الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد سليمان الحبسي: «خبز السفاع» الخاص بأهالي الجبل من أساسيات الشهر الفضيل

محمد سليمان الحبسي: «خبز السفاع» الخاص بأهالي الجبل من أساسيات الشهر الفضيل
4 أغسطس 2013 21:03
تعتبر منطقة «خت» من أهم المناطق الطبيعية في إمارة رأس الخيمة، ومعلماً سياحياً بارزاً، لكثرة ما بها من آثار وجبال وأودية وسهول، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الأشجار والنخيل، وبين تلك الجبال تفجرت عيون المياه الساخنة، المحتوية على المعادن والأملاح الطبيعية والكبريتية، التي تستخدم للاستشفاء. لذلك لا ينسى من يعيش بقربها القوافل التي كانت ترد المكان، مصحوبة برجال ونساء وأطفال يأتون طلبا للتداوي بمياه، أو لأجل الترفيه عن أنفسهم بالاستحمام فيها، ومن أبناء هذه المنطقة يحدثنا محمد سليمان الحبسي عن هذه البيئة الجبلية المتميزة، وكيف كانوا يعيشون فيها عبر الزمن، وكيف كانت العادات الاجتماعية لديهم في شهر رمضان، أو غيره من أوقات العام. موزة خميس (رأس الخيمة) - في منطقة خت يقيم محمد سليمان الحبسي، الذي يعمل في وزارة الداخلية، وقرب تلك الجبال الشامخة هناك مجتمع مرتبط ببيئته، ولا يزال الأهالي يذهبون لقمم الجبال، حيث كانت بيوتهم ومزارعهم وتلك الأحواض التي حفرت في الصخور لجمع مياه الأمطار من أجل سقاية القمح، الذي يعد من أهم المحاصيل بالنسبة لقبيلة الحبوس، التي تحمل مساكنهم شيئا من روح جبال خت، ولذلك حرص الحبسي على اقتناء متعلقات أثرية كانت تستخدم في حفظ الحبوب تعرف باسم «الخروس»، إلى جانب جرار وأدوات كانت تعين الرجل أو المرأة في عمليات الزراعة والتعامل مع هذه البيئة الجبلية الصعبة. قمم الجبال يقول الحبسي، إن الأهالي في قديم الزمن كانوا يذهبون إلى قمم الجبال سيرا على الأقدام حيث لا يمكن لأي مركبة أن تصل إلى هناك، والبعض يحمل المتاع على الدواب من أجل رعاية زراعة الحب أو القمح، وكان الحبوس يعتمدون على مياه الأمطار حيث تجمع بطرق معروفة لديهم عن طريق برك لحفظ الماء، وكل تحركاتهم قديماً كانت تتم عن طريق حسابات الدرور، والاهتداء بتتبع النجوم، والصلاة كانت على حسب قياس الظل، وإلى اليوم ترعى المواشي طليقة في السيح أو الوادي أو السفح، بحثا عن الحشائش والنباتات العطرية المغذية. ويذكر أن زراعة القمح، اعتبرت بمثابة قدوم حياة جديدة بالنسبة للمزارعين هناك، وكانوا يرددون أهازيج الثناء والشكر لله، خلال الحصاد وخلال تنظيف القمح من القشر، كونهم شهدوا مواسم الزرع والحصاد، لأن كل فرد شارك في عملية الزراعة يكون في شدة التوتر منذ موسم الزرع ووضع البذور، خشية أن تتأثر الغلة، وبرغم أن القمح يزرع على مساحات قليلة، إلا أنه يكفي لصنع دقيق «الخبز السفاع»، الذي يعتمد عليه في الإفطار وفي شهر رمضان. الكد والعمل ويورد الحبسي، أن منطقة خت كانت بعيدة عن الكثير من الإمارات التي لم تكن تنتشر فيها المدن كما الآن، وكنا نعتبر تلك الأماكن بعيدة لأننا لا نملك الدروب المعبدة ولا المركبات، وكثيرون لم يكونوا يملكون لا ناقة ولا جملا لأن الناس فقراء، والطبقة الغنية كانت عبارة عن عدة أشخاص ربما يملكون بعيرا أو ناقة، أما الغالبية فكانت مركباتهم أو إبلهم هي «أقدامهم»، ولذلك كان رمضان يمر علينا كبقية الشهور، فنحن لا نعرف راحة ولا هدوءا، حيث كان الرجال يسافرون سيرا على الأقدام إلى الأسواق البعيدة لمدة أربعة أيام ذهابا، ومثلها في الإياب ليبيعوا