق الفطرة! فلكي تخرج (كإماراتي أو خليجي أو حتى عربي) من دائرة الألفة مع ''التلي'' و''البادلة''، ليس عليك سوى تقمص وانتحال روح وعين الأجنبي الذي ينظر لهؤلاء النسوة لأول مرة، وهن يتفنّن في لفّ خيوط الأربعين بكرة على ''الكاجوجة'' لشغل ''البادلة'' بمهارة تفوق دربة لاعب السيرك الماهر، فتصيبك الحيرة وأنت تتأمل كيف يشبكن الخيوط الفضية الكثيرة بدقة تضاهي هندسة نسيج العنكبوت، لكنها هنا أجمل منها، فهناك فرق بين المصيدة وثوب الفرح المنسوج بالحب والصبر البالغ الذي لا يحتمل، فلو جلست أمام إحداهن لساعة أو يوم أو أسبوع وأنت تتأمل عملها، فلن يكون العمل المنجز أمامك كبيراً، عليك أن تجلس ستة أشهر كاملة حتى تكتمل قطعة واحدة فحسب! ثمرة 50 سنة مريم سالم علي الخواهة أو ''أم سالم''، نسّاجة ''تلي'' من دبا الحصن، لا تترك مناسبة تراثية أو معرضاً سنوياً داخل الدولة أو خارجها، إلا وتحرص على المشاركة فيه عن طريق جمعية الفنون بدبا الحصن التي تقوم فيها بالإشراف على تنظيم شؤون مجموعة كبيرة من المواطنات العاملات في النسيج والحرف الشعبية منذ أكثر من خمسة عشر عاما، فقد أخذت أم سالم مهنة ''التلي'' وحرفا أخرى كثيرة عن والدتها التي ورثت عنها قطعة قماش عمرها نصف قرن! ''نموذج'' بدأت به مشوار التطريز ولا تزال تحتفظ به حتى اليوم، ورغم حرص أم سالم على نقل هذه الحرفة إلى بناتها الثمان، إلا أنها لم تفلح في نقلها إلا لبنت واحدة وهي خديجة· تتذكر أم سالم أنها كانت تشتري بكرات الخيوط أيام زمان من دكاكين تقع على الواجهة البحرية في دبا الحصن مثل دكان حميد رشيد وغلوم علي، حيث كان التجار يجلبون بضاعتهم من مراكب دبي القادمة من الهند والكويت وإيران، وكانت تشتري بالدرهم خمس بكرات من الخيوط الفضية التي تتوفر اليوم في أسواق الشارقة ودبي، أما ''الكاجوجة'' فكان يتم تفصيلها لدى ''الصفافير'' حسب الطراز القديم· مدرسة الفريج فاطمة أحمد محمود الأميري مواطنة موهوبة تعمل في نسج ''التلي'' و''البادلة'' منذ أكثر من أربعين سنة، إضافة إلى ''السفافة'' والخياطة، حيث تعلمت في البداية على يد أمها التي كانت تبيع مشغولاتها في الحي بدبا الحصن، عندما كانت نساء زمان يجتمعن ثلاثاً أو أكثر في بيت واحد، فتقوم من تعمل في خياطة وجوه المساند مثلا بتعليم المهنة لزميلاتها اللواتي تتعلم منهن بدورها الحرف التي يتقننّها كنسج ''التلي'' وسف الحصر وغيرها· أما مريم عبيد فحكاية أخرى، فقد عشقت هي الأخرى الحرف الشعبية وعملت فيها منذ طفولتها حتى انضمامها لجمعية الفنون، وقامت بنقل وتعليم مهنة ''التلي'' لبناتها الكبار حتى آخر عنقود، لكنهن ما لبثن أن تركنه عندما التحقن بالمدارس والجامعات حيث تخرجن وانشغلن بوظائف الحياة الحديثة وسط حسرتها وقلقها الكبير على احتمال اندثار هذه المهنة، وترجع مريم هذا الأمر إلى صعوبة هذه الحرف والوقت الطويل والصبر الكبير الذي تتطلبه في العمل، فالثوب يحتاج لعشرين يوما، وشغل التلي ستة أشهر، أما طقم المساند الشعبية الكامل فيحتاج سنة كاملة من العمل المتواصل!· ''حوش'' البيت··· مشغلهنَّ في الماضي لم تتوفر لأمهاتنا وجداتنا في الإمارات ودول الخليج العربي ''بوتيكات'' تبيع الملابس الجاهزة في الأحياء، ولا محال خياطة مجهزة بأحدث الماكينات والمعدات، ولا مراكز تسوّق متخمة بركام نتاج دور الأزياء والموضة· كان ''حوش'' البيت هو المشغل الوحيد لإنتاج ثياب ''العيال'' لكافة المناسبات وعلى رأسها الأعياد وحفلات الخطوبة والزواج· والعجيب أن البيت الواحد، كان يشهد حياكة ثوب عرس الجدة في شبابها، ثم يشهد تطريز ثوب زفاف ابنتها عندما تحين لحظة سعدها، وكان هو البيت نفسه الذي ينتج أثواب أعراس الحفيدات عندما يكبرن بسرعة لمواصلة دورة الحياة وسنّتها، ولو كانت حجارة البيوت الإماراتية والخليجية القديمة الباقية قادرة على النطق اليوم، لسردت لنا قصصا رومانسية لمئات ومئات الأثواب بكل تفاصيلها وأحجامها وألوانها وأسماء نسيجها والبلدان التي جاءت منها في رحلات البر والبحر· ومن حسن الحظ أن بعض البيوت الإماراتية لم تسكت عن كلام الفضة ولا زالت تنسج حكاياها الأصيلة العابقة ببريق الفرح الشعبي حتى اليوم· للاستفسار مريم سالم 7896487/050 فاطمة الأميري 5397745/050 مريم عبيد 7200336/050
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©