الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مثلث الرعب

مثلث الرعب
4 نوفمبر 2010 20:37
ارتبكت «نجاة» وظهرت عليها علامات الخوف، وتعثرت خطواتها وزاغت نظراتها وهي تطالع رقم الهاتف الذي يطلبها على محمولها الخاص، ادعت الانشغال في أشياء تافهة، وسكت الرنين، لكن المتصل عاود محاولته مرة أخرى خلال ثوان معدودة، بينما زوجها يراقب الموقف ويرصد كل حركاتها وكأنه يسمع دقات قلبها وصدرها يرتفع وينخفض، وأنفاسها تتلاحق متسارعة، لا يخفي على أي ناظر أنها في أزمة ومأزق لا تستطيع الخروج منه وموقف لا تحسد عليه، لم يسعفها التفكير في إيجاد حل للتعامل بحكمة مع الحدث، وإن كانت حاولت لكنها لم تهتد إلى وسيلة تنهي هذه اللحظة العصيبة التي لم تمر بمثلها من قبل، ازداد الأمر تعقيدا عندما سألها زوجها سؤالا استنكاريا، ما الذي يمنعها من الرد؟ هنا وجدت الحل، ادعت أن الرقم مجهول لها ولا تعرفه، لكن هذا الحل لم يجد مع معاودة الاتصال مرة ثالثة، هي تعرف أن زوجها الذي بدأ يكشر عن أنيابه وتملكه الغيظ، رجل فظ غليظ القلب، اكتسب من مهنته في العمل بالمذبح والجزارة قسوة غير معهودة، لا يؤثر فيه مشهد الدماء فقد اعتاد إراقتها كل يوم عدة مرات وخاصمته الرحمة، وهجرته الرأفة والمشاعر الحانية، صوته أجش يبث الرعب في النفس، تصرفه معروف مسبقا إذا ردت. كاد يفترسها وهو يصيح فيها ويأمرها بأن تجيب على نداء الهاتف، يريد أن يعرف من الذي ترفض زوجته أن تتحدث معه أمامه، ولولا أن في الأمر ما يريب لهرعت إلى الرد وضغطت على الزر، وحاولت أن تدعي أن المتصل أخطأ غير ان المفارقة كانت أخطر لان من كان على الجانب الآخر كان يأمرها ويهددها هو الآخر إذا أقدمت على إغلاق الخط، ارتكب حماقة وهو لا يدرك أن زوجها بجوارها، وكانت بين شقي الرحى، ازداد ارتباكها وحيرتها، أحمر وجهها، ارتعشت أطرافها، عجزت عن الكلام وكلا الرجلين ينتظر منها جوابا، المتحدث يريد موعدا للقاء والزوج يتعجل الكشف عن هذا المجهول من يكون، ليس بيدها الآن إلا أن تضحي بذلك البعيد لأن خطره أخف، أما الزوج فقد أمسك بشعر رأسها يجرها إليه ويطرحها أرضا، ويستل سكينا ويهددها بالذبح إن لم تعترف بالتفاصيل الكاملة، وبحقيقة العلاقة مع هذا الرجل، فما كان منها إلا أن جثت على ركبتيها، ثم هوت على قدميه تقبيلاً، تستعطفه وترجوه أن يمنحها الفرصة دقائق معدودة، لتشرح له كل شيء، وقبل ذلك تقسم له بغليظ الإيمان وتؤكدها أنها لم تخنه وانه حبها الوحيد والرجل الأول والأخير في حياتها وان هذا الرجل يطاردها، يريد أن يكرر لقاءها بعدما التقت به من قبل مرة واحدة بجوار منزله، ولم ترتكب أي خطأ ومنذ عدة أشهر وهو يلاحقها بالاتصالات وعجزت عن ردعه، وقالت لزوجها إنها مستعدة لان تفعل أي شيء مهما كان لتثبت له صدق ما تقول. سألها أينا تختارين أن يعيش، ومن يموت؟ أجابت بسرعة كأنها كانت تتوقع السؤال وتنتظره، بالطبع أريدك انت وحدك ولا أحد غيرك ولا استبدلك بكل رجال الدنيا، رغم الهزيمة والمرارة التي كانت في حلقه، فإنه شعر بنشوة مؤقتة وطلب منها ان تنفذ ما يأمرها به بلا تفكير أو تردد وبالحرف الواحد، أن تطلب هذا العاشق الولهان وتضرب له موعدا مساء اليوم في بيته، وقبل أن تذهب توبخه على غبائه لأنه لم يفهم من ردها أنها كانت في مأزق ولا تستطيع مجاراته في الحديث، ولم يفهم الورطة التي كانت فيها حتى عندما نادته باسم نسائي وذلك من قبيل حبكة الموقف، وقد فعلت حتى كاد يطير فرحا بهذا الاتصال الذي جاء من جانبها. في الموعد المحدد عندما حل المساء، توجهت «نجاة» وخلفها زوجها وكأنهما غريبان لا يعرفان بعضهما إلى حيث مكان لقاء الغرام، كان العشيق في انتظارها على أحر من الجمر، حتى وصلت إلى باب شقته، والزوج يراقب من بعيد، تعجل العاشق احتضانها قبل أن تدخل فدفعته إلى الداخل وهي تداعبه، كان متخففا من ملابسه نصفه الأعلى عار، واغلق الباب بينما الزوج يغلي، طرق الباب وإذا بالرجل يحاول أن يعانق زوجته، وهي تطلب منه التريث، لم يضيع الزوج وقتا واخرج سكين الجزارة الذي يعمل به وانهال عليه طعنا في أي مكان بجسده تصل إليه يده، والزوجة تلطم وجهها من هول المشهد، والعاشق يحاول أن يفر بحثا عن مهرب لكنه لم يجد غير الشرفة التي يعرف أنها في الطابق السادس أي أنه لا محالة ميت إذا ألقى بنفسه منها، أعيته الطعنات وخارت قواه، لم يعد قادرا حتى على الهرب في أي اتجاه، الدماء تتدفق غزيرة، سالت على الأرض وأغرقتها ولم يعد أمام المجني عليه في النهاية إلا أن يلقي بنفسه من هذا الارتفاع الشاهق، عساه أن يسقط على شيء يحفظ عليه حياته، لكن هيهات، هوى وارتطم بالأرض جثة هامدة بلا حراك، لا أحد يدري إن كان مات في وقت السقوط، أم في لحظة الارتطام بالأرض، المهم انه أصبح قتيلا. تجمع المارة على هذا المشهد المرعب، فالرجل لم يسقط فقط من ارتفاع، وإنما أيضا كان كالذبيحة وجسده ملطخ بالدماء، وسال بعضها حول جثته على الأرض، وفي اللحظات القليلة التي هبط فيها الزوج وزوجته، اكتشف السكان اللذين ارتكبا الجريمة واستطاعوا أن يمسكوا بهما ويسلمانهما لرجال الشرطة، ويعترف الجزار بأنه قتل عشيق زوجته فقط لأنه اكتشف انه يطاردها بالاتصالات الهاتفية، وانتقم لشرفه وكرامته، فلا يمكن لأحد أن يجرؤ على الاقتراب من حريمه. وفي الجانب الآخر كانت الزوجة تعترف بالحقيقة الغائبة التي لا يعرفها الزوج المخدوع وإلا كان مصيرها الذبح والسلخ، قالت إن زوجها انشغل بعمله وحياته مع الحيوانات والذبائح واهملها تماما ونسى أن له زوجة لها مشاعر وأحاسيس، ويقضي جل وقته خارج البيت وتعاني هي الوحدة والإهمال حتى تعرفت على هذا الرجل الذي استغل ظروفها، بثها كلمات الغرام التي تفتقدها، دغدغ مشاعرها، حتى كان بينهما ما كان، وتعددت اللقاءات بينهما، وأدمنا اللحظات المحرمة، وبعدها يستكملانها بالأحاديث الهاتفية، وكانت هذه اخر مكالمة، قلبت الأحوال، فبعد أن كانت الزوجة تقدم رأس زوجها لعشقيها قرباناً كي يخلو لهما الجو قدمت الزوجة رأس عشيقها فدية لرقبتها التي كانت ستقطع لولا احتيالها على زوجها الذي استمهلته واستغلت حبه لها، لكن النهاية في كل الأحوال واحدة، فالمعتاد أن يقتل الزوج ثم يتم القبض على الزوجة والعشيق ويدخلا السجن، وهنا قُتل العشيق ودخلت الزوجة والزوج السجن، انه الثالوث الخاسر في كل الأحوال لكنه يتكرر.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©