الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضرسي والأخدود

3 نوفمبر 2010 21:15
بلاغ عاجل للبلدية وإدارة الأراضي والإسكان والسكان: لقد اختفت المنطقة الصناعية، أي نعم المنطقة الصناعية بشحمها ولحمها وزيتها وورشها وعمالها، اختفت من الوجود وأصبحت أثراً بعد عين، لأنها وببساطة دخلت في فمي. أي نعم فمي الذي أحرص على النظر حتى لفرشاة الأسنان وأتوجس خيفة منها قبل أن إدخالها فيه، وأتفحص اللقمة مرات ومرات قبل أن أحشرها بين أسنانه، هذا الفم أصبح مرتعاً للمنطقة الصناعية بفضل دكتورنا الهمام الذي مكتوب على باب مكتبه: “الدكتور الهمام لعلاج الأسنان بكل أمان” وهو بعيد كل البعد عن الأمان بمقدار بعد الجنة عن النيران. فبعد النظر مرة ومرتين وإدخال مرآة في فمي وإخراج أخرى والتخطيط والنظر وإعادة النظر، قال لي وبكل برودة أعصاب، ودون أن يهاب، الحل الوحيد قتل الأعصاب، وهنا احترقت الأعصاب وحاولت مراجعته ومحاججته ولكني كنت كمن يؤذن في مالطا. وتذكرت المثل القائل لا يغرنك المظهر أبحث عن الجوهر، طبعا هذا من تأليفي، فهذه الممرضة الفلبينية الرشيقة والأنيقة التي تمشي بغنج ودلال ولو رأيتها من أول نظرة لخفت عليها أن تقع أرضاً من أول نسمة هواء تهب عليها، هاهي تُبدي، وخلافاً لما تُظهر، سادية منقطعة النظير وسرعة عالية في الاستجابة لطلبات دكتورنا الهمام فتمده بالمقص وثم الحقنة ثم الشاكوش ثم المفك ثم قطعة من البلاستك وأخرى من الحديد وثالثة من الخشب ولسان حال الضرس يقول لها: يا عزيزتي أنا لم تطأ قدماي حواري مانيلا ولم أتجول وسط غابات جزيرة مينداناو، وبالتالي لم أزاحمك على طبق الفطور، وبالضرورة لم أتناول معك السحور، فلماذا هذه السادية وحب تعذيب الآخرين؟ لماذا هذه الجدية والسرعة في رفع وتوفير كل أدوات التعذيب التي لم يشهد مثلها حتى سجون جوانتانامو وأبو غريب وسالف الذكر الباستيل؟ والله لأشكوك للمنظمة الدولية لحماية حقوق الأسنان والضروس. وإمعاناً في التواطؤ مع الدكتور الهمام، ركبت الممرضة في فمي شبكة لمياه الشرب وأخرى لمياه الصرف الصحي، وغير الصحي، فهي تدخل أنبوب وتُخرج آخر ثم تُحرك ثالث وترش من زجاجة بخاخة وقت الحاجة، ودون الحاجة، ثم يأمرني صاحبنا الدكتور بدلق كل المخلفات التي تركها في فمي في حوض صغير بالقرب مني وكثيراً ما كنت أفكر جاداً في دلقها في مكان آخر، ولكن حمد لله تمالكت أعصابي وإلا لكنت الآن في خبر كان ولما جلست أكتب لكل هذا المقال عزيزي القارئ. أما صاحبنا الدكتور الهمام فلم يتوقف أو يتوانى أو يتراجع ولو مرة واحدة للاستماع لتأوهات ضرسي المكلوم وأخذ يعمل بكل الجد والاجتهاد وهو يفك ويربط ينشر ويبرد ويجزر وينحت ويخطط ويلصق ورسم في فمي لوحة سريالية يعجز عنها رسمها طيب الذكر سلفادور دالي ووضع حواجز ومتاريس من كميات من القطن تكفي لصنع ملابس تغطي الكرة الأرضية، فامتلأ فمي بالمطبات والمنعطفات والملفات والانحرافات مثل شارع يجري إعادة رصفه وضعت عليه لافتة تقول: السرعة القصوى للقمة 30 كيلو في الساعة، وأخرى تقول: أحذر الفم مراقب بالرادار. وأحياناً يلجأ دكتورنا الهمام لتركيب رافعات وسقالات في فمي تكفي لبناء برج يتكون من خمسين طابقاً. والأدهى وأمر كثيراً ما يطلب مني مد يد المساعدة له ويقول ثبت هذه القطعة وفك تلك وحافظ على هذه ثم يسألني هل تتألم؟ يا سيدي كيف لا أتألم؟ بل وكيف أتكلم؟ وأنا لساني معقود وفكي مشدود وضرسي، آه يا ضرسي آه، صار مثل الأخدود؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©