الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«ليوا».. بوابة التاريخ وملحمة التطور

«ليوا».. بوابة التاريخ وملحمة التطور
24 أغسطس 2014 15:56
ينتاب الزائر إلى محاضر ليوا شعور بأنه يمتزج مع التاريخ ذاته، فهي بوابة التاريخ وكل ذرة من ترابها حرف مضيء في سيرة الرعيل الأول، واليوم هي ملحمة التطور والمجد التي يعيشها أبناء الوطن. وتقع محاضر ليوا في قلب منطقة الظفرة وتعرف بأنها قلعة البدوي الأصيل وحصن الإماراتي الشجاع وواحة عامرة بالطيبة والكرم والنخوة وكانت ملجأ أبناء أبوظبي في الماضي وحصنهم المنيع الذي لم تطأ أرضه قدم عدو ولم يعش فيها غريب في يوم من الأيام وتجد فيها الأصالة بكرا ويشدك فيها الحنين إلى الماضي بقوة وتحظى باهتمام خاص من قبل القيادة الرشيدة. وتعتبر واحة ليوا من أهم الواحات الصحراوية فهي ذات موقع استراتيجي مهم ومنها يمكن أن تتجه إلى أي إمارة من الإمارات الشمالية او الدول المجاورة لذا تعتبر ملتقى القوافل القادمة من جنوب الإمارات وشرقها والمتجهة شمالا أو غربا أو جنوبا وتلك العابرة إلى الجزيرة العربية. ويقسم المواطن محمد بن علي المرر “75 عاما من مدينة زايد” سكان واحة ليوا إلى السكان المستقرين بصفة دائمة داخل المحاضر، والقسم الآخر هم الذين يمتلكون المزارع ويترددون عليها من أهل أبوظبي والجزر ومدن المنطقة الغربية الأخرى ومنذ سنوات تحولت محاضر ليوا إلى مدينة حديثة متكاملة تتوافر فيها كافة الخدمات الضرورية، إذ تم إنجاز مشاريع زراعية رائدة، وتزهو اليوم بمزارعها التي تنتج أنواعا مختلفة من الخضر والفواكه. ويرجع المرر تسمية ليوا إلى الشكل والطبيعة فكل المحاضر عبارة عن بقع “قطع زراعية” منخفضة ذات خصوبة مرتفعة يحيط بها من جميع الجهات كثبان رملية مرتفعة تفتقر للزراعة والخضرة التي تنمو وتزدهر تحت هذه الكثبان بمسافة أمتار قريبة فقط بحيث يراها الإنسان وكأنها خضرة وزراعة تحتضنها الرمال “أو بالعامية تلوي عليها الرمال” كما ان المحاضر ككل متلاوية مع بعضها البعض “أي متحاضنة” من أولها من جهة الشرق إلى آخرها في جهة الغرب ومن هنا جاءت تسميتها محاضر ليوا. ويؤكد ان حياة المقيظ “الصيف” في محاضر ليوا قديما كان لها طعم خاص إذ تستقبل المحاضر الحضار “أهل الحضر الذين يفدون لقضاء موسم الصيف” من ابوظبي وبقية المدن الساحلية والمناطق المجاورة لقضاء فصل الصيف بعيدا عن رطوبة البحر، وهربا من درجة الحرارة المرتفعة وطلبا للراحة والاستجمام وأكل الرطب الطازج بين بساتين النخيل والظلال الوارفة ورغبة في الحصول على فواكه الصيف كاليح والشمام التي تزرع في المنطقة وما جاورها من مناطق منتجة لهذه الفاكهة، التي كانت تشتهر بها واحات الإمارات خاصة الواحات الرملية مثل واحات ليوا. ويوضح المرر ان نظام الري المتبع هو النظام السائد نفسه في المنطقة والمتبع في بقية واحات الإمارات حيث تحفر الطوايا “الآبار” في المزارع وبجانب أو وسط النخيل على “قامة أو قامتين” وبعضهم يحفر من عشر إلى عشرين “قامة” ويسقون الزراعة بالدلو وتسمى هذه العملية “يذاب الدلو”، مشيرا إلى ان “القامة” هي وحدة قياس قديمة لمعرفة العمق. ويذكر ان أهالي المحاضر يزرعون النخيل ويسقى بالماء أما الصرم “شتلة النخيل” الصغير لا يفصلونه عن الأم إلا في موسم الزراعة المناسب ويستدلون على ذلك بالنجوم وبصفة عامة أنسب الأوقات “الوسمي” ولكن بصفة عامة قبل زراعة الصرم يتم الحفر بجوار جذع شجرة النخيل “الأم” إذا شوهد