السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشريعة الإسلامية... لماذا فشلوا في تطبيقها؟!

الشريعة الإسلامية... لماذا فشلوا في تطبيقها؟!
4 أغسطس 2013 13:26
تطبيق الشريعة ظل مجرد شعار بلا مضمون يطرحه «الإخوان المسلمون» من أجل مكاسب سياسية كتب حسن عبدالله: بعد أن أصبحت شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية في قلب عاصفة «الربيع العربي»، وبعد أن جعلت جماعات «الإسلام السياسي» - منذ نشأتها في مطلع القرن العشرين - شعار تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية الكبرى (الخلافة)، «حصان طروادة» الذي تتخفى خلفه لهدم الأنظمة القائمة والقفز على السلطة في معظم بلدان المسلمين، كان لابد أن نتوقف لنكشف أي شريعة سيطبقون: شريعة النميري في السودان أم الملا عمر في أفغانستان، أم ضياء الحق في باكستان، أم حركة الشباب الإسلامية في الصومال، أم قوانين السادات ود. صوفي أبوطالب في مصر، أم ماذا؟ وما العوائق التي تمنع تطبيق الشريعة الإسلامية الآن: هل هي النخبة المثقفة كما تزعم جماعات «الإسلام السياسي» أم أن هناك عوائق أخرى عملية وواقعية «اجتهد» الإسلاميون لإخفائها حتى يصلوا إلى أهدافهم، بدلاً من أن «يجتهدوا» في استنباط الأحكام الفقهية التي تحقق مصالح المسلمين في هذا العصر؟ وهل الشريعة الإسلامية مطبقة في عالمنا الإسلامي.. وما هي الشريعة الإسلامية أصلا: هل هي الحدود أم العقيدة أم المعاملات أم ماذا؟ وماذا عن تجربة الكويت التي أنشأت «لجنة دائمة».. هي المؤسسة الرسمية الوحيدة في العالم الإسلامي التي تعمل منذ نحو 22 عاماً على تقنين واستكمال تطبيق الشريعة الإسلامية وماذا أنجزت؟ وثمة تساؤلات وإشكاليات نثيرها في هذا الملف الشامل حول تجارب تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، وسر فشلها مع متخصصين وعلماء ثم نختم بحوار مطول مع رئيس اللجنة الكويتية د. خالد المذكور. تجربة مريرة في الثامن من سبتمبر عام 1983 فاجأ الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري المسلمين والعالم بإصداره قرارا بتطبيق الشريعة الإسلامية فوراً في السودان، وفي الأيام التالية لهذا القرار، قُطعت أيادٍ، وجُلد البعض، ورُجم البعض الآخر، وطارت رقاب آخرين بزعم أنهم مرتدون عن الإسلام، واعترض الغرب على ما سماه شريعة تشويه الأعضاء البشرية والدموية التي صبغت وجه السودان، وصّدم المسلمون بشدة وانتظر البعض في العالم الإسلامي أن تنتهي المظالم الفادحة، وأن ينخفض معدل الجريمة في السودان، وأن ينطلق ركب العدالة والتنمية في هذا البلد الذي يعاني، والذي أكثر من 90 في المئة من أهله تحت خط الفقر، وتتعدد فيه الإثنيات والقوميات، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق. بل أصبحت «التجربة السودانية» عنواناً على الفشل الذريع في تطبيق الشريعة الإسلامية، و«فزاعة» لأي نظام تسول له نفسه التفكير في السير على هذا الدرب، وكان دافعاً مهماً للبحث عن صيغ جديدة - بخلاف تلك الموجودة في الكتب الصفراء - لتطبيق الشريعة الإسلامية، تستوعب الواقع المعاصر، وتراعي عاملي الزمان والمكان والمتغيرات التي حدثت في حياة المسلمين، وتستوفي الشروط التي أجمع عليها فقهاء وعلماء هذا العصر وأهمها توافر العدالة الاجتماعية، والأمن والأمان في ربوع أي وطن. تأييد جارف وعلى الرغم من مرارة تجربة السودان وما تلاها من تجارب سنستعرضها بعد قليل، فإن