الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الحكومة المصرية تسابق الزمن لإنقاذ الجنيه قبل تخفيضه «إجبارياً»

الحكومة المصرية تسابق الزمن لإنقاذ الجنيه قبل تخفيضه «إجبارياً»
6 أغسطس 2011 22:46
جاء قرار الحكومة المصرية بتثبيت سقف الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي من العملات الأجنبية عند حد 27,2 مليار دولار، خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى للحفاظ على قيمة العملة المصرية، وإنقاذها من عملية تخفيض إجبارية لقيمتها كانت معرضة لها. وشكل القرار نقطة مفصلية في سياسات السحب المستمر من الاحتياطي النقدي، وهي السياسات التي اتبعها البنك المركزي المصري منذ اندلاع ثورة 25 يناير والتي ترتب عليها فقد أكثر من 9 مليارات دولار، تشكل 25% من إجمالي احتياطات راكمتها مصر عبر سنوات طويلة، حيث اضطر البنك المركزي المصري لضخ كميات هائلة من الدولار في السوق لمواجهة عمليات سحب كبيرة، وكذلك عمليات تحويل أموال خارج البلاد بواسطة مستثمرين أجانب عقب أحداث الثورة، وذلك للحفاظ على سمعة وصدقية الاقتصاد المصري في الأسواق العالمية، ومنع انهيار العملة المحلية. ومع استمرار هذه السياسة وتعرض الاحتياطي النقدي للتأكل حتى بات لا يكفي واردات البلاد من احتياجاتها الأساسية لأكثر من 6 أشهر بينما نسبة التغطية الآمنة عالمياً تتراوح بين 9 و12 شهراً، اضطرت الحكومة للتدخل، ووقف أي عمليات سحب جديدة من هذا الاحتياطي، والحفاظ على ما تبقى منه عند حدود الـ27 مليار دولار. ورغم أن هذا القرار قد يفتح الباب واسعاً أمام عمليات جديدة تستهدف المضاربة على أسعار العملات الأجنبية في السوق المصرية لا سيما اليورو والدولار وبعض العملات العربية وفي مقدمتها الريال السعودي لاستغلال موسم العمرة الحالي، فإن السلطات النقدية تعكف حالياً على اتخاذ عدد من التدابير لمواجهة هذه المضاربات المحتملة التي سوف تراهن على نقص المعروض من العملات الأجنبية في السوق، بينما تراهن الحكومة والبنك المركزي على أن هذا التوقيت من كل عام يشهد نوعاً من الوفرة النسبية من العملات الأجنبية في السوق المصرية بسبب موسم عودة المصريين العاملين بالخارج لقضاء إجازاتهم السنوية، وكذلك الانتعاش النسبي الذي تشهده السياحة العربية في مصر خلال شهري يوليو وأغسطس، الأمر الذي قد يحول دون تمكين المضاربين من التلاعب بالسوق أو تخزين الدولار، كما كان يحدث سابقاً، وتحقيق أرباح طائلة على حساب المتعاملين في السوق، وعلى حساب مؤشرات أسعار السلع الأساسية التي يعتمد عليها المصريون في حياتهم اليومية. وحسب متعاملين في سوق النقد المصرية وخبراء مصرفيين، فإن العملة المحلية «الجنيه» كانت معرضة لعملية تخفيض إجبارية وشيكة خلال الأسابيع القليلة المقبلة لولا التدخل الحكومي الحاسم بوقف نزيف الاحتياطي النقدي والحفاظ على ما تبقى منه حتى تتمكن السلطات النقدية لاحقاً من الدفاع عن العملة المصرية إذا استمرت حالة الغموض والضبابية التي تحيط بأوضاع الاقتصاد الكلي الراهنة. ويشير المتعاملون إلى أن الارتفاع التدريجي في سعر صرف الدولار على وجه الخصوص خلال الأسابيع الماضية، وبلغ عدة قروش كانت مقدمة لعملية الخفض المتوقعة لا سيما أن عدداً كبيراً من المصدرين مارسوا ضغوطاً على الحكومة بهدف الإقدام على هذه الخطوة، وتخفيض قيمة الجنيه بدعوى إتاحة الفرصة للصادرات المصرية للمنافسة في الأسواق الخارجية، وتعويض الخسائر التي لحقت بهذه الصادرات على مدى الأشهر الستة الماضية، إلا أن الحكومة رفضت هذه الضغوط لأسباب تتعلق بمكافحة التضخم، حيث إن عملية الخفض كان يترتب عليها ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية خاصة السلع الغذائية التي يجري استيراد 70% منها، وبالتالي سوف تتضرر الأوضاع المعيشية لملايين المصريين