السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خفاش

خفاش
3 نوفمبر 2010 21:18
الدكتور جاسم محمد جاسم شاعر أكاديمي عراقي، كتب بحثه للماجستير عن القصيدة في شعر محمود درويش، والدكتوراه عن العتبات النصية في شعر نزار قباني وعبدالوهاب البياتي، غير أنه يتقدم لمسابقة أمير الشعراء بقصيدة عمودية، يضع لها عنوانا محيرا وهو “خفاش” يقول فيها: كتبت إليك منكسرا وكفى مآذن من كتاب الآه تتلو غبارك أم رحيق فوق كفي يراودني وملء الكف نحل فلا تترك شموسك تزدريني أنا يا أنت خفاش ليل ومع أن هذا الشعر مصوغ في إطار تعبيري ألفنا أن يكون شفيفا يكشف بيسر عن دلالته فإن يتلفع برداء مجازي شفيف لا يكاد ينم عن موضوعه أو تجربته، فنحن لا نكاد نستوضح صوت القصيدة، ولا من الذي يحكي، ولا من هو الخفاش، فكل جملة تصويرية منذ يتقدم الدم، ونحن لانقوى على تبين المعادلات الدقيقة على هذه المجازات، ثم يستمر هذا النسق من المفارقات التصويرية بقية المشاهد دون أن يسمح للقارئ باستكناه حقيقة الأمر، فبعد أن نتوهم فى البداية أنه ينطق باسم الأرض وهى تعتب على منحها الأمل الخادع أنه كان يوجه إلى قلبها النصل القاتل، لكننا لا نلبث أن نستبعد هذا المقابل المنطقي عندما تختلط الأوراق ويناديه صوت القصيدة في البيت الأخير بأنه أصبح هو وتماهى معه، وصار قسيمه في علاقة الخفاش بالليل، مما يجعلنا نفتش في ليل المعنى المبهم عن مقابلات فردية أو جماعية، تنبعث من وعينا الكامن بما تأجج في العراق من نيران الطائفية والتعصب، دون أن نستقر على معادلات مقنعة، فنمضي إلى المقطع الأخير من القصيدة حيث يقول الشاعر: لك الأشجار أكثفها ظلالا ولي الصيف الذي لا يستظل على الأشعار أنعمها حروفا وعمر إن أنا هاجت يحلو ولي إبر التوجع من حروفي ودلو من بحار الدمع يدلو تنفس في سواد رؤاك صبح وعسعس في بياض رؤاي ليل فإن جفت شتولك فوق ملحي فدون يديك كل الأرض شتل لقد مالت دروبي لاعوجاج ودربك في اعوجاج الدرب عدل فأبعد حبلك المسدي عني ففي جيدي من الحسرات حبل ولا تحفل بعشق دون جدوى فإن موانئ العشاق رمل فتظل القسمة جائرة بين المتكلم والمخاطب المحبوب، فله كل الثمار الطيبات وللشاعر الدمع والتوجع والملح وحبل المسد الذي يأتي إليه من الصيغ القرآنية المقدسة، فلا نستطيع إحالة التجربة لمستواها الفردي العاشق المتوجع من ظلم الحبيبة، ولا لمستواها الجماعي الناطق باسم الوطن يعاتب أهله وذويه، بعد أن استبعدنا فكرة التماهي مع الغاصب المحتل، وننتهى من القصيدة وقد تعمدنا بماء الشعر وهطلت علينا أنداؤه العطرة دون أن نتبين رؤية واضحة من خلال لغته التصويرية الوثيرة بضبابها المجازي البديع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©