أو يشتروا المواد التموينية. وبالنسبة لشهر رمضان، كان الأهالي يحتفلون بقدومه ويترقبون هلاله، وهذا يحدث حتى هذه الأيام، وكان ذلك يبدأ بأن يصعد بعض الرجال إلى أعلى الجبل ليتحروا رؤية الهلال، وما إن يرونه واضحا حتى يسارعوا إلى إطلاق الأعيرة النارية، والتي ينتظرها الناس ليلة تحري الهلال، إيذاناً ببدء الشهر الكريم. ويوضح أن رمضان، كان يمر على الكثير من الناس بكثير من الكد والعمل، وأحيانا الفواجع من مصاب في الأهل أو الزرع، ولكن لا يؤثر ذلك على نفسية المسلمين المؤمنين، لأنه عليهم العمل والصبر وحب الخير للغير، وأداء الصيام بالصوم عن الطعام والشراب، وتجنب النميمة وذكر الغير بالسوء، وبما أننا بعيدون عن البحر فقد كنا نذهب لقرب البحر على مطايا أو غيرها، حيث يتم شراء السمك على رمال الشاطئ، وقبل العودة نقوم بوضع الكثير من ملح البحر على الأسماك حتى لا تفسد في الطريق، وعندما نصل إلى البلدة فإننا نقوم بحفظ ما نريد تخزينه للأيام المقبلة، في أوعية مصنوعة من سلال النخيل على هيئة صوان، والبعض يخزنها لمدة أطول في الفخار لتصبح مالحة. تقليد الكبار ويذكر الحبسي أن الإقبال على وجبات السمك في رمضان كان قليلا، وذلك لعدة أسباب أهمها بعد قريتنا عن البحر، ولذلك أكثر ما نتناوله في رمضان ألبان الماعز والغنم، مع خبر البر أو القمح، إلى جانب الدواجن، أو ذبح صغار الأغنام ليوزع منها على الجيران والأهل، كما يتم صنع اللبن المطبوخ والروب الزبادي، ويتم تناولها مع التمور، ومن أهم الأكلات التي كانت إلى جانب التمر واللبن والروب، خبز السفاع الخاص بأهالي الجبل، وكل بيت كان يعتبره من ضمن الوجبات الأساسية في الوجبات الرمضانية. ويكمل :«ربما لم نعانِ نحن كما عانى الأهل من الأجداد، ولكن عايشنا جزءا من عصر ما قبل وصول الكهرباء، واستمتعنا في الطفولة بشهر رمضان، حيث كنا نقلد الكبار فنصوم ونصلي ونتسحر وفي ذات الوقت نعمل. وربما لم نكن نعرف ماذا يعني أن يكون الصوم فريضة، ولكن كنا نعرف أنه يكمل ديننا ويقربنا إلى الله، كما كانت أجمل الأوقات لنا القيام قبل الفجر لتناول السحور مع الأهل، وجرت العادة إن يكون سحور أول ليلة من رمضان هو خبر السفاع والزبادي أو خبز وتمر ولبن، مع بعض السمن المحلي. ويذكر الحبسي أن أجمل ما في رمضان تلك الأيام، هو وقت السحور، حين تستيقظ العائلات ويتوضأ الجميع في كل البيوت حتى الأطفال تأهباً للصلاة، ويسمع الناس أصوات بعضهم في البيوت وهم يبدؤون في إعداد السحور والتحضر للإمساك وصلاة الفجر، حيث يصلون ما تسنى لهم من ركعات تطوعا، حتى وقت السحور ثم انتظار أذان الفجر. وهناك من يقضون وقت الانتظار في قراءة القرآن استغلالاً لهذه الأوقات المباركة، ولكن مع انتشار مظاهر الحياة العصرية ودخول الجميع المدارس في السنوات الأخيرة، نجد أن كثيرا من أبنائنا وبناتنا الذين عليهم الاستيقاظ للمدرسة، أو للذهاب للعمل بعيدا عن مناطقهم يعتذرون عن القيام للسحور، وقد يمسكون عن الطعام من دون سحور، فهم يستيقظون فقط لصلاة الفجر، وبالتالي يفتقدون بركة السحور التي أوصانا بها الرسول الكريم. الأواني الفخارية ويعود الحبسي إلى ماضي الزمن فيقول، إن أجدادنا سكنوا الجبال منذ مئات السنين، ولا تزال آثار بيوتهم الأصلية تقبع في أعالي الجبال المحيطة بالشعبية، ولكن حين تم تأسيس الاتحاد، وعَمّ خير الدولة على مواطنيها، بعد توفر كافة الخدمات والوظائف والتعليم، نزل سكان الجبال من تلك البيوت القديمة، لتحقيق