اللون الأخضر هو الغالب دل ذلك على ان الوقت والصرم مناسبان للزراعة وإذا تبين ان اللون الأحمر هو الموجود فهذا معناه أن الصرم والوقت غير مناسبين، وفي هذه الحالة يترك الصرم للموسم القادم وهذه طريقة اعتمد عليها أهالي المحاضر قديما في زراعة النخيل وما زالت هذه العادة دارجة حتى وقتنا الحاضر. ونوه إلى ان من أشهر المحاصيل التي تزرع في المحاضر اليح والبطيخ وعادة تزرع في مساحات مقتطعة بجانب النخيل لكي تحميها من الرياح والعواصف، ويؤكد ان كثيرا من أهالي المحاضر امتهن بجانب الزراعة الرعي ومن أشهر المراعي في الماضي البطين جنوب ليوا ويعرف باسم بطين ليوا وكذلك بينونة. ويوضح ان البعض من سكان الواحات امتهن بجانب الزراعة والرعي نقل المسافرين بين المحاضر والمناطق المجاورة خاصة من مدن الساحل وأبوظبي وبعض السكان الذين يبتعدون بحلالهم “مواشيهم” عن الواحة للرعي، وقد مارس معظم أهل البادية هذه المهنة التي يطلق عليها قديما مهنة الكري “تلفظ بالعامية الجري” وأكثر من اشتهر في هذه المهنة سيف بن مرشد المرر، وأحمد بن بليد المرر. ويضيف: بدو ليوا كانوا يسكنون في المنطقة إذا سقاها الغيث ونبت عشبها فيمارسون الرعي ويقومون بحفر الآبار لاستخراج الماء من باطن الأرض للشرب وسقي المواشي والإبل وغالبا ما تكون مساكنهم من خيام الشعر المستخرج من وبر “صوف” المواشي والماعز واليوم قامت الدولة بإعمار الواحات وضخ عشرات المليارات في مشاريع بناء المساكن الشعبية الحديثة وتشييد الطرق والجسور والمعابر وتوفير مرافق الحياة من المدارس والمستشفيات وتولى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” بنفسه تخطيط المدن الحديثة وبناء المساكن الشعبية في قلب الصحراء، حيث تجمع البدو الرحل حتى أصبحت بحق قصة معجزة قهر الصحراء وتسخير المال لبناء الإنسان انها قصة قائد عظيم تفانى في خدمة شعب ووطن. مدينة حديثة وثمن المرر توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” بخصوص تحويل المحاضر إلى مدينة حديثة متطورة في قلب الصحراء وتوفير كل سبل الراحة للمواطنين وتلمس احتياجاتهم وتلبية مطالبهم استكمالا لنهج المغفور له بإذن الله الشيخ زايد في توفير مساكن حضارية بمواصفات عالية لكل أبناء الوطن لبناء أسر مستقرة تسهم في رفعة الوطن وازدهاره، وذلك بأوامر مباشرة من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وتحت إشراف ومتابعة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل حاكم أبوظبي في المنطقة الغربية. ويقول المرر: كانت الرحلة إلى أبوظبي شاقة ومخيفة وسط الرمال وتستغرق أسبوعا كاملا لا يخفف من مشقتها إلا المرور على بعض الطوايا فتروي ظمأ الإنسان والحيوان ومن أهم المدقات القديمة إلى أبوظبي طريق شاه إذ يمر المسافرون على بدع “مسماه” ومنها على “عصب” وهو حاليا محمية ومن “عصب” إلى “الهيمة” ثم “البديعة” ومنها يتم الوصول إلى أبوظبي. أما طريق “مزيرعة” فيمر على ماء “مشيعل” ومنها إلى “الحوية” ثم إلى “بليجعان” ثم الوصول إلى أبوظبي والطريق الثالث من الواحات يمر على “خنور” ثم “مسماه” ثم إلى “اليربوب” وهو بئر ماء ثم أبوظبي، بالإضافة إلى الطريق الرابع والأخير ونقطة الانطلاق تكون من غربي “مزيرعة” ثم “موقب” ثم “ لطير ولظويهر” ثم الاتجاه شمالا نحو “لخريص وبوصليدة” وهذه كلها آبار ماء ثم إلى بدع سيف ثم إلى أبوظبي. (المنطقة الغربية - وام) سعف النخيل طلبا للبرودة أوضح القبيسي ان سكن الأهالي