توق المسلمين في أنحاء العالم إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ظل على عنفوانه، بل وازداد التأييد لتطبيق الشريعة، أكثر مما كان انطلاقا من أن الفشل يعود على «التطبيق» وليس على الشريعة نفسها. وأكد هذا بحث ميداني أجرته مؤسسة «بي. إي. دبليو»، وهي مؤسسة أبحاث ودراسات أميركية مقرها واشنطن، ونشرت نتائجه الشهر الماضي، أجرت خلاله المؤسسة مقابلات مع أكثر من 38 ألف مسلم من ذوي الجنسيات والثقافات واللغات المختلفة في مناطق جغرافية متنوعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (حيث يعيش 20 في المئة من مسلمي العالم) وشرق ووسط وجنوب أوروبا 2 في المئة وجنوب وجنوب شرق آسيا 62 في المئة وآسيا الوسطى 9 في المئة ومنطقة جنوب الصحراء 30 في المئة. وكان سؤال البحث المحوري: «باعتبارك مسلماً.. هل تؤيد تطبيق الشريعة في بلدك؟». وجاءت الإجابات عبارة عن تأييد ساحق لجعل أحكام الشريعة جزءاً من القوانين المعمول بها حتى في الدول التي عانت من تطبيق الشريعة مثل باكستان 84 في المئة وأفغانستان 99 في المئة، ووصل التأييد لعودة الشريعة الإسلامية في بنجلاديش إلى 84 في المئة، وماليزيا 86 في المئة، وإندونيسيا 72 في المئة، والعراق 91 في المئة، وفلسطين 89 في المئة، والمغرب 83 في المئة، ومصر 74 في المئة، والأردن 71 في المئة، وجاء مسلمو لبنان في ذيل القائمة بـ29 في المئة فقط. بداية التغييب لم تغب الشريعة الإسلامية عن واقع وحياة المسلمين في كل المجالات منذ أن جاء بها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وحتى الآن. وكانت ومازالت تشكل واقعهم بداية من قوانين الأحوال الشخصية المستمدة كلها من الشريعة، ومروراً بمجال المعاملات التي معظمها من الأمور المستحدثة التي لم يرد فيها نص أو رأي فقهي، وانتهاء بالحدود أو القوانين الجزائية التي لم تعرف طريقها للتنفيذ كثيراً طوال تاريخنا نزولًا على المنهج الإسلامي الذي يدرأ الحدود بالشبهات، وحيث إن حياتنا كلها أصبحت «شبهات» فلا مجال الآن لتطبيق هذه العقوبات في العالم الإسلامي. إلا أن البعض يرجع محاولات إبعاد المسلمين عن الشريعة الإسلامية إلى زمن بعيد، حيث حاول «هولاكو» عام 656هـ . كما يذكر ابن كثير والمقريزي - فرض كتاب قانون سماه «الياسق» على الخلافة الإسلامية في بغداد، وهو قانون ظالم كانوا يتحاكمون إليه في بلادهم. وفشل هولاكو في فرض قانونه، ولم تمض فترة حتى استبعد التتار «الياسق»، ودخلوا في الإسلام وعادوا إلى التحاكم إلى الشريعة الإسلامية. والمحاولة الثانية لاستبعاد الشريعة الإسلامية كانت في القرن الثامن الميلادي عشر وبالتحديد في سنة 1798/1799 عندما اجتاحت جيوش نابليون بونابرت مصر، فجمع علماء الشريعة وعرض عليهم قانونه الفرنسي الذي يريد أن يطبقه بدلاً من الشريعة، وعندما راح العلماء يدرسون قانون نابليون، ظهرت لهم مفاجأة مازالت تدير رؤوس الكثيرين من جماعات الإسلام السياسي، وهي أن الأحكام والمبادئ القانونية مأخوذة من الفقه الإسلامي ومستمدة من الأحكام الشرعية، ثم أصدروا كتاباً سموه: «تطبيق قانون نابليون على مذهب الإمام مالك». «درسنا القوانين الفرنسية القديمة والحديثة ووجدناها مأخوذة في معظمها من الفقه المالكي «… هكذا يقول المفكر الإسلامي والفقيه الدستوري د. أحمد كمال أبو المجد ويضيف: الكثير بل إن الغالبية العظمى من القوانين الفرنسية لا تتعارض مع أحكام الإسلام لأن مصدرها