الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خوجة سنان.. مايكل أنجلو الشرق من النجارة إلى عبقرية العمارة

خوجة سنان.. مايكل أنجلو الشرق من النجارة إلى عبقرية العمارة
4 أغسطس 2013 21:06
مايكل أنجلو الشرق أو هو أعظم من مايكل أنجلو على حد قول الألماني كلوك أستاذ العمارة في جامعة فيينا، إنه المعماري العثماني الشهير خوجة سنان، والذي عاصر أربعة سلاطين عثمانيين هم سليم الأول وسليمان القانوني، ثم سليم الثاني وولده مراد الثالث. ولد سنان في عام 1490 م بقرية أغيرناص التابعة لولاية قيصرية بالأناضول لأسرة غير مسلمة اختلف في أصلها ولا أحد يعرف على وجه اليقين إن كانت يونانية أو ألبانية الأصل. د. أحمد الصاوي (القاهرة) - أمضى المعماري العثماني الشهير خوجة سنان الثلاثة والعشرين الأولى من عمره غير مسلم قبل أن يعتنق الإسلام وهو في هذه السن، وجد الشاب نفسه يدفع كجزء من الضريبة للدولة العثمانية يخدم في الجيش الانكشاري حديث التكوين وتلقى تعليمه الأول عسكرياً ودينياً ليصبح مسلماً حقيقياً حتى أن المؤرخين يعتبرونه بغض النظر عن أصله تركياً عثمانياً قحاً. ويبدو أن حرفته التي عمل بها قبل الالتحاق بالجندية قد فرضت نفسها على تعيينه نجاراً في فرق الدعم اللوجيستي والفني للجيش الانكشاري أثناء حملة سليم الأول على الدولة الصفوية ومن ثم فقد شارك في انتصار الترك بموقعة جالديران عام 920 هـ «1514 م». وظيفة معمارية وبعد أن بلغ الرابعة والأربعين من العمر وبالتحديد في عام 941 هـ «1534 م» واتت سنان الفرصة التي كان ينتظرها إذ طلب منه عند اشتراكه في حملة بقيادة لطفي باشا الصدر الأعظم أن يقوم ببناء سفن للنقل العسكري، ثم ببناء جسر بري لعبور الجنود، فقام بالأعمال المكلف بها على خير وجه وصادف عند عودته إلى استنبول أن توفي «عجم علي» كبير المعماريين في السلطنة العثمانية فاقترح الصدر الأعظم على السلطان سليمان القانوني أن يعين في وظيفة كبير معماريي الخاصة السلطانية ليغادر الجندية إلى مجال البناء والتشييد. واستفاد سنان من التحاقه بمعظم حملات الجيوش العثمانية في الشرق الإسلامي وفي القارة الأوروبية في أمرين كانا خير معين له للوصول إلى تحقيق إنجازات معمارية جعلت منه أهم المعماريين في عصره، فقد عمل باجتهاد وانضباط ودقة العسكري المحترف في كل أعماله كما وظف ببراعة كل ما حصل عليه من معارف معمارية بالمشاهدة والدرس في الأراضي التركية والأوروبية فضلاً عن إيران ومصر والشام والعراق. إيمان عميق ورغم أعماله الكثيرة والجليلة ظل المعماري سنان محافظاً على نمط معيشته العسكرية فعاش حياة بسيطة متواضعة وأطلق على نفسه لقب الفلاح الفقير، واعتبر أعماله قربة لله تعالى وضرباً من ضروب التعبير عن إيمانه العميق، ولذا كانت آخر كلماته قبل أن يغادر الحياة وهو في سن 98 «أتمنى أن ترى الأجيال القادمة عملي لتدرك مدى مثابرتي وتدعو لي بالرحمة في الصلاة». ولخص سنان مراحل عمله في العمارة في ثلاث مراحل ووضع لكل مرحلة منها عنواناً من منشآته التي قام بتصميمها والإشراف على بنائها معتبراً أن جامع شاه زاده يمثل مرحلة تكوينه الفني والمعماري وأن جامع السليمانية في استنبول يجسد مرحلة شبابه المعماري أما مرحلة كمال نبوغه المعماري فقد جعل جامع السليمية في أدرنه عنواناً لها. جمال فني وحصيلة أعمال المعماري سنان تبلغ 343 مبنى منها المساجد والقصور والأضرحة والقبور والتكايا والحمامات والأسواق والخانات وفي جميعها كان فيلسوفاً معمارياً يهتم أولاً بسلامة مبانيه وبقدرتها