السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدعاء صلة قلبية تضمن الرضا والاسقرار

الدعاء صلة قلبية تضمن الرضا والاسقرار
7 أغسطس 2011 22:14
العبادة هي المظهر السلوكي المعبر عن الإيمان، وتتجلى من خلال القيام بأركان الإسلام المعروفة، غير أنَّ هذا المظهر يبقى أجوف إن خلا من روحه وهو الدعاء الذي سماه النبي مخ العبادة، إذ قال: “الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ”، وقال أيضاً: “أفضل العبادة هو الدعاء”، بل إن من مستلزمات الدعاء حضور القلب مع الله والافتقار إليه، وهما نهاية العبادة والمعرفة، ولذلك أمر الله تعالى بالدعاء، فقال: ادْعُونِي، وعقبه بالإجابة: أَسْتَجِبْ لَكُمْ، وقال أيضاً: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. والدعاء هو الصلة القلبية الروحية التي تضمن للعبد الاستقرار النفسي والرضا والهدوء والشفاء، فكما يُصاب الجسم بجملة من الأمراض التي تؤثر على أنشطته الطبيعية، كذلك تصاب النفس بحالات مرضية كالقلق والكآبة والهستريا والوسواس والانهيار وحالات التوتّر العصبي المختلفة. وهذه الحالات تكون غالباً السبب الأبرز في ظهور الأمراض العضوية، ولذلك كان لا بد من البحث عن العلاج الذي يمكّن النفس من العودة إلى وضعها الطبيعي، ومن ثمّ عودة الجسم إلى طبيعته أيضاً. حالة إيمانية ومن نعم الله تعالى علينا، أنه ركّب في النفس القدرة على استعادة الوضع الطبيعي، وتغيير الحالة المرضية، وتقبّل أوضاع أُخرى، وقد ذهب الأخصائيون في الطب النفسي إلى أنَّ أهم وسائل العلاج النفسي هو عملية التحليل النفسي، وكشف سبب العقدة والحالة النفسية، والعمل على التغلّب عليها. وذلك عن طريق الإيحاء النفسي للمريض، وتحليل المركّب المرضيّ المعقّد، ومن ثمَّ إفهام المريض الحالة المرضية بعد تبسيطها، ورفع معنوياته، وإقناعه بتقبّل المشكلة كحالة طبيعية، أو إزالتها بما يقدّم له من علاج مادّي أو نفسي، وبما أنَّ الدعاء حالة إيمانية، مبنية على أساس من الثقة بالله، والاعتماد عليه، والرضا بقضائه وقدره، مع التسليم والتفويض له، على اعتبار أنه الخالق والآمر والقادر على فعل ما يريد. فهو بذلك يحيي روح الأمل والحركة في النفس، ويكون هذا الإيمان سبباً مهماً من أسباب الشفاء من القلق والكآبة والتوتّرات النفسية الأُخرى، لأنَّه يؤدّي إلى نوع من النشاط الدماغي في الإنسان، يتمخض عنه انشراح في الصدر وطمأنينة في القلب، مع مزيد من الهمّة والشجاعة، والثقة بالنفس، وتقبّل الهداية، واستقبال المصائب بثبات وصبر. وهذا ما أكّده رب العزة في القرآن الكريم، إذ ذكر أنّ من آيات القرآن ما هو شفاء للقلوب وتنقية للنفس من حالاتها المرضية، فقال: ونُنَزّلُ منَ القرآنِ ما هوَ شفاءٌ ورحمةٌ، وقال: ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئنُّ القُلوبُ، وأخبرنا سبحانه أنّه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وأنّ الشفاء بيده، وأورد عدداً من الأدعية على ألسنة الأنبياء السابقين كأيوب وزكريا وغيرهما من البشر، وقد بين القرآن أثر الدعاء على حياتهم، وكيف استجاب الله لهم، وعادت لهم الصحّة والهدوء والاستقرار.. وفي السيرة النبوية أكّدت الروايات أن النبي كان يدعو للشفاء من المرض، ويحثّ على الدعاء للمريض، وأنّه كان يعوّذ الحسن والحسين بقراءة المعوّذتين (سورة الفلق وسورة الناس).. وعندما يأذن الله بشفاء النفس وطمأنينة القلب، تنعكس آثار هذا العلاج انعكاساً إيجابياً على الوضع الصحّي للجسم، فيشفى من معظم أمراضه العضوية، وتعود للجسم سيرته الطبيعية كما خلقه الله تعالى سليماً في تكوينه ونشاطه وفعّالياته، وبذلك يمكننا تصنيف الدعاء كعلاج علمي وسبب مؤثّر في نظام عمل الجسم بشكل طبيعي، يقول أحد العلماء: “إنّ الأطبّاء النفسانيين أدركوا أنّ الدعاء والصلاة والإيمان القوي بالدين، تزيل عوامل القلق والاضطراب والخوف والهيجان الباعثة على أكثر أمراضنا”. لكي يحقق الدعاء ثمراته لا بد أن يُحلّى بجملة من الآداب والأحوال التي بيَّنتها السنة المطهرة، وما ذلك إلا ليرغب المؤمن ويبادر للاستفادة، فتغنى حياته ويعمر قلبه وتنقشع غفلته، وقد ورد من الأوقات والأحوال الشريفة للدعاء: ليلة الجمعة ويوم الجمعة وجوف الليل ووقت السحر، وعند النداء وبين الأذان والإقامة وبين الركعتين وبعد الصلوات المكتوبة، وفي السجود، وعقب تلاوة القرآن الكريم، وبعد ختمه، وعند هطول المطر، وعند صياح الديك، وفي مجالس الذكر. وغير ذلك كثير، وقد حرص الرسول على مساعدة المسلمين لتتمكن قلوبهم من الانتفاع بآثار الدعاء الطيبة، فأرشد لخفض الصوت بالدعاء، وعدم التكلف في السجع، مع طهارة القلب وصفائه، والتضرع والإلحاح المشوبين بالخشوع والرهبة والرغبة. وكما أنَّ كلَّ العبادات لها أثر تربوي، كذلك الدّعاء له مثل هذا الأثر، فهو وسيلة للتربية السلوكية والتقويم والتزكية للنفوس أيضاً، فلا يصح أن يدعو المسلم إلا بخير، لنفسه وأولاده وأهله وأمواله. د. أنس محمد قصار
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©