إسلامي، وهو فقه الإمام مالك، وكل ماله علاقة بالحريات - باستثناء القوانين المتطرفة - ومعظم المعاملات مستمدة من الفقه الإسلامي لكنهم عزلوها من مرجعيتها الإسلامية ونسبوها إلى أنفسهم. نفس الكلام يؤكده رئيس لجنة استكمال الشريعة الإسلامية في الكويت د. خالد المذكور الذي يضيف: نحن درسناها في اللجنة واكتشفنا أن القوانين الفرنسية معظمها مأخوذة من الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية بشكل عام. ثم كانت المحاولة الثالثة لإقصاء الشريعة الإسلامية حسبما ذكرت المراجع التاريخية المختلفة مع بداية عهد خلفاء محمد علي في مصر حيث استبدلوا علوم الشرائع بعلوم الصنائع، وازداد النفوذ الأوروبي، وتزايد الوهن الإسلامي والذاتي. ويقول المستشار طارق البشري: «صرنا منذ أربعينيات القرن التاسع عشر نأخذ بالقوانين الغربية»، ويضيف: حقيقة فإن جذور الإشكالية القانونية في بلاد العالم الإسلامي بدأت مع الركود الفكري والتشريعي الذي حدث في أقطار المسلمين في خواتيم القرن الثامن عشر وفواتح القرن الذي يليه، والذي كان بوصفه ظاهرة ثقافية – أثراً ونتيجة للركود السياسي والاجتماعي الذي أصاب أمتنا على مدى القرنين الماضيين أو القرون الثلاثة السابقة منذ نهايات حكم «سليمان القانوني». ويؤكد طارق البشري أن مشكلتنا على مدى القرنين الماضيين تتمثل في التناقض الذي حدث بين عناصر ثلاثة هي: الأول متطلبات النهوض والتجدد، والثاني ما نحتاجه من علوم الغرب وفنونه وصنائعه ونماذج نظمه مما هو لازم للنهوض والتحصن. والثالث هو ما يفرضه علينا الغرب بموجب تفوقه وسعيه للهيمنة وفرض السيادة. ويرجع المستشار البشري عملية إقصاء الشريعة الإسلامية إلى تغلغل التشريعات الغربية في النظام القانوني السائد في الدولة العثمانية ومصر، حيث وصل إلى أن الأمر قد آل إلى أن أصبح النظام القانوني والقضائي في البلد الواحد ذي السيادة التشريعية والقضائية إلى ثلاثة نظم تشريعية وقضائية لكل منها مرجعية مختلفة، وهي: القضاء الشرعي، والمحاكم المختلطة (1949 – 1875) والقضاء الأهلي ذو المرجعية الغربية ، وقد أدى تنوع مرجعيات هذه الأنظمة إلى قيام «تعدد مختلف» فيما بينهما وليس «تعدد مؤتلف» ، أي أنها تضاربت فيما بينها، وانتقصت من قدر بعضها، ولم تؤد إلى الثراء الذي قام عليه اختلاف المذاهب الإسلامية ذو المرجعية الواحدة، وهي مرجعية الشريعة الإسلامية.وحتى مرحلة الاستقلال التشريعي التي قادها الفقيه الدستوري د.عبدالرزاق السنهوري -يضيف البشري- أفرزت نصاً وضعياً مستقلاً لم يتبع قانوناً أجنبياً معيناً ولا مدرسة أجنبية معينة، إنما اعتمد على علم القانون المقارن طبقاً لأحدث التشريعات المعمول بها في الغرب، ولم تكن صلته بالشريعة الإسلامية وفقهها إلا بمقدار الاستفادة من حلول فقهية وتطبيقية لعدد من المعاملات والعلاقات والأحكام مع الصياغات الفنية المناسبة، وما يتفق مع أعراف الناس وعاداتهم المتبعة. بداية التقنين والحقيقة أن تطبيق الشريعة الإسلامية وتقنينها ظل مجرد شعار بلا مضمون تطرحه جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها «الإخوان المسلمون» وتستثير به حماس الجماهير حتى تجني من ورائه مكاسب سياسية أو تفقد التيارات المدنية مشروعية تواصلها مع الشارع السياسي. لكن الرئيس المصري محمد أنور السادات 1970- 1981، فاجأ الجميع عندما أعلن أنه «رئيس مسلم لدولة مسلمة، وجعل لقبه «الرئيس المؤمن»، ولكي يمرر تعديلاً دستورياً يسمح له بالجلوس على كرسي الرئاسة مدى الحياة، بعد أن كان قد تعهد بالرحيل بعد دورتين رئاسيتين، أضاف إلى التعديلات وللمرة الأولى في تاريخ الدساتير نصا يقول: «الشريعة الإسلامية مصدر أساسي والإسلام الدين الرسمي للدولة»، وسعى السادات فيما بعد إلى تقنين الشريعة الإسلامية بالفعل، وكلف رئيس مجلس الشعب المصري الراحل د.