الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الجامع الجديد» تحفة معمارية تزيِّن قلب الجزائر العاصمة

«الجامع الجديد» تحفة معمارية تزيِّن قلب الجزائر العاصمة
6 أغسطس 2011 22:17
بني «الجامع الجديد» في القرن الـ11 هجري، وتحديداً في سنة 1070 هجرية، وقد بناه الحكام العثمانيون قرب “ساحة الشهداء” بوسط الجزائر العاصمة، وكان “رياس البحر” وهم القادة البحريون العثمانيون الذين كانوا يحاربون السفن الأوروبية في البحر المتوسط، أو على شواطئ الجزائر، يقضون صلواتهم في المكان الذي بُني فيه الجامع الجديد فيما بعد، على الرغم من أن “المسجد الكبير” لا يبعد عن هذا المكان سوى أمتار قليلة، ثم طلبوا من الحاكم العثماني بالجزائر أن يبني لهم مسجداً في المكان نفسه فلبى طلبَهم، وتقول بعض الروايات إن الحكام العثمانيين بالجزائر وكذا “رياس البحر” كانوا يشعرون بالغيرة من روعة جمال “المسجد الكبير” الذي بناه خليفة الموحّدين يوسف بن تاشفين في عام 1097 ميلادية على النمط الأندلسي المغربي الشهير، فرأوا أن يبنوا مسجداً آخر ينافسه في جماله وهندسته وزخارفه ويستقطب المصلين بدوره ويكون ذا طابع عمراني عثماني، فبنوا “الجامع الجديد” أو “الجامع الصغير” كما يسميه بعض السكان. حيلة المهندس الأوروبي يقول علي تامن، وهو إمامٌ متطوّع منذ 5 سنوات، إن البحارة العثمانيين أو “رياس البحر” عرفوا أن أحد الأسرى الأوروبيين لغاراتهم في البحر المتوسط، مهندسٌ معماري كفء، فطلبوا منه أن يضع تصميماً للمسجد ويشرف على بنائه مقابل عتقه من الأسر بعد اكتمال بنائه، فوافق على الاقتراح ووضع له تصميماً رائعاً أعجب البحارة والحاكم، واكتمل بناء المسجد وزخرفته بعد سنوات وفُتح للمصلين، وكان المهندس الأوروبي ينتظر إطلاقه من الأسر أخيراً، إلا أن ذلك لم يحدث بعد أن انتبه أحدُهم إلى أنه احتال وبنى القبب الأربع المركزية للمسجد بشكل ممدّد وتقابلي، بحيث تظهر في النهاية على شكل صليب، وحاول أن يموّه عنه ببناء أربع قِبب صغيرة بجوارها تعلوها قبة كبيرة مركزية، فأثار ذلك غضب العثمانيين فأعدموه. ويضيف تامن: “بعد أن انتهى بناءُ المسجد تعذر إزالة أي شيء فيه وبقيت القببُ الأربع المركزية قائمة إلى اليوم، ولكن الأمر لا يطرح أي إشكال من الناحية الدينية، فهو مسجد، وحتى الكنائس التي حُوّلت إلى مساجد في الجزائر والعالم يؤدي فيها المسلمون صلواتهم دون أن يثير ذلك أي إشكال ديني”. يُعدّ “الجامع الجديد” تحفة فنية حقيقية تزين “ساحة الشهداء” وقلب الجزائر العاصمة وتجذب إليها أنظار أي وافد جديد من الولايات الداخلية أو من السياح الأجانب، فشكله الخارجي جذاب ويدعو إلى التأمل والتمتع ببياض لونه وقِببه وشكل مئذنته المبنية على النمط الأندلسي المغربي الذي يبدو أنه أسر العثمانيين فأمروا المهندس الأوروبي بأن يُقحمه في بناء المئذنة على الأقل. وقد زوّدت المئذنة حديثاً بأربع ساعات كبيرة زادتها جمالاً برغم عدم انتظام أوقاتها، أما الأبواب والنوافذ فهي من النوع الذي نجده غالباً في القصور العثمانية بالقصبة، رقيقة واسعة تملأها زخارف متنوعة، وللمسجد ساحة صغيرة يستريح فيها عابرو السبيل وأعداد كبيرة من الحمام. زخارف كثيرة أما المسجد من داخله، فإن أول ما يجذب المصلي هو امتلاء جدرانه بقطع البلاط المزخرفة بألوان متعددة، وتتكاثف هذه الزخارف قرب المحراب والمنبر، حيث كتبت آيات عديدة بالخط المغربي الشهير، إلا أن السقف هو الأكثر إثارة للانتباه بعد أن ملئت قبابه الأربع من الداخل بقطع بلاط جذابة الألوان ويطغى عليها الأخضر الفاتح والأصفر، وقد زينتها كتاباتٌ تحمل لفظ الجلالة واسم الرسول الأعظم (ص) كما كتبت أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة على القباب الأربع المفتوحة على الداخل؛ كل قبة تحمل اسماً، ويبدو أن العثمانيين أرادوا بذلك استدراك ما قام به البحارُ الأوروبي الأسير، و”أسْلمة” القبب بطريقتهم الخاصة. فرش المسجد ببساط أخضر فاتح ينسجم مع لون البلاط الذي يكسو الجدار والسقف، كما أن اللافت للانتباه أنه يحتوي على محرابين اثنين، محراب صغير وجديد مبني بالرخام يقف عليه الإمام كل جمعة لإلقاء الخطب، ومحراب آخر من الخشب القديم زحزح إلى وسط المسجد، وهو المحراب الأصلي، وقد وُضع هناك للزينة ومُلأ أيضاً بالمصاحف، كما خُصصت رفوفٌ عديدة بالمسجد لحمل المصاحف التي عادة ما يقرأ المصلون فيها ما تيسر من القرآن في انتظار الصلوات، وإن كان أغلب المصلين يفضلون متابعة ترتيل القرآن بطريقة ورش من طرف الإمام وبعض الشيوخ قبل صلوات الظهر والعصر والمغرب. يقول الإمام تامن “نقرأ يومياً حزبين قبل أداء الصلوات الثلاث، ونختم القرآن كل شهر”. طابق من الخشب ولأن المسجد لا يتسع سوى لنحو 2500 مصلٍ على الأكثر وليست له ساحاتٌ خارجية، فقد تمّ بناء طابق أعلى بالخشب، ويسمى “السدّة” ويتكون هذا الطابق من خمسة أماكن غير موصولة ببعضها البعض، أحدها للنساء، بينما خصصت “سدّة” أخرى لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم مجاناً، وهي تستوعب 150 طالباً، إلا أن العدد الآن لا يتجاوز 25 بسبب العطلة الصيفية، بحسب الإمام تامن الذي توقّع أن تتضاعف أعدادُهم في سبتمبر المقبل. ويؤكد تامن أن نحو 20 طالباً تخرجوا في هذه المدرسة القرآنية بحفظ القرآن كاملاً، وبعضهم أصبح إماماً، ومنهم رابح زرقيني، الذي كان يؤم المصلين بالمسجد الجديد قبل أن يتحول إلى أحد المساجد الأثرية بعد ترميمه، كما مرّ بالمسجد شيوخٌ مشهورون في الجزائر لإلقاء دروس أو للإفتاء للناس ومنهم الشيخ بن شيكو والشيخ محمد دواخ ومحمد شارف والإمام سعيدي أحمد الذي عمل إماماً للمسجد لمدة 45 سنة وكان يجمع المصلين على صحيح البخاري لمدة 3 أشهر تبدأ من أول رجب وتختتم في ليلة السابع والعشرين من كل شهر رمضان.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©