الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

"باولا ليتوماكي" نبوءة امرأة

29 سبتمبر 2006 23:25
السعد عمر المنهالي: تقول إحدى الأساطير التي حيكت حول السلطان العثماني ''عبدالحميد الثاني'' (1876-1909) أن عرافا اسرَ له بنبوءة أحزنته وأرقت عليه أيامه عندما أخبره أن إحدى جارياته الأرمينيات حامل منه وأنها ستلد ذكراً يكون سبباً في قتله وخراب الخلافة الإسلامية، فقرر السلطان على إثر هذه النبوءة إجهاض جواريه الأرمينيات إلا واحدة نجحت في الهرب بحملها بعيداً، فتعقبها السلطان وعندما لم يجدها دبّر مذابح الأرمن الأشهر في تاريخ الجرائم الإنسانية· تسببت الجارية الأرمينية في الأسطورة بنبوءة تسلب الأتراك مجدهم، أما الآن وبسبب الأرمن تحمل وزيرة فنلندية نبوءة سيئة الطالع عليهم، نبوءة قد تسلب الأتراك حلمهم في دخول الاتحاد الأوروبي بعد سنوات طويلة زادت على العقود الأربعة، داعبت مخيلتهم أن يصبحوا أوروبيين، فقد حذرت ''باولا ليتوماكي'' الوزيرة الفنلندية للشؤون الأوروبية تركيا -خلال نقاش دار بجلسة أمام البرلمان الأوروبي في السابع والعشرين من سبتمبر الجاري - حال أنها لم تحقق تقدماً في الإصلاح فسينعكس ذلك على كل عملية الانضمام، مؤكدة وأعضاء البرلمان الأوروبي على ضرورة أن تعترف تركيا ''بمذابح الأرمن كجزء من تاريخها وذلك في إطار سعيها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي·· فلابد لبلد ينوي الانضمام إلى المنظومة الموحدة أن يقر بماضيه''· عندما تولت فنلندا رئاسة الاتحاد الأوروبي تكفلت بأجندة الاتحاد، وأعلنت ضمن أولوياتها في فترة رئاستها تحقيق الإجماع في مسألة توسيع العضوية في الاتحاد الأوروبي، هذا بجانب عدد آخر من الأهداف التي أعلنتها زيادة درجة الانفتاح والشفافية للاتحاد، ويبدو أن وزيرة الشؤون الأوروبية ''باولا ليتوماكي'' قد قررت المضي في تنفيذ أهداف دولتها التي تتولى رئاسة الاتحاد بعدم الاستمرار في مراوغة الأتراك حول انضمامهم للمنظومة الأوروبية، فكان أن انتقدت صراحة سجل تركيا في الحريات الدينية وحرية التعبير، ودعت أنقرة إلى الالتزام بتعهداتها أمام الاتحاد الأوروبي!· عودة الماضي تركيا لم ترد على هجمة البرلمان الأولي وتصريح الوزيرة شديد اللهجة، إلا أن توجه ''على بابا جان وزير'' رئيس الوفد التركي في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي إلى هلسنكي أمس الجمعة ولقاءه رئيس الوزراء الفلنلدي '' ماتي فانهانين'' ووزير خارجيته ''إركي تووميوجا''، لن يكون بمنأى عن تصريحات الوزيرة الفنلندية شديدة اللهجة، والتي تأتي بعد عام تقريباً من موافقة الاتحاد الأوروبي على بدء مفاوضات انضمام تركيا إليه، يعني بالضرورة أن أنقرة تستعد لرد ما، وهو ما عليها تداركه سريعاً سيما بعد أن أدلى الرئيس الفرنسي دلوه في الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري عشية زيارته إلى أرمينيا، في تأكيد لتصريح الوزيرة وموقف أعضاء البرلمان الأوروبي· وعلاقة ''بولا ليتوماكي'' بالاتحاد الأوروبي ليست جديدة رغم حداثة عمرها، فهي من مواليد بلدة ''كومو'' شمال شرق فنلندا عام ،1972 إذ أنها كانت عضوة ونائبة لرئيس الوفد الفنلندي في الاتحاد الأوروبي بعد أقل من ثلاث سنوات من عضوية بلادها في الاتحاد التي أقرت عام ،1999 وهو العام الذي اختيرت فيه نائبة في البرلمان الفنلندي عن حزب فنلندا المركزي· رغم دراسة ''بولا'' للعلوم الاجتماعية التي حصلت على شهادتها عام 1996 ومن ثم الاقتصاد وإدارة الأعمال، إلا أن العمل السياسي كان وجهتها العملية بعد أن رشحت عن دائرتها الانتخابية في البرلمان وهي لم تكمل عقدها الثالث بعد في بلد يعد الرائد عالمياً في منح النساء حقهن السياسي، ولعل هذا يبرر إلى حد ما استخدامها هذه اللهجة الحادة مع أنقرة، وقولها في معرض حديثها إنها لا تتخيل دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي لا تحترم حرية التعبير، في إشارة إلى قانون 301 التركي الذي يجرم إهانة القومية