الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا···دوامة الأكراد و العقاب الإسرائيلي

تركيا···دوامة الأكراد و العقاب الإسرائيلي
25 فبراير 2009 00:59
قديما قال نابليون ''لا مستحيل تحت الشمس''، وحديثاً جداً، وقبل مجيئه للشرق الأوسط مبعوثاً من قبل الإدارة الأميركية الجديدة قال جورج ميتشل ''لا يوجد نزاع مستعصٍ على الحل''· وبين المأثورة البونابارتية الفرنسية والتمني الأميركي عشرات، بل مئات، من المقولات المتشابهة، ولكن الواقع ربما أكد عكس ذلك تماماً· فكم هي الأمثلة التي تدحض تلك الحكم· وحتى لا نتوه في خضم لا نهاية له نتوقف فقط عند تركيا ونزاعها المزمن مع العناصر الكردية الانفصالية التي تستوطن شمال العراق· ففي غمار فرحة الأناضول بنجاح العملية البوليسية المثيرة، التي شاركت فيها عناصر استخباراتية خارجية ودارت رحاها على الأراضي الكينية في الخامس عشر من فبراير عام 1999 وأفضت إلى القبض على زعيم ''حزب العمال الكردستاني'' الإنفصالي، خرجت الميديا التركية في الحادي عشر من مارس العام نفسه، باحصائية تضمنت رصدا كمياً للهجمات الإرهابية التي شنها ''حزب العمال الكردستاني'' ضد قوات الأمن من جانب، والمنشآت المدنية من جانب آخر، كذلك عدد الجنود الذين سقطوا بين شهيد وجريح في المواجهات منذ أن بدأت عام ·1984 من هنا بدا كل هذا وكأنه إشارة إلى أن الحكومة الائتلافية بزعامة الراحل بولنت إجاويد '' أخيراً توجت نضال تركيا المرير في القضاء على الإرهاب وأن الهم الانفصالي تم وأده ''· لكن هيهات فقد مرت عشر سنوات كاملة على عملية نيروبي، والعام الحالي تحديداً يكون قد مضى ربع قرن على الصراع مع الانفصاليين الكردستانيين، ومازال الإرهاب يطل كرأس الأفعى بين الحين والآخر مستهدفاً الأرواح والممتلكات، وفي التخوم يتواصل قصف معسكرات الانفصاليين، ومعه يستمر نزيف الموت، وهو ما يعني أن القبض على عبدالله أوجلان الملقب من قبل أتباعه ( آبو) لم يكن نهاية المطاف، فالمخاض مستمر، وأصبح الخامس عشر من شهر فبراير مناسبة ينتظرها الأكراد سنوياً خصوصا في شمال العراق وكذا المقيمون في عدد من البلدان الأوروبية وبدرجة أقل الذين يعيشون في جنوب شرق الأناضول، كي ينظموا مظاهرات للمطالبة باطلاق سراح أوجلان· ورغم تلك الدوامة المستمرة، والتي ربما فاقت مثلث برمودا الشهير، فإن هناك الجديد المغاير الذي طفا على السطح سواء في الداخل أو الخارج حاملاً بدوره ظلالًا قد تترك آثاراً سلبية على البلاد· فللمرة الأولى يتسرب الشك لدى قطاعات (وأن كانت محدودة الآن ) من المجتمع التركي حيال جدوى استمرار العمليات العسكرية، يعززه شواهد حدثت بالفعل في ميدان المعارك بالمربع القريب من الحدود مع العراق ويشمل مناطق تونجلي وشيرناق، وأوروفا، وفّان (VAN)· وها هو الضجر ينتاب بعض المحللين الأتراك في عدد من وسائل الإعلام خصوصاً المقروءة من فرط ما سمعوه عن قرب النهاية التي لا تأتي! زاد عليه تلك المعلومات المتواترة وأفادت بعزم السلطات بناء سجن جديد لأوجلان (المحبوس بثكنة عسكريـــة في جزيرة إمرالي ببحــر مرمـــرة) حتى لا يكون بمفرده! وفي كتابات بدت مفرداتها شديدة القسوة، وجهت انتقادات حادة -وهو أمر غير مألوف- ضد المؤسسة العسكرية وتحميلها مسؤولية اختراق الانفصاليين وتمكنهم من نصب كمين أودى بحياة 15 من الجنود والضباط الاتراك ومضى الكتاب يتساءلون بقدر من السخرية: الجيش تحدث عن خمسة آلاف مقاتل إنفصالي فروا، وفي موضع آخر قال إنه قتل خمسة آلاف، وقد سبق وقيل أكثر من مرة عن قتل نفس العدد، ورغم ذلك مازالت العناصر الانفصالية تصول وتجول في الجبال الوعرة! وفي نهاية المطاف كان عليهم أن يناشدوا، أهل الحل والعقد، بتبني استراتيجية مختلفة في مواجهة ضد الانفصاليين؟ والحق أن القائمين على إدارة أمور البلاد أبدوا موافقتهم ضمنياً على ما ذهب إليه هؤلاء المحليون، غير أن عودة النخبة الحاكمة إلى تقييم أدائها، لا يجب أن يفهم منها أن تركيا بصدد جلد الذات بمعنى أنها لن تحذو صرخة الكاتب الإنجليزي ''ون أوزيون'' في مسرحيته ''انظر وراءك بغضب '' بمعنى استرجاع الماضي ونقده بجرأة، فهذا ليس وارداً، بل العكس هو الصحيح، والدليل على ذلك انفتاح المؤسسة العسكرية على قوى التشدد في المجتمع التركي· فقبل سنوات لم تخف تلك المؤسسة العسكرية امتعاضها تجاه هؤلاء الذين يسمون أنفسهم الذئاب الرمادية، واصفة إياهم بالمتطرفين الفاشيين لكن في سابقة هي الأولى من نوعها قام الجنرال رئيس الأركان أليكار باشبوغ بزيارة لمقر حزب الحركة القومية اليميني، يذكر أن الأخير يرفض بشدة أي سياسة من شأنها الاعتراف بأي ثقافة غير التركية أو إقرار لغة أخرى بجانب اللغة الأم· حزب ''العدالة والتنمية'' الحاكم من جانبه عاد من مرونته حيال الإشكال الكردي إلى تأكيد ثوابت الدولة في حربها ضد من يريدون تفتيــت البلاد وفي 30 و31 أكتوبر الماضي اجتمع بالعاصمة أنقرة ممثلون عن بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والبرازاني والطلباني والتركمان وفي المشاورات المكثفة التي جرت، استطاعت تركيا انتزاع موافقة الجميع على منع ''حزب العمال الكردستاني'' من العمل في شمال العراق ومحاربة الإرهاب الانفصالي، ليس ذلك فحسب، بل نجحت في الحيلولة دون طرح مصطلح ما يسمى كردستان العراق الذي ساد بعد حرب الخليج الثانية سواء في المناقشات أو بالبيان الذي صدر في ختام تلك الاجتماعات· وقبل أسابيع وفي العاصمة أنقرة وعقب مباحثاته مع نظيره العراقي، قال وزير الخارجية التركية علي بابا جان ''إن شل حركة حزب العمال الكردستاني في العراق هو الشرط الضروري لتطبيع العلاقات الكاملة مع بغداد، وكي يرى التعاون الاستراتيجي بين البلدين طريقاً للنور''· هوشيار زيباري من جانبه عزز هذا المطلب، وانطلاقاً من التفاهم المشترك بين البلدين، أكد زيباري على أن مركز قيادة مشتركا بين تركيا والعراق والولايات المتحدة سيقام في أربيل شمال العراق لمناهضة الانفصاليين· ولكن حدث ما لم يكن متوقعا فقد دخلت الدولة العبرية على الخط لا لتفسد مخطط أنقرة حيال الانفصاليين فحسب بل لإثارة جملة من المواجع أمام وريثة الإمبراطورية العثمانية بتذكيرها بمذابح الأرمن مروراً باحتلال شمال قبرص، وأخيراً ظلمها للأكراد وتلك هي أحد تداعيات دافوس· وليت الأمور تتوقف عند هذا الحد، فهجوم قائد القوات الجوية الاسرائيلية آفي مزراحي مؤخرا على تركيــا ما هو إلا صدى لخطوات طالبت بها الميديا الإسرائيلية لمعاقبــة تركيا ردا على مساندة حزب ''العدالة والتنمية'' الحاكم لحركة ''حماس'' الفلسطينية! وبالمناسبة قدم مزراحي اعتذاراً لنظيره التركي اليكار باشبوغ، وفي اعتقادي أن هذا الاعتذار ما هو إلا توزيع أدوار، فيقيني أن عقاب ما ينتظر أنقرة وسيكون على يد الدولة العبرية أما ما هو؟ فهذا ستظهره الأسابيع القادمة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©