الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آخر المتزلفين

آخر المتزلفين
7 أغسطس 2011 22:17
كان أول وآخر المتزلفين لجناب حضرتي، لم ادرك ذلك الا بعدما فقدته، لذلك تولّيت قيادة اوركسترا العويل مع إخوتي، حتى قبل أن يشرع في النزاع الأخير. نمر، نعم، نمر، كان اسم القاتل، الغريب أن الوالد والوالدة استقبلاه بترحاب، مع أن هذا النمر المزيف لم يكن سوى موظف بلدية صغير انيطت به مهمة تسميم الكلاب، كلما انتشر مرض السعار في المنطقة. ?لا أذكر كيف ادركت اللعبة لحظة دخول الرجل الى حوش البيت، ربما كنت بالسادسة، حتى الجرو أحس بهول ما يحدث فازداد التصاقاً بي وهو يرتعد، فاحتضنته ثم شرعت مع إخوتي بالزعيق، أخي نبيل لم يكتف بالمشاركة في الكورال، بل انغمس ايضاً في أداء رقصة تعبيرية وانهمك في التمرمغ فوق تراب الحوش ، اما اختي الصغرى التي لم تكن قد أكملت عامها الثاني بعد - حسب تقديري - فقد دوزنت صرخاتها الهستيرية مع رقصة المرمغة التعبيرية التي كان يؤديها نبيل بكل كفاءة واقتدار، أختي الأكبر نبيلة.. كانت أقل كرباً منا، لذلك فقد كانت تغش. إذ تفتح فمها على مصراعيه دون أن تصدر أصواتاً تذكر. متوهمة بأننا لن نكتشف خديعتها. ?بالكثير من التبجح نهض النمر، وأخرج قطعة لحم حمراء مكعبة بشكل لافت. غمسها بمسحوق أبيض ثم قرّب يده الممدودة من الجرو الذي لعقها بامتنان، لم يدرك الا متأخراً بأنه لعق يد الرجل غير المناسب وفي الوقت غير المناسب، أما أنا فقد نسيت حالة الحداد وهجمت على قطع اللحم وحاولت اختطافها من كف النمر قبل أن يقضمها الجرو؟ لكن النمر استأسد علي وردني بوحشية، فيما أكملت الأم المقرر وأوسعتني ضرباً وشتما وهي تصرخ مثل طرزان، وتقول وتكرر:?...... مسمومة يا بغل!!! لم أفهم في البداية ماذا تعني كلمة مسمومة، قطعة لحم حمراء رائعة توهب لجروي الذي توهمت بأنهم يتآمرون عليه، بينما يتعين علي الصمود لشهر أو أكثر قبل الحصول على قطعة مشابهة على الغداء. ?اقعيت متلمظاً وانا أحدق بالجرو وهو يلتهم قطعة اللحم بكل أبهة حتى أجهز عليها.. أصابته اولا حالة من المرح الزائد فور ازدراد المكعبات اللحمية، ثم صار يطارد ذيله ويدور حول ذاته مثل أي كلب مدلل، بعد قليل صارت حركاته أكثر عشوائية، ثم شرع يقع ويقوم بشكل مرتبك. ?هنا فقط ادركت حجم الكارثة، فقد تم تمويت جروي بواسطة قطع اللحم المكعبة، عدت الى قيادة اوركسترا الزعيق ، لكننا توقفنا عن العويل حينما بدأ الجرو يتمايل، صمت لم يقطعه سوى عويل الجرو المسكين.. سقط ثم قام.. سقط ثم قام ثم سقط.. ثم لم يستطع النهوض، فانجعى على جانبه، ثم جاهد ليأخذ وضعاً اقعائياً لكنه لم يفلح، ونجح فقط في أن يركي ذقنه على قدميه.. نظر الينا بقنوط، ثم نام.. نام الى الأبد. ?صمت أكثر حلكة انهال علينا، لم يقطعه سوى رشفة الشاي الأخيرة من براطم النمر، الذي زأر موجهاً كلامه للجميع: ادفنوه كويس..!!? ثم حيّانا وخرج، لكأنه قائد منتصر انهى للتو تفقد مهاجع جنوده الشجعان. ?كانت هذه أول مواجهة لي مع الموت، واذكر أني ارتعبت من الداخل وهزني قلق وجودي لا يليق بعمري، اذ كان علي أن أهرق المزيد من السنوات قبل أن ادرك أنني أيضاً قادر على الموت، واني سوف اتناول قطعتي المسمومة رغماً عني، لكني تعلمت أن لا آخذ اللحم من أيدي الآخرين وأن لا أتناوله الا اذا دفعت ثمنه عرقاً وجهداً، أيضاً. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©