على مقاومة الزلازل، ثم بقدرتها على أداء الوظائف المخصصة لها بالكفاءة التامة فضلاً عن جانبي الجمال الفني والتعبير الفخم عن قوة وضخامة الإمبراطورية العثمانية. وظل سنان حتى سن متأخرة يشرف بنفسه على بناء العمائر التي يصممها من دون أن يدع للعجلة فرصة لتشويه القيمة المعمارية لها وثمة روايات عدة تشير إلى تمهله في عمله حتى أن بعض حساده سعى للإيقاع به لدى السلطان سليمان القانوني بسبب بطء أعماله في تشييد مجمع السليمانية فذهب البعض للسلطان وحدثه بأن سنان ربما يكون قد أنفق مال السلطان على نفسه، ولذا فعمله قد تأخر ببناء مسجد السلطان فغضب سليمان واستدعى سنان فوراً وخاطبه معنفاً بقوله: يا سنان أعطيك مالي لتبني مسجدي وتمرّ كل هذه السنوات وأنت لم تفعل شيئاً فقال سنان: إن هذه الأرض التي سيبنى عليها المسجد مرتفعة وقد أنفقت سنوات في دراسة التربة وتشييد قواعد المسجد حتى لا يتعرض للأذى بسبب الزلازل وقد انتهيت منها وسينتهي العمل قريباً ببناء المسجد فسر السلطان وأثنى عليه. محراب السلطان ثم جاء نفر آخر للسلطان قائلين: أدرك مسجدك فإن سنان يدخن الشيشة في محرابه فتعجب من جرأته على فعل ذلك وقام من فوره لتفقد بناء المسجد ليسمع أصوات الشيشة ظاهرة فسأل سنان متعجباً عما يفعله بالشيشة في بيت الله فقال سنان، بل هي أكثر من شيشة، ولكنها جميعاً بلا دخان وقد وزعتها في كل المسجد لأحسب توازن الصوت وصداه فقال السلطان أحسنت يا سنان والله لقد ظننا بك السوء. وفي لفتة ملوكية لعمله العبقري قرر سليمان القانوني أن يقوم المعمار سنان بنفسه بافتتاح جامع السليمانية للصلاة. وتتجلى عبقرية سنان المعمارية في مزجه بين مقتضيات تخطيط المدن وتصميم منشآته فغالباً ما كانت المساجد مركزاً لمجموعة من الأبنية الملحقة مثل المدارس أو الحمامات والتكايا. وبفضل تصميماته تشكلت شخصية المسجد العثماني بعناصره الأساسية التي باتت تشمل القبة المركزية الكبرى التي توفر مساحة كبيرة لبيت الصلاة والأجنحة الجانبية المغطاة بأنصاف القباب والمآذن الرشيقة التي تجسد الطموح الروحي وحسن استخدام البلاطات الخزفية لكسوة الجدران بالمساجد، فضلاً عن عناية سنان بتضخيم الصوت داخلها وتوفير الإضاءة الطبيعية الغامرة التي تتوافق مع منطق الصلاة في الإسلام خلف إمام وليس كاهن مخصوص. ولسنان عدة صور شخصية تظهره كرجل طاعن في السن بلحية بيضاء تبدو عليه ملامح الذكاء والوقار معاً ومن أهم صوره واحدة وردت بأحد المخطوطات التركية وتوضح قيامه بالإشراف بنفسه على أعمال البناء في مقبرة السلطان سليمان القانوني وقد رسمه الفنان في مقدمة الصورة معتمراً عمامة بيضاء كبيرة وأمسك في يده بأداة للقياس في إشارة لقيامه بمراجعة أعمال البنائين الذين يظهرون في الصورة وهـم منهمكـون في العمل. منجزات سنان أهم منجزات سنان هي جامع شاه زاده الذي شيده فيما بين عامي 1543 و1548م وجامع السليمانية باسطنبول المطل على القرن الذهبي بقبة كبيرة يبلغ قطرها 31.5 متر وقد بناه بين 1569 و1574م. وهناك أيضاً جامع السلطان سليم الثاني في أدرنه والذي استغرق تشييده أربع سنوات كاملة فضلاً عن عدة جسور باسطانبول وغيرها ومسجد رستم باشا باسطانبول وقد أتمه في عام 1561 م وضريح السلطان سليمان وزوجته روكسلانا. ودفن سنان بعد وفاته في ضريح تولى بنفسه أمر تصميمه وتشييده بمدينة اسطنبول واحتفاء به صنعت له التماثيل في اسطانبول وأنقرة وأطلق اسمه أيضاً على كلية العمارة والفنون باسطنبول.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©