صوفي أبو طالب بمهمة إعداد مدونة قانونية مستمدة بالكامل من الشريعة، وبدأ العمل الفعلي للتقنين في عام 1978، و استعان د.صوفي أبوطالب بصفوة من العلماء المتخصصين من الأزهر والقضاة وأساتذة كلية الحقوق والفقهاء الدستوريين وبعض الخبراء من المسلمين والمسيحيين، وتم تقسيم العمل إلى لجان يرأس كل لجنة أحد أعضاء مجلس الشعب إلى جانب هؤلاء الخبراء وارتكزت خطة العمل على عدم التقيد بالراجح في مذهب معين، بل الأخذ بالرأي المناسب من أي مذهب من المذاهب الفقهية. وبدأ التقنين على أبواب الفقه وتقسيماته، وما لم يكن له حكم في كتب الفقه لجأ الخبراء إلى مقاصد الشريعة في استنباط الأحكام، وفي حالة تعدد الآراء الفقهية للمسألة الواحدة، اختارت اللجنة حكماً منها مع ذكر الآراء الأخرى ومصادرها على هامش الصفحة ليرجع إليها من يشاء. ومع حلول عام 1982 تم الانتهاء من جميع أعمال التقنين وطباعتها وعرضت على مجلس الشعب المصري، وحظيت بالموافقة عليها بالإجماع من أعضاء المجلس المسلمين والمسيحيين، وهو ما سجلته مضابط المجلس حتى الآن. وانتجت لجان مجلس الشعب خمسة مشروعات قوانين طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية وهي: مشروع قانون المعاملات المدنية (1136 مادة)، مشروع قانون إجراءات التقاضي والإثبات (71 مادة)، مشروع قانون العقوبات (630 مادة)، مشروع قانون التجارة (776 مادة)، مشروع قانون التجارة البحرية (443 مادة). وكان من المفترض أن يبدأ المجلس مناقشة هذه المشروعات بقوانين مادة مادة، لكن فجأة توقف كل شيء، ودفنت هذه التجربة في أدراج مجلس الشعب ولم تخرج منه حتى الآن. وقد التقيت د.صوفي أبو طالب - رحمه الله بعد خروجه من رئاسة مجلس الشعب وعودته إلى التدريس بجامعة القاهرة، وعبر الرجل بمرارة شديدة عن حزنه على إهدار هذه التجربة الثرية التي تعتبر الأولى من نوعها في مجال تقنين الشريعة الإسلامية في العصر الحديث، وقال لي إنه سأل رئيس مجلس الشعب وقتها د.رفعت المحجوب عن مشروعات القوانين الإسلامية هذه فأجابه بأن الظروف السياسية والوضع العام لا يسمحان بذلك، وهذا معناه أن القيادة السياسية لا ترغب في تنفيذ المشروع، وأرجع د.صوفي أبو طالب ذلك التوقف إلى أمرين الأول الثورة الإيرانية عام 1979 وتهديدات إيران بتصدير الثورة وتخوف البعض من أن تطبيق الشريعة قد يجعل من مصر إمارة إسلامية. والثاني: تطبيق الشريعة في السودان حيث أخذ الرئيس السوداني جعفر النميري بالمبادئ والأحكام المتطرفة في محاولة لتقنين الشريعة وتطبيقها مما خلق أجواء من الخوف والحذر من مفهوم تطبيق الشريعة. وجزم د.صوفي أبو طالب بأن الرئيس الراحل أنور السادات كان جاداً في مسألة تطبيق الشريعة وأنه لو قدرت له الحياة عاما أو عامين لرأينا تقنين الشريعة مطبقا على أرض الواقع. ويقول رئيس لجنة الشريعة الكويتية د.