في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى تحسين هذه الأوضاع خاصة لمحدودي الدخل. وكشف الخبراء عن أن عمليات الخروج المكثف للأموال من مصر عقب ثورة يناير بطرق رسمية أو غير رسمية والتي بلغت 16 مليار دولار، حسب تقارير رسمية لعبت دوراً في إقدام الحكومة على خطوة وقف السحب من الاحتياطي النقدي نظراً لاستمرار تحويل الأموال إلى الخارج عبر مستثمرين أجانب أو محليين، وهو ما كان يعني استمرار الضغط على البنك المركزي لإجباره على ضخ سيولة دولارية في الأسواق لتلبية الطلب وحتى لا تحدث عملية تعطيش للسوق. ويرى مصرفيون أن إنقاذ العملة المحلية من الخفض الإجباري ضرورة قصوى في هذه المرحلة الحرجة؛ لأن هذا الخفض كان من شأنه زيادة معاناة كافة أوجه النشاط الاقتصادي للبلاد، حيث كان سيترتب عليه ارتفاع أسعار السلع الوسيطة والمواد الخام وغيرها من المستلزمات الداخلة في العملية الإنتاجية - خاصة الصناعية- وبالتالي ترتفع أسعار المنتجات النهائية مما يرفع تكلفة المعيشة للمواطنين وبالتالي كانت الدولة ستضطر لمزيد من إنفاق الأموال على الدعم أو زيادة الأجور مما يعني مزيداً من العجز في الموازنة العامة. ويؤكد المصرفيون أن التوقيت الذي اتخذت فيه الحكومة هذه الإجراءات جيد للغاية؛ لأنه لا يمكن لعمليات مضاربة أن تنشط في هذا التوقيت ولأن نزيف الاحتياطي النقدي وصل إلى أقصى درجة ممكنة، حيث إن فقدان هذا الاحتياطي لربع قيمته خلال أقل من أربعة أشهر كان يهدد بنسف كامل الاحتياطي خلال عام واحد الأمر الذي كان يمكن أن ترتب عليه كارثة اقتصادية، حيث كانت البلاد ستظل «مكشوفة» بلا غطاء من العملات الأجنبية التي تؤمن احتياجاتها الأساسية خاصة من القمح الذي يجري استيراد 60 بالمئة منه من الخارج. ويؤكد محمد كفافي، العضو المنتدب لبنك القاهرة، أن قرار تثبيت حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي هو القرار الاقتصادي الأكثر صواباً الذي تم اتخاذه في الأيام الأخيرة وفي إطار سياسات اقتصادية جديدة تسعى الحكومة لتنفيذها في المرحلة القادمة في إطار رؤية شاملة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد؛ لأن استمرار السحب من الاحتياطي النقدي له مخاطر عديدة، وبالتالي فإن التحدي المطروح الآن هو كيف يمكن مواجهة أي عمليات مضاربة محتملة على العملات الأجنبية وكيف يمكن مواجهة ألاعيب المضاربين الذين يسعون لتحقيق فوائد على حساب المجتمع، ومن ثم هناك مسؤوليات على الجهاز المصرفي في الفترة المقبلة لمساندة هذا التوجه والتقليل من أي أثار جانبية قد تترتب عليه أو تسعى لأثارتها قوى معينة في السوق من مصلحتها إثارة الذعر والخوف من المستقبل لانه مهما حدث فإن الاقتصاد المصري لا يزال يمتلك العديد من القوى الكامنة والمزايا النسبية التي يجب استغلالها بأقصى درجة في الفترة المقبلة ولا تزال حتى الآن الخسائر التي لحقت بهذا الاقتصاد محدودة ويمكن تحملها والمهم هو التوجه بقوة نحو المستقبل والعمل على تعويض الخسائر التي حدثت في العديد من القطاعات الاقتصادية. أما حلمي السعيد، رئيس قطاع أمناء الاستثمار في بنك مصر، فيشير إلى أن الاحتياطي النقدي في أي بلد ليس بمنأى عن الاقتراب منه لأن الاحتياطي يجري تكوينه لمواجهة الحالات الطارئة والظروف الاستثنائية، وهذا ما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير، حيث اضطرت السلطات النقدية إلى استخدام جزء من هذا الاحتياطي لمواجهة متطلبات عاجلة وعمليات تحويل أموال خارج البلاد كانت متوقعة من جانب المستثمرين الأجانب بعد الثورة، وبالتالي فإن انخفاض حجم هذا الاحتياطي أمر طبيعي، ولكن لم يكن من الطبيعي السماح باستمرار هذا الانخفاض لأن ذلك يعني النزيف للقدرات الاقتصادية للبلاد وللاحتياطي الذي يمثل ملاذاً آمناً للحكومة تستخدمه في حالات الطوارئ.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©