غاياتهم والمساهمة في تأسيس بناء الدولة، ولكنهم لم يقطعوا علاقتهم بالجبل إلى اليوم، حيث لا تزال منطقة «السلي» الموجودة بظهر أحد الجبال، مقصداً أسبوعياً لكثير من العائلات، لقضاء الأوقات هناك مستمتعين بالطبيعة الساحرة للمنطقة. ويكمل الحبسي: كنا في رمضان أو غيره نستخدم الأواني الفخارية التي برع في صنعها أهالي جبال رأس الخيمة، حتى أبريق حفظ وسكب الزيت على الطعام لا يزال لدي واحد منه، كما تملك كل أسرة العديد من الأواني النحاسية بكافة أحجامها، وهناك أدوات للحراثة لا تزال تستخدم حتى اليوم، ولكن مع توفر كل متطلبات الحياة المطورة، لم تعد هذه الحرف قائمة كوسيلة للعيش والكسب، ولكننا نعمل على إبقائها لأجل الحفاظ عليها من الاندثار. والحياة العصرية وفرت الكثير من الوقت والجهد، وأدخلت إلى حياة الناس عادات جديدة، مثل السهر حتى ساعات متأخرة، بفضل توفر عناصر الترفيه، ولذلك في رمضان اليوم هناك من يسهر حتى الفجر ثم ينام’ ولكننا نحرص على أن لا تندثر تلك العادات الطيبة المرتبطة بالإسلام أولا ثم عاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها. دور المرأة إلى ذلك يؤكد الحبسي، أن المرأة لم تكن بعيدة عن كل تلك الحالات والمشاهد، فهي يدا بيد تعمل مع الرجل، ومرتبطة مثل الرجل بحب بيئتها، ورغم الرفاهية لا تزال إلى اليوم تذهب إلى قمة الجبل مشيا على الأقدام وتصر على الارتباط بكل ما يتعلق بالبيئة الإماراتية الأصيلة التي ترسخت في نفوس الجميع. ومن العادات المرتبطة بشهر رمضان في ذلك الزمن البعيد، يبين الحبسي أنه قبل قدوم رمضان، كان أهلنا يشترون من التجار، الذين كانوا يأتون بالبضائع من الهند وباكستان وممباسة وزنجبار، البن، والأرز، والسكر، والتوابل التي تشكل خليط البزار العربي، حيث يتم عمل تشكيلة خاصة معروفة المذاق، يقبل عليها الضيوف القادمون من أماكن أخرى، حين يأتون للزيارة. كما يصنع الهريس من البر أو القمح، سواء في شهر الصيام أو بعده، وعندما يؤذن المؤذن للإفطار نجد الكل يجتمع بفرح لاتمام صيام اليوم، إلى جانب فرح مشاركة الآخرين أكلة الهريس التي أعدت كوجبة إفطار وتجدها منتشرة في كل بيت، باعتبارها طقساً رمضانياً خالصاً وباقياً إلى اليوم. واليوم يحرص كل بيت على توفير الدقيق الذي يوفر وجبات مرغوبة يوميا في رمضان، ولذلك فإن ما بين 30 إلى 50 كيلو جراماً من الدقيق تعتبر كمية بسيطة لعائلة صغيرة، غير أنها تكفي لصنع كمية من الأطباق إضافية لتوزيعها على الجيران، ومما يصنع من الدقيق، خاصة في شهر رمضان، الجريش والعصيدة والقروص أو اللقيمات. شراء التمور «كنا نفتقر إلى الأرز والقهوة والبهارات والسكر، حيث لا بقالة ولا دكان، ومن يملك مواد للبيع فهي قليلة جدا وتباع من داخل المنزل، وكنا نشتري التمور لأن الإنتاج يكون شحيحا في مواسم كثيرة ولا يكفي طوال العام، وبدلا من الزيوت التي تستعمل حاليا كنا نقوم بإذابة شحوم الماشية. محمد سليمان الحبسي. عادات جميلة «من العادات الرمضانية الجميلة التي توارثها الرجال في منطقة خت أو المناطق الجديدة التي يسكنوها اليوم، الاجتماع يومياً من أجل الاطمئنان على بعضهم والتشاور في الأمور المختلفة، غير أن هذه العادة أخذت الآن في الاختفاء شيئاً فشيئاً، نتيجة مشاغل الحياة العصرية، غير أن مجيء شهر رمضان يحييها في النفوس ويجعل الأهل والأصدقاء يحرصون على التواصل اليومي خلال أيام الشهر الكريم».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©