خالد المذكور «لقد استفدنا كثيرا من التجربة المصرية هذه لما كانت تتمتع به من ثراء وتنوع» ويكمل: عند بداية عمل اللجنة طلبنا مشروعات القوانين الإسلامية من مجلس الشعب المصري لكنه رفض بدعوى أنها سرية، فقدمها لنا حازم صلاح أبو إسماعيل (القيادي الإسلامي السلفي المسجون احتياطيا الآن والمرشح الرئاسي المصري السابق) الذي شارك والده (صلاح أبو إسماعيل) الذي كان عضوا في مجلس الشعب وقتها في صياغة هذه القوانين، ونظرا لأهميتها فقد ضمناها الكثير من التعديلات التي قدمناها لمجلس الأمة الكويتي فيما يخص مشروعات القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية. تصور خاطئ «بل هي من أفضل تجارب تقنين الشريعة الإسلامية حتى الآن»، يقول المفكر الإسلامي د.محمد عمارة ويشرح: لقد أثبتت تلك التجربة الناضجة إمكانية تقنين الشريعة وتحويلها إلى مدونات حديثة بعيدا عن الهواجس التي تنتاب البعض. فلا يستطيع أحد اليوم القول إن لدينا تدرجا في الشريعة، فالشريعة اكتملت، لكن عندي باب الفقه مفتوح ليتعايش مع الواقع، وبالتالي لدينا تدرج في الفكر وحتى الشريعة التي اكتملت فهي أسس ومبادئ ونظريات أكثر منها تفاصيل تشريع، وهي تترك كل هذه التفاصيل للفقه لأننا سنحتاج من العقول أن تجتهد للوصول لحل هذه المستجدات، فالشريعة اكتملت، والتدرج لا يعني بأي حال من الأحوال أن الشريعة تحتاج إلى تجديد لكنها تحتاج للتطبيق. ويستدرك د.محمد عمارة فيقول إن من يتصور أنه سيطبق الشريعة فوراً خاطئ فلكي أطبق الشريعة يجب أن أكون أعددت القاضي الذي سيحكم بالشريعة، والمحامي الذي سيترافع بها، والمواطن الذي سيقبلها، والأخطر من ذلك أن المناهج في الحركات الإسلامية تعلن برنامجاً جيداً لكنه بينه وبين الواقع فجوة، لأن المواطن غير مهيأ لاستقباله، ولابد أن يكون لدينا «أولويات». بعض الأفراد يعيش في الأحكام والنظريات، وهؤلاء لابد أن يراجعوا أنفسهم، فالواقع هو الذي يحكم على الأحكام، اليوم حينما نفكر في توفير الغذاء أو نريد تصنيعا في البلاد هل سيكون ذلك «إخوانيا» أم غير «إخواني»؟ أقصد أن الانشغال بالواقع هو الذي يجعلنا نوحد فكرنا وصفنا ويضعنا أمام التحديات الحقيقية، وقد أعجبني ابن القيم حيث يقول «إننا نبحث للواقع عن الحكم في الأحكام ولا نفرض الأحكام على الواقع»، وما أريد قوله إن فكرنا الإسلامي به مناهج ومقولات تحتاج أن ننزلها على الواقع الذي نعيش فيه، وإلا فنحن بحاجة إلى اجتهادات دائمة ومتواصلة. د.محمد عمارة ألف كتابا عن تجربة التقنين المصرية للشريعة الإسلامية رصد فيه أهم إيجابياتها ودعا إلى السير على نهجها. عودة إلى السودان تظل تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان أو «قوانين سبتمبر» كما سماها معارضو الرئيس الراحل جعفر نميري وعلى رأسهم رئيس حزب الأمة الصادق المهدي عبئا على الشريعة ذاتها، وهاجساً يؤرق كل من يسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. النميري استخدم الشريعة الإسلامية لتصفية خصومه. وعلى الرغم من الفقر والجهل والمرض التي تسيطر على مقدرات شعبه ويرزح تحت نيرها، لم يعمل على النهوض ببلاده وإنما بدأ بتطبيق الحدود، وقطع أيادي امتدت لأملاك غيرها لتأكل، واختار أحكاما متطرفة لكي يثبت أنه حريص على التمسك بالإسلام، مثل رأي الإمام مالك الذي يحرم شرب الخمر على الإطلاق في حين أن رأي أبي حنيفة يسمح بشرب الخمر لغير المسلمين طالما أن دينهم يسمح بذلك ومعلوم أن أبناء الجنوب يشربون الخمر، وكان ذلك سببا لإشعال التمرد ضده وتدخل مجلس الكنائس العالمي وانتهى الأمر بالانقلاب عليه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©