في واحات ليوا قديما كان عبارة عن بيوت إما عرش تشيد من سعف النخيل طلبا للبرودة في حرارة الصيف الحار وتكون العرش ومفردها « عريش » مصنوعة من سعف النخيل والدعن وما زال الدعن يصنع إلى يومنا هذا ويتم استخدامه هذه الأيام في المباني التراثية وفي العزب والمزارع كأسوار حماية وتزداد هذه العرش في القيظ بازدياد أعداد الحضار القادمين من الساحل أما في فصل الشتاء فيسكن الأهالي الخيام الشتوية. ومضى يقول: قبل الاتحاد كانت المنطقة تخلو تماما من بيوت الطين والجص ولم أر في حياتي بيوتا من الجص والطين إلا في بناء القلاع والمربعات التي تشتهر بها ليوا بينما تنتشر بيوت الشعر عند البدو». ويضيف: في موسم القيظ يحتفل الأهالي بقطف الرطب «الجداد وتلفظ بالعامية اليداد» من أجل تحويله إلى تمر ويتم جني محصول الرطب الذي تحول إلى تمر بالتعاون بين المزارعين من أصحاب المزارع إذا زاد عدد النخيل واستدعى الأمر ذلك ثم تأتي عملية الكنز « تلفظ بالعامية الجنز» حيث يأخذون التمر ويغسلونه ويجففونه في الشمس إلى ان يتخلص من الماء ويجف ثم يضعونه في اليراب «عبارة عن كيس مصنوع من خوص النخيل» ويرص فيه التمر بعد تجفيفه لمدة ثلاثة أيام أو أكثر حسب النضج عند اليداد. وقال : اشتهر عندنا محمد بن موسى القبيسي وهو من العائلة كان يكنز لنا التمر وكانت المنطقة أمانا لا يوجد عندنا نظام حراسة على الكنز. دار المقيظ والماء العذب يذكر المواطن عتيق عيسى القبيسي “75 عاما من محاضر ليوا”: أن سبب تسمية المنطقة ربما يعود إلى أنها منطقة كانت تؤوي عددا كبيرا من القبائل ذات أطياف متنوعة منها القبائل المستقرة بصفة دائمة في المكان ومنها القبائل التي تؤوي للمنطقة في فصل الصيف من أجل المقيظ والاستمتاع بالجو اللطيف وسط مزارع النخيل كما لجأت اليها قديما القوافل والقبائل المتنقلة في إقليم الظفرة بحثا عن المراعي من أجل الحصول على الماء العذب للشرب وسقي الركاب “الجمال” والبهائم لهذا يمكن القول أنها تؤوي القبائل وسط الصحراء في زمن يعتبر المأوى صعب المنال ولا يصلح كل مكان أن يكون مأوى لهذا جاءت التسمية من الفعل يؤوي فشاع عليها اسم ليوا. ويقول: المحاضر قديما هي تلك الواحات الهادئة الساحرة في حسنها والقابعة بين تلال الرمال الخلابة ببساتينها وأشجارها الغناء ومائها العـذب ونسيمها العلـيل وكانت تعتـمد اعتمادا رئيسيا على مياه الآبار تروي بساتينها ويرتوي منها سكانها وأشجارها وبهائمها. ويؤكد أن الواحات كانت الوجهة المفضلة للحضار، ومن أشهر الحضار قبائل القبيسات والمحاربة والهوامل والمناصير والمزاريع، ومع مرور الوقت استقروا فيها حيث كانوا يتجهون للغوص ومن ثم يأتون أبوظبي ويتجهون إلى ليوا للمقيظ في محاضرها أما المحاربة والقبيسات فكانوا يقيظون في محضر “مزيرعة” والقبائل الأخرى يطيب لها المقيظ في المحاضر الأخرى. ويضيف القبيسي: كان الناس في الواحات قديما يعتمدون في غذائهم على التمر والحليب كمادة غذائية أساسية ويمثل التمر أساس الاقتصاد والمصدر الرئيسي للمواد الغذائية في الواحات وكانت المحاضر تنتج بعض الفواكه الصيفية هذا إلى جانب اللحوم، حيث كان سكان الواحات يهتمون بتربية المواشي كالأغنام من الماعز والضأن ويقوم البعض بجلب السمك الطازج من البحر في فصل الشتاء فقط، أما في الصيف فيتم شراء السمك المجفف والمملح نظرا لبعد المنطقة عن البحر وعدم توافر الثلاجات في الماضي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©