الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرمة والضفدعة

الحرمة والضفدعة
24 سبتمبر 2006 01:50
في الزمان القديم، على أيام الأجداد وأجداد الأجداد، لم يكن لدى الأطفال الصغار تلفزيون ولا هاتف ولا إنترنت ولا ''شات'' ليسلوا أنفسهم به· وكانت تسليتهم الوحيدة ربما هي ''الخروفة'' أي الخرافة باللغة الفصحى، والتي تتضمن غالباً أحداثاً خيالية غير معقولة وخوارق تقفز على المنطق، ولهذا كان الأطفال يحبونها ويتحلقون حول الجد أو الجدة، وهم يستمعون بشغف إلى الأحداث حتى يداعب النعاس عيونهم فيناموا على خيالات جميلة ونهايات سعيدة· وفي رمضان تحلو الخروفة أكثر، وسوف نكون معكم طوال شهر رمضان المبارك لنروي لكم خروفة من خراريف الكبار· صلوا على النبي (اللهم صلِّي وسلم على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم)· كان يا ما كان· في قديم الزمان· حرمة فقيرة تعيش مع ''رَيْلْها'' أي زوجها وأولادها حياة سعيدة رغم حالة الفقر التي يعانون منها، لكنهم كانوا سعداء، يواصلون الجيران، ويشتغلون في الضواحي ''المزارع''· أما الحرمة فكانت تساعد رَيْلْها وتقوم بشغل البيت كله، وتسير البر اتييب ''تجلب'' الحطب للبيت عشان الطبخ، وتسير الطويان ''الآبار'' اتييب الماي ''الماء'' للشرب والطبخ لأن الأفلاج والطويان كانت هي مصدر الحصول على الماي في ذاك الوقت· في يوم من الأيام أصبحت الحرمة الصبح صلّت فرضها، وسارت المطبخ، كان المطبخ عبارة عن عريش من سعف النخيل، و زهّبت ريوق عيالها وريلها، يعني أعدت لهم طعام الفطور· وعقب ما ريقتهم وخمّت بيتها، أي بعدما انتهت من أعمالها المنزلية، شلَّت خرسها والخرس إناء فخاري يشبه الجرة ويستخدم لجلب الماء من البئر، وخطفت على ياراتها، أي مرّت بجاراتها، عشان يرابعنها ''يرافقنها''، واييبن الماي من الحيضان ''الأحواض'' عشان يطبخن غدا رياييلهن وعيالهن· وصلت الحرمة وياراتها إلى حيث الحوض، وإذا بالفلج يحدر ''الأفلاج أحد أنظمة الري المعروفة قديما، ويحدِر تعني ينساب''، وكان من عادة نساء ذاك الوقت أن يذهبن في جماعات لجلب الماء· وعقب ما ترست الماي، ملأت جرتها بالماء، وكان وياها حريم الفريج اللي كن يتضاحكن ويمزحن كعادة النساء عندما يتجمعن في مثل هذه الظروف وبخاصة عند الذهاب لملء الجرار بالماء العذب· وبينما هنّ كذلك وإذا بمجموعه من الضفادع تقفز في الماء صغارا وكبارا، وكانت واحدة من تلك الضفادع مختلفة عن مثيلاتها حيث تبدو بطنها منتفخة بصورة غير طبيعية وكأنها حامل· ويوم شافتها الحرمة الفقيرة قالت لزميلاتها بإشفاق: يالله شوفوا هالضفدعه وحليلها حويمل ''حامل'' كّنه إلا شهرها وبتربّي ''ستلد''· قالت لها وحده من الحريم وهيه تضحك: يالله عيل قصّي سر الياهل ''الطفل الوليد'' يوم بتربّي واستوي، أي كوني، لها الدايه· ردّت الحرمة: من العين ''من عيوني'' لو هيه بتقول لي وتباني بسير لها وبولّدها، واستمرت النساء زميلاتها يضحكن ويتمازحن وخذن دربهن وشلّن يحلاتهن (حملن جرارهن واليحلة إناء لنقل المياه مصنوع من الفخار) وسارِنْ رادات إلى بيوتهن· وكان هذا الوقت قريب المغرب· ومرّت الليالي ليلة ورا ليلة، ونست الحرمة سالفة الضفدعة اللّي شافتها يوم كانت تروّي الماي، ويوم يات ''جاءت'' الليله الثالثة بعد ما اتعشت الحرمة هيه و''ريلها'' وعيالها ورمست ويا الحريم في الفريج، ساروا حطوا رووسهم يبون يرقدون، وهم في حلاة نومهم سمعوا حد يدق على الباب قالت الزوجة: يالله منو يدق علينا الحين نصايف الليل في حلاة رقادنا؟ قال زوجها: أبدّه حد من الييران ''قد يكون أحد الجيران'' أو الأهل مريض ومحتايين شيْ، محتاجين شيئاً· قامت وسمّت بالرحمن وقالت للرّيل: افتح الباب ما أعرف منو يدق علينا، يوم ''فكّوا'' الباب أي فتحوه، إلا هذا الرّيال واقف على الباب قال له الريل: ''الريل، تعني الزوج'' إنت منو؟ قال له: أنا ريّال حرمتي على ولادة والحين هيه تتويّع، أي تتوجع، وقالت لي لازم اييّب الحرمة هاذي تولدها· قالت له الحرمة: يا ابوي أنا ما اعرف أولد حد، ولا عمري قصّيت السرة لحد، لكن سير عند الحرمة الفلانية هيه الدايه مال هذا الفريج، وهيه اللي تولّد كل حريم الحارة، قال لها: أنا ما أريد غيرج ومطرّش أزقرج انت أي أنا لا أريد غيرك ومرسل لك أحضرك أنت· قالت له: اشعنه ''لماذا'' أنا مب غيري؟ قال لها: ما تتذكرين قبل كم يوم··· يوم كنتي تروّين الماي من الحوض وقلتي للضفدعه انا بولّدج الحين· قالت له: هيه نعم أتذكر· رد عليها: انزين ''حسناً'' الضفدعة على ولادة اليوم وطالبتنج أي تطلبك· استشارت المرأة زوجها الذي كان يستمع للحوار الدائر بينهما، فقال لها الزوج: توكّلي على الله وسيري يوم الحرمة تباج ومطرشه طارش ''أي تريدك وأرسلت لك مندوباً، ومب من عاداتنا إنا نحن نقول لا لحد يوم يطلب منا الفزعه أي العون والمساعدة· ووجه كلامه للرجل وقال: الحرمة بتسير وياج لكن إتحمل عليها تتعب، أي حافظ عليها واحرص أن لا تتعب كثيراً، وردها لبيتها يوم تخلّص من شغلها، فقال له: إن شاء الله عمي أنا اللي بردها وبوصلها لين باب بيتها ولا يهمك، لا تحاتي ''لا تهتم''· ثم قال لزوجته: يالله توكلي وسيري وياه ما عليج شر· قامت المرأة وغيّرت ملابسها، ومرّت بأولادها تتلمس احتياجاتهم ووصّتهم بأبيهم ومنزلهم خيرا، ثم سلّمت على زوجها وودعته، وقالت ''للطارش'': توكلنا على الله· قال لها الريال ''الطارش'': غمضي عينيك· قالت: حاضر· وبعد ما غمضت عينيها لم تجد نفسها إلا في مكان غريب، وشافت عمرها في هاذي البلد العجيبة اللي كلها مباني حلوة وقصور وبساتين، واحتارت شو من هالبلدان هاذي لبلاد الزينة؟ وما صحت من تفكيرها إلا وهي داخل بيت عود ''كبير'' وضخم ما شافت في عمرها كله مثله· طالعت حواليها وشافت حرمة راقدة على سرير مصنوع من الذهب والفضة والخدم والحشم واقفين عدّالها ما ينعدون من كثرهم ''لا يمكن إحصاء عددهم''، وهي تتوجع آي··· آي··· آي من شدة ألم الولادة· استغربت وايد ''كثيرا'' يوم شافتها، وما سارت عنها الحيره ''لم تذهب عنها الحيرة'' إلا يوم رمّسها الريال وقال لها: هاذي حرمتي وهيه على ويه ربا، وما تبا حد يولّدها غيرج شرات ما خبرتج قبل توصلين هنيه، شوفي شغلج نحن بنطلع عنج· قالت لها: الله يسهل عليج ان شاء