الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشرق الأوسط ليس أوروبا

25 أغسطس 2014 00:08
مايكل إريك دايسون محلل سياسي أميركي في الأسابيع الأخيرة، شبّه عدد من السياسيين والمنتقدين الحربين الأهليتين الدائرتين في كل من سوريا والعراق بحرب الثلاثين عاماً، والحروب الأخرى التي تسمى عادة الحروب الدينية في أوروبا خلال أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر. ومن السهل أن نرى العوامل التي أدت إلى هذه المقارنة. ففي أوروبا، كانت معظم الأطراف المتحاربة من المسيحيين، ولكن كان بعضها يدعم البروتستانتية بينما كان بعض آخر يدعم الكاثوليكية. وفي الحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حالياً، كذلك يبدو معظم المتقاتلين من المسلمين، إما من السُّنة أوالشيعة. ورغم ذلك، ثمة أيضاً مجازفات عديدة كامنة في المقارنات من هذا القبيل. فالغربيون يميلون إلى رؤية التاريخ كخط مستقيم. وبمقارنة أوروبا في القرن السابع عشر مع الشرق الأوسط اليوم، نجد افتراضاً سائداً بأن الآخر قد يتبنى رؤية مختلفة عن «تقدم» الغرب التاريخي، من حيث أنه لا يزال يعاني هذا النوع من الخلافات الدينية التي وجدت حلولا لها في الغرب منذ قرون. وهذا افتراض خاطئ وخطير. ورؤية الشرق الأوسط اليوم كما لو كان أوروبا الأمس تشير أيضاً إلى أن المنطقة يجب أن تدفع ثمناً باهظاً من أجل الوصول إلى اتفاقية «وستفاليا عربية»، وهي تسوية تشبه تلك التي أنهت حرب الثلاثين سنة عام 1648. ولسوء الحظ، فإن «وستفاليا» هي جزء من المشكلة الحالية وليست بالضرورة حلا لها. ويستند نظام «وستفاليا» الدولي إلى الاعتقاد بأنه ينبغي تقسيم العالم إلى دول وطنية ذات سيادة، كل منها مسؤولة عن شؤونها الداخلية، مع الالتزام بالقيم المشتركة المنصوص عليها في القانون الدولي. والدين، في هذا البناء، غير معني بالسياسة، مع بقاء الدولة كحارس محايد للحقوق الدينية، والتي ينظر إليها باعتبارها جزءاً من حقوق الإنسان بالمفهوم الأوسع. وبالنسبة لكثيرين في الشرق الأوسط، فهذه الأفكار هي ببساطة جزء من الإمبريالية الغربية. وهناك خطر آخر تنطوي عليه هذه المقارنة هو استنادها إلى فهم خاطئ ومبسط للتاريخ الأوروبي. فالصراعات الأوروبية الحديثة مثل حرب الثلاثين عاماً ينظر إليها في الغالب كـ«حروب دينية». لكن في أوروبا القرن السابع عشر، كما هو الحال في الشرق الوسط اليوم، كانت الحقيقة أكثر تعقيداً من هذا بكثير. إن التوترات التي أدت إلى حرب الثلاثين عاماً في أوروبا ظلت تتفاعل لفترة طويلة، لكن الحرب نفسها تعود إلى القذف الشهير من النافذة في براغ عام 1618. فقد كان البروتستانت في «بوهيميا» غاضبين لأن ملكهم الكاثوليكي، وأحد المؤيدين للحركة الكاثوليكية المناهضة للإصلاح، كان يتدخل في بناء الكنائس البروتستانتية. ورداً على ذلك، قذف البروتستانت اثنين من الزعماء الإمبراطوريين الكاثوليك من النافذة. أما الحروب التي تلت ذلك التصرف فكانت في معظمها بسبب الصراع على السلطة والاقتصاد، كما كانت بسبب الدين. ومن الأسباب الرئيسية لنشوبها كان رفض الأمراء الألمان والأرستقراطيين البروتستانت قبول استبعادهم من الثروة والنفوذ السياسي للكنيسة الألمانية، التي ظلت محفوظة للكاثوليك في ظل دستور الإمبراطورية الألمانية المقدسة! وتداخلت ثلاث حروب كبرى أخرى على الأقل مع الحرب الدائرة في وسط أوروبا. فإسبانيا كانت محاصرة في معركة خاسرة ضد الاستقلال الهولندي، وهو الصراع الذي ينطوي أيضاً على عناصر دينية لأن الاستقلال كان مطلباً في المقام الأول للبروتستانت الهولنديين. كما خاضت إسبانيا حرباً منفصلة أخرى مع فرنسا خلال الفترة بين عامي 1635 و1659. وأخيراً، انخرطت السويد والدنمارك وبولندا وروسيا في سلسلة من الصراعات بسبب التنافس على منطقة بحر البلطيق وطرقه التجارية المربحة. وقد صاحبت كل هذه الصراعات جهود واسعة لحشد تأييد دولي وإقناع الآخر بأن «حرب بلادي هي أيضاً حربك». ورغم ذلك، أثبت التضامن الديني أنه كان ضعيفاً للغاية، وهذا ما جعل بعض أطرافاً في حرب الثلاثين عاماً تركزت على عنصر الدين في دعايتها. وهذا يختلف كثيراً عن الصراعات الحالية، التي استخدمت الدين باعتباره الدافع الأول. ورغم وجود النزاع في الحالة الأوروبية، فإن الدستور الإمبراطوري ظل مقبولا لجميع الأطراف لأنه ببساطة كان مسيحياً وليس مقصوراً على البروتستانت أو الكاثوليك. وبدلا من إبعاد الدين عن السياسة، واصلت اتفاقية «وستفاليا» المسار الذي تبناه «صلح أوجسبورج» عام 1555، مما زاد تعقيد الدستور الإمبراطوري، وجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للنزاعات المحلية للتركيز حول قضايا بسيطة وواضحة المعالم. وهناك تناقض آخر صارخ بين الحروب الأوروبية القديمة وصراعات اليوم، ويتمثل في الغياب الفعلي في القرن السابع عشر لحجج «الحرب المقدسة». فقد كانت كل الدول المتحاربة تستخدم جنوداً محترفين في حروبها. وحتى عند تعرض المتمردين البوهيميين البروتستانت لضغوط قاسية، كانوا يفضلون التفاوض مع السلطان العثماني المسلم لإمدادهم بقوات نظامية بدلا من تسليح فلاحيهم في الحرب المقدسة. وكانت الحرب لا تزال مقدسة بالمعنى الذي يفسره بها رجال الدين من جميع الأطياف كعقاب إلهي لخطايا طائفتهم. وبدلا من استخدام السلاح ضد جيرانهم، كان أبناء المقاطعة يتم حثهم على محاربة الشياطين الذين بداخلهم، وإصلاح سلوكهم ليتوافق مع المثل الرسمية للتقوى والطاعة الدينية. ولعل هذا يشير إلى قاسم مشترك واحد على الأقل بين الصراعات التي شهدها القرن السابع عشر وتلك الدائرة حالياً في القرن الـ21، وهو أن العلمانية كانت اعتقاد أقلية. فقد استطاع الأوروبيون في القرن السابع عشر التمييز بين المتشددين والمعتدلين. وفي نهاية المطاف، سادت البراجماتية عام 1648، رغم أن التسامح الحقيقي أثبت أنه أمر بعيد المنال لقرون. وفي بعض الأحيان، تكون أنصاف التدابير كافية لإيجاد تسويات لصراعات معقدة ومزمنة، وهذا هو الدرس الذي يمكن تعلمه الآن. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي انترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©