التركية، سيما وأن التصويت الصادر من البرلمان حول تقييم الإصلاحات التي قامت بها تركيا كان كافياً لإيصال الرسالة إلى أنقرة· يدرك الأتراك جيداً أن قبولهم في منظومة الاتحاد الأوروبي ليست بالمسألة اليسيرة، وإن كان البعض لا يرى في الأمر أكثر من حجج واهية لا مبرر لها سوى التخوف من دخول بلد أغلبية مسلمة إلى الاتحاد المسيحي، وهو سبب وإن كان حقيقياً إلى حد ما، غير أنه ليس محورياً في قضية قبول عضوية كاملة لتركيا، فالمسألة التركية في الاتحاد الأوروبي قد لا تقل أهمية وتعقيداً عن مسألة رجل أوروبا المريض التي كان يتعامل معها الأوروبيون قبل الحرب العالمية الأولى· أزمة اعترافات فبعيداً عن التخوف الأوروبي من المد الإسلامي، على أنقرة أن تثبت للأوروبيين جديتها في الالتزام بمبادئهم المنصوص عليها في شروط قبول الأعضاء في المنظومة، وهو ما لا يزال محل خلاف لا يبدو حله قريباً على المدى المنظور، فتشابك الملفات أمام المفاوض الأوروبي يعقد المسألة، فحين يتحدث الأوروبيون عن أهمية احترام الأتراك لـ''بروتوكول أنقر'' الموقع الذي يقر بموافقتها على توسيع اتحادها الجمركي مع دول الاتحاد، يصطدمون بملف علاقات تركيا بقبرص وعدم الاعتراف بها، ورفضها تطبيع علاقتها بها بل وتمنع سفنها وطائراتها من دخول حدودها، وهو ما يعتبره الكثير من المسؤولين الأوروبيين سبباً كافياً لإثارة أزمة في العلاقات بين أنقرة وبروكسل عاصمة الاتحاد، وقت عرض التقرير التقويمي في نوفمبر المقبل ،2006 إذ يصر النواب الأوروبيون على أن ''اعتراف كل الدول الأعضاء بما فيها قبرص يشكل عنصراً أساسياً في عملية الانضمام''· غير أن هذا الاعتراف المنتظر من الأتراك ليس الوحيد، فالأوروبيون يرغبون باعتراف آخر قد يكون أشد قسوة ووطأة على الأتراك وهو الإقرار بمذبحة الأرمن التي حدثت عام 1915 وقتل فيها مليون ونصف مليون أرمني على يد قوات الدولة العثمانية، وهو ما يصر عليه بعض الأوروبيين بقولهم: ''لابد لدولة على طريق الانضمام من أن تتناول ماضيها وتعترف به''، وذلك في الوقت الذي يعتبر فيه مجرد فتح هذا الموضوع في تركيا من المحرمات التي يعاقب عليها القانون التركي! ويبدو أن الاعترافات ليست قضية الأتراك فقط مع جيرانهم الشماليين، فملف حقوق الإنسان في تركيا وارتباطه بالإصلاحات الديمقراطية، يعقد مسألة الانضمام ويزيدها صعوبة على الأتراك قبل الأوروبيين، سيما وأن قانون 301 من القانون الجنائي التركي قد هدد خلال هذا العام - أي منذ بدء مفاوضات الانضمام- الكثير من الصحفيين والكتاب الأتراك ما يقارب الثمانين صحافياً حسب مصادر أوروبية بتهمة التطاول على القومية التركية، وهو ما راقبه الأوروبيون جيداً خلال هذه الفترة سيما قضية الروائية ''اليف شفيق'' التي أشارت في روايتها الأخيرة وعلى لسان إحدى شخوصها إلى مذبحة الأرمن، وإن كانت الدعاوى المقدمة ضد الكتاب والصحفيين لم تكن للدولة دخل بها، إلا أن مجرد وجود قانون يقدس القومية التركية ويمنع الآخرين من التعبير عن رأيهم بشأنها يعد من انتهاكات حقوق الإنسان الذي يصر الأوروبيون على سموها على أي مبادئ أخرى· صحيح أن النقد الذي وجهته وزيرة الشؤون الأوروبية الفنلندية والذي جاء بعد تصويت البرلمان على تقرير ''اورليجز'' حول ما أنجز من إصلاحات في تركيا منذ بدء المفاوضات -صوت له 429 مقابل 71 رافضاً- لا يعد نهائياً بشأن تقرير مستقبل انظمام تركيا للاتحاد، إذ يعد رأي البرلمان استشارياً، كما هو موقف الوزيرة، إذ تعد الكلمة الفصل في هذا الأمر إلى المفوضية الأوروبية التي من المنتظر أن تجتمع في الثامن من نوفمبر المقبل، وإن كان لا يتوقع أن يخرج عما توصل إليه البرلمان الأوروبي، غير أنه بالتأكيد ستكون لهجته أقل شدة، سيما وأن هناك أوروبيين يصرون على علاقة مميزة مع تركيا مما يجعل إمكانية تعليق المفاوضات أمراً غير وارد، لما له من آثار سلبية على الاتحاد قبل تركيا، وإن كان هذا لا يعني عدم صدق النبوءة !!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©