الله، وقامت تقرى ''تقرأ'' عليها آيات من القرآن الكريم وتمسحها والمرأة تتألم وتتأوه كثيرا، والأخرى في حيرة شديدة من أمرها· كانت الضيفة تنظر لتلك المرأة المتألمة وتردد بينها وبين نفسها وتقول: يا رب تساعدني أفك عمري وتربّي هالحرمة، وبعد الكثير من العناء والتعب ربّت الحرمة بالسلامة ويابت ولد، فرحت الحرمة كثيرا وسارت وقصّت السّر يعني الحبل السري، وطاح الثقل (المشيمة)، وغسّلت الحرمة، وبدّلت لها ثيابها وبشّرت ريلها، وقالت له: مبروك ياك ولد· فرح ريل الحرمة وايد وشكرها، وعقب ما بشّرته سارت للولد ونظفته ولبّسته ملابسه وقمّطته بالقماط ''لفته بخيط رفيع بعد أن ألبسته ملابسه يسمى قماط يقوي بنية الجسم لدى الصغار''· وقالت لها: خذي بالج من ولدج واتحمّلي عليه· وقالت للريال: يالله سامحني أنا خلصت وبرد بيتي لأن عيالي ما عندهم حد، وصلني من فضلك مثل ما يبتني· قال لها: إن شاء الله بوصلج بس اصبري شويه· قالت: حاضر· غاب الرجل دقائق ورجع وعطاها هدية: ترس لها قفة كلها ورق سدر، وعطاها ليف من النخل كل ليفه عرضها عرض ما ينوصف· ويوم شافت الحرمة كل هالأشيا تمّت تفكر وتقول في نفسها: يالله عطاني ورق السدر والليف كّنه قاصرين منّه عندنا الدنيا متروسه أي ممتلئة ليف وورق سدر· المهم يوم خلّصَتْ وشلّت هداياها قال لها: يالله غمضي عيونج ما حسّت ودرت ''لم تشعر أو تدري'' غير إلا وهيه في بيتها، شكرها الريال وسار عنها يوم اتطمَّن عليها· وصلت الحرمة للبيت ووعّت ريلها، يعني أيقظت زوجها· وقالت له: قوم قوم انا وصلت· قال لها: حمد الله على سلامتج وخبّرته بالسالفة اللي استوت إلْها، وقالت له: عطوني هديه عقب ما ربّت الحرمة· قال لها: يزاهم الله خير وشو عطوج؟ قالت له: ورق سدر وليف· قال لها: ورق السدر بنعطيه للهوش ''للغنم'' والليف بسوّيه حبال· قام الرّيل وحط الليف فوق العريش، والسدر شيء عطاه للغنم وشيء خلاّه في القفة أي: السّلّة· عقب ما حط الأغراض في مكانها، نشوا ''قاموا'' يرقدون· ويوم أصبح عليهم الصبح قال الرّيل للحرمة: الحمد الله على سلامتج، ومرة ثانية لا تسولفين وتضحكين على حد، ولا تقولين لحد شي، والحين نشّي بمعنى انهضي· أذّن الفجر، قومي صلي، وأنا بسير المسيد ''المسجد'' ألحق صلاة الجماعة· نهض الرجل وزوجته والأولاد ممن هم في سن الصلاة وخرج وأولاده إلى المسجد، ويوم طلعوا من العريش شافوا هاذاك الحوش يلمع من الذهب، وهاذاك ورق السدر استوى جنيهات ذهب ما تنعد، والليف استوى قطع قماش حرير، والمكان اللي طايح فيه ورق السدر كله ممزور ''مملوء'' ذهب، وقاموا يلقطون الخيرات اللي انترس منها بيتهم، والشاه اللّي أكلت الورق ذبحوها وقطعوا كرشها وطلّعوا منه ذيك الذهبان والجينيهات، وسووا منه الخير وعطوا الفقراء والمساكين، وصاروا من الأغنياء، وبنوا المساجد، واستغنوا عيالهم وجيرانهم، هذا كله من بركات الله اللي عطاهم على نياتهم· وييت أنا عنهم ''رجعت'' وعطوني خمسة قروش: واحد خر، وواحد مر، وواحد دفنته تحت الخروس وإحمرّ، وواحد عقيّته ورا السور، والسلام عليكم·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©