الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

د. خالد المذكور: المسلمون غير مهيئين الآن لتطبيق الشريعة.. ولكل دولة ظروفها

د. خالد المذكور: المسلمون غير مهيئين الآن لتطبيق الشريعة.. ولكل دولة ظروفها
6 أغسطس 2013 00:30
حاوره: حسن عبدالله - الكويت هي المؤسسة الرسمية الوحيدة والدائمة التي تعمل على تقنين وتطبيق الشريعة في العالم الإسلامي الآن، وتستلهم تجربتها دول عربية عدة منها ليبيا وتونس. اللجنة العليا لاستكمال تطبيق الشريعة أنشئت منذ نحو 22 عاماً، وتتبع الديوان الأميري الكويتي وتضطلع منذ ولادتها بمهمة تنقية القوانين السائرة مما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وتقترح مشروعات بقوانين إسلامية بديلة. وتجسد اللجنة نموذجا مهماً للعمل المؤسسي في مجال الشريعة، حيث ينبثق منها خمس لجان هي: التشريعية والاقتصادية والإعلامية والتربوية والاجتماعية، وتسعى جميعها إلى استنباط الأحكام الشرعية وتحويلها إلى مشروعات بقوانين، ورفعها إلى الديوان الأميري الذي يحيلها بدوره إلى مجلس الوزراء، ومن ثم يعرضها على مجلس الأمة الكويتي. وتقدم اللجنة المشورة للجهات التنفيذية والتشريعية فيما يخص التشريعات والقوانين ومدى اقترابها وابتعادها عن الشريعة. وعلى الرغم من هذا العمل المنظم والمؤسسي، فإن هناك من ينتقد عمل اللجنة، بل ويصفه بالفشل في تقديم نموذج شامل ومتكامل لتطبيق الشريعة الاسلامية. وحسب رؤية هؤلاء المنتقدين ــ ومنهم د.اسماعيل الشطي الذي ألف كتاباً بعنوان «الاسلاميون ونظم الحكم المعاصرة» خصص جزءا منه لموضوع تطبيق الشريعة ــ فإن اللجنة لم تنجز خلال 22 عاماً سوى 10 مشروعات لقوانين إسلامية لم يتم تطبيق معظمها، وإن تعقيدات الحياة المعاصرة اضطرت لجنة الشريعة ودفعتها الى «مسايرة الواقع» ومحاولة اضفاء «المشروعية» على القوانين السائدة عبر العمل على تنقيتها مما يتعارض مع الشريعة، وجزم د.اسماعيل الشطي في كتابه عن أن الاخفاق سيلازم أي محاولة عصرية لتقنين وتطبيق الشريعة انطلاقاً من عدم اقتصارها على مجرد صياغة مشروعات قوانين، وعدم استيعاب معظم العاملين في هذا المجال لشمولية الشريعة وآفاقها الواسعة التي تتجسد في بناء دولة حديثة، وتقديم فلسفة بديلة عن الفلسفة المادية السائدة الآن وصياغة دور محترم للإنسان المعاصر لا يراه مجرد آلة للاستهلاك وانما كخليفة لله في الأرض. وقبل كل هذا احترام مفاهيم تطبيق الشريعة للمعاهدات الدولية والحقوقية، وخاصة ما يتعلق بحقوق الانسان وفي المقدمة منها حقوق المرأة ومنجزاتها العصرية. وثمة أمور أخرى وقضايا ساخنة متنوعة في إطار البحث عن سر فشل تطبيق الشريعة حتى الآن وضعتها على بساط الحوار المطول الذي أجريته مع رئيس لجنة استكمال تطبيق الشريعة في مكتبه باللجنة د.خالد المذكور الذي فتح قلبه وعقله وتحمل كل ما أطلقته في وجهه من اتهامات وانتقادات وقضايا، واجاب عليها برحابة صدر فيما لم تفارق وجهه تلك الابتسامة وذلك السمت الراقي الذي يتميز به العلماء الربانيون. قلت له: أنت تترأس لجنة استكمال تطبيق الشريعة منذ إنشائها فماذا تمثل بالنسبة إليك؟ ــ دخالد المذكور: بعد مرور 21 سنة ودخولنا في العام الـ22 حيث أنشئت في ديسمبر، أقول إن اللجنة أعطتني أنا وإخواني العاملين فيها عمقاً مهماً لمعرفة حقيقة تطبيق الشريعة في أي من المجتمعات. فاللجنة من خلال دراساتها وندواتها وأبحاثها ومناقشة مشروعات القوانين واللقاءات مع المفكرين علمتنا وأخذتنا إلى بعد مهم في كيفية تطبيق الشريعة الإسلامية في أي بيئة من البيئات، حيث يختلف ذلك باختلاف كل بلد وما يتعلق بظروفه الخاصة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. تعلمنا من اللجنة كذلك أن الشريعة الإسلامية ترتكز على مبادئ وأسس ينبغي تطبيقها قبل الدخول في القوانين. تعرفنا أيضاً على اجتهادات المجتهدين من خلال مؤتمرات مجامع الفقه الإسلامي، والأخرى التي تبحث في القضايا المعاصرة وكيفية تطبيق الاقتصاد الإسلامي والتربية الإسلامية. ظروف الكويت ماذا عن ظروف الكويت في تطبيق الشريعة الإسلامية؟ - دائماً ما أقول إن الكويت بلد قليل في سكانه صغير في مساحته كل أهله مسلمون متعارفون، فيسهل تطبيق الشريعة فيه. وينص دستور الكويت على أن دستور الدولة ودينها الإسلام، وأن الشريعة مصدر رئيسي من مصادر التشريع، وبالتالي يختلف تطبيق الشريعة في الكويت عن بلد آخر كبير في مساحته وفي عدد سكانه، ومتعدد الأعراق والأديان والطوائف واللغة واللهجات، ففي مثل هذا البلد الكبير قد تجد صعوبة في تطبيق الشريعة، وقد تختلف الوسائل التي تطبقها من خلالها. ففي نيجيريا وإندونيسيا، وهما دولتان إسلاميتان كبيرتان، فيهما الكثير من الأعراق والأديان وبالتالي يختلف التطبيق تماماً عن دول مثل الكويت أو الإمارات وغيرهما. وللعلم فلدولة مثل ماليزيا تجربة مهمة في تطبيق الاقتصاد الإسلامي من خلال البنك المركزي، وقد استضفنا محافظ البنك المركزي الماليزي ومحافظي البنوك المركزية في دول الخليج في مؤتمر خاص بالكويت. والخلاصة أن المجال قد يكون مهيأ لتطبيق أحد جوانب الشريعة، فيما يمكنك إرجاء بعض الأمور لحين توافر الظروف المناسبة. البداية كيف نبدأ تطبيق الشريعة الاسلامية في رأيك؟ ــ نبدأ بالمبادئ والأسس التي تقيم المجتمعات. ومنها رفع الحرج عن الناس وتوفير الأمن والأمان والغذاء والحرية للشعوب، أخذاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «من بات آمنا في سربه معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، لابد من تحقيق هذه الشروط أو المبادئ قبل الحديث عن تطبيق الشريعة الاسلامية. وتنسحب هذه الشروط على الدول أولا بحيث وجب عليها أن تحقق الأمن والشروط الصحية المناسبة، والغذاء الذي يسد حاجة الانسان. وإلا فكيف نطبق شرع الله على شعب يعاني من الانفلات الأمني أو من انتشار الأمراض والأوبئة، أو يعاني من الجوع أو من قلة الغذاء أو يحصل عليه بشق الأنفس! كيف نضيق على الناس ونروعهم بالحدود وهم لا يجدون قوت يومهم أو لا يأمنون على أنفسهم في أوطانهم! هذه أهم ركائز ومبادئ الشريعة الاسلامية، وبعدها يأتي تطبيق القوانين الأخرى. ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه بدأ الاسلام بنشر العقيدة الصحيحة فركز القرآن المكي على العقيدة حتى ينقيها، ثم عمل على بناء المجتمع المسلم عندما انتقل إلى المدينة المنورة التي تشبه المجتمعات المعاصرة من حيث التعددية، فكان في المدينة اليهود والمنافقون والمهاجرون من مكة، والأنصار. وهذه الاصناف لا تخرج عنها أي مدينة أو دولة معاصرة. وقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كي يقوي المجتمع المسلم ثم انشأ دستوراً يعتبر من أعرق وأفضل الدساتير الإنسانية التي تدرس الآن، وهو دستور دولة المدينة، الذي أسس لمعنى المواطنة الحديثة قبل أن تعرفها البشرية كلها. هذا الدستور الذي حدد الحقوق والواجبات بناء على دور الفرد في المجتمع، وليس على دينه أو عرقه أو قبيلته، ووحد هذا الدستور كلمة مجتمع المدينة في مواجهة الاعداء الخارجين. ماذا أضافت لك لجنة الشريعة علمياً؟ ــ أعطتني التجربة العملية الحية المشاهدة، فقد درست الشريعة الإسلامية في الأزهر منذ أن كنت طالباً في المعهد الديني وحتى الدكتوراه ودرستها في كثير من الجامعات والمعاهد، وكل ذلك كان نظرياً. إلا أن اللجنة أدخلتني في عمق الواقع وتجلياته وتعقيداته والمثل يقول: «اللي إيده في الميه مش زي اللي إيده في النار». فالحماس والشعارات لا تقدم للشريعة الإسلامية شيئاً، وإنما لابد من وجود العقل الذي يضبط ويرصد حركة المجتمعات ويوائمها مع الواقع لقد علمتني اللجنة الهدوء الذي هو سمت الشريعة وزينة العلماء في مواجهة الواقع والصعاب. لكن هناك الكثير من الانتقادات التي توجه لعمل لجنة الشريعة؟ - نعم هناك همز ولمز حول عمل اللجنة ولذلك حاولنا احتواء الكل، وقدمنا لهم «نموذج» تطبيق الشريعة وليس التجربة لأن الشريعة لا تجرب، وهو نموذج تقدمه الكويت لمفهومها للشريعة الإسلامية. جمعنا الكتاب والتيارات السياسية المختلفة، وما زالت على علاقة طيبة مع الليبراليين والعلمانيين. وهو أحد الدروس التي تعلمتها من خلال العالم الواسع لشريعتنا السمحة، ولذلك فهم يأتون إلينا ونحن نذهب إليهم. لجنة دائمة هل لجنة الشريعة بالكويت هي اللجنة الوحيدة الدائمة في العالم الإسلامي؟ - لعلها في العالم كله. كانت هناك لجان شبيهة في ماليزيا وباكستان أيام ضياء الحق وبعض الدول الاسلامية لكنني أظن أننا اللجنة الوحيدة الدائمة في العالم الاسلامي. وكانت في بدايتها مؤقتة لكن صدر مرسوم أميري لها عام 1997 بأن تكون لجنة دائمة، وهناك لجان شبيهة تابعة لبعض الوزارات في بعض الدول الاسلامية لكنها لجان فرعية ومؤقتة. توجهات رسمية أليس إلحاق لجنة التشريعات بالديوان الأميري قد يقيدها بالتوجهات الرسمية للدولة؟ ــ بالعكس فنحن نعمل بحرية تامة ولا يتدخل أحد في عملنا أو يملي علينا مسؤول ما تعليمات خاصة، بل إن إلحاق لجنة الشريعة بالديوان الأميري جعلها على اتصال مباشر مع صاحب القرار، ولذلك فإن إنجازاتنا تذهب مباشرة إلى سمو الأمير الذي يحيلها إلى مجلس الوزراء الذي يعرضها بدوره على مجلس الأمة. إنجازات ماذا أنجزتم من مشاريع قوانين إسلامية طوال عملكم الذي يقترب من ربع قرن؟ ــ لدينا اللجنة التشريعية التي تقوم بصياغة مشروعات القوانين، وأعضاؤها من رؤساء مجلس القضاء السابقين، وكانوا يعملون معنا بأشخاصهم لا بوظائفهم. رئيس اللجنة التشريعية المستشار عبدالله العيسى كان عضواً في مجلس القضاء الأعلى وقد تقاعدوا من وظائفهم القضائية، لكنهم ما زالوا يعملون معنا. وهم مخولون باعتبارهم متخصصين بصياغة مشروعات القوانين وبمراجعة القوانين السائدة وتعديلها إلى ما يوافق الشريعة الإسلامية، كما حدث في قوانين المدني والمرافعات والاثبات والمصارف والجزاء، ومشروع قانون الرعاية الاجتماعية للمسنين الذي اصبح قانوناً معمولاً به، وقانون العمل التطوعي في الكويت. وهذا ما يخص انجاز اللجنة التشريعية فحسب. لكن هناك تعاونا وتنسيقا بين اللجنة التشريعية واللجان الأخرى، كما هي الحال في دراسة قوانين عجز الموازنة العامة التي تمت بالتعاون بين اللجنتين التشريعية والاقتصادية: على سبيل المثال نحن لدينا لجان عدة تعمل في كل المجالات من أجل تقنين وتطبيق الشريعة. وقد أنجزنا نحو 20 انجازاً ما بين تشريعات ومشروعات قوانين، ودراسات اقتصادية وإعلامية وتربوية واجتماعية. معظم مشروعات القوانين التي انجزتموها وضعها مجلس الأمة في إدراجه ولم يعمل على تطبيقها؟ ــ الحقيقة أن مشروعات القوانين التي أحيلت إلى مجلس الأمة كقوانين: المدني والمرافعات والاثبات انتهى المجلس من مناقشتها وإقرارها وأحالها إلى مجلس الوزراء الذي أقرها لكن مازال لدى الحكومة مشروع قانون الجزاء، ولم تتم احالته إلى مجلس الأمة. وأبقينا العقوبات المنصوص عليها في القانون الحالي كالسجن والغرامة وغيرهما وسميناها «التعازير»، ولم نضف إلى قانون الجزاء سوى «الحدود الشرعية». ونحن كلجنة استشارية نرفع الانجاز لسمو الأمير وينتهي دورنا عند ذلك، ومع هذا فنحن نلبي دعوة مجلس الأمة لشرح مشروعات القوانين التي انجزناها للاعضاء. واقترحنا نظاماً تربوياً إسلاميا فذهب مباشرة عبر الآلية المعتادة إلى وزارة التربية وليس مجلس الأمة لأنه مقترح وليس قانونا. وقدمنا كذلك مشروع الرؤية المستقبلية لقانون التعليم الديني في الكويت للقرن الحادي والعشرين. إنجاز نحو مشروعات 10 قوانين خلال 22 سنة.. هل تعتبره انجازاً؟ ــ نقوم بواجبنا ومازلنا ننجز الكثير من الدراسات، وندرس الآن نحو 15 قانوناً في اللجان الفرعية لجعلها تتوافق مع الشريعة الاسلامية. المشكلة ليست فينا ولكن هناك مشروعات قوانين يمر عليها الفصول تلو الفصول التشريعية في مجلس الأمة دون أن تنجز نتيجة عدم اكتمال مدة المجلس. لقد مر علينا نحو 5 دورات مجلس أمة خلال عامين، ولم يتم أي مجلس فيها مدته. وقد تراكمت مشروعات القوانين من كل المجالات في إدراج المجالس المتتابعة التي يتم إبطالها أو حلها. انجاز تعديلات القانون المدني جاء بإرادة أميرية إلى مجلس الأمة الذي شكل لجنة مصغرة لإقرار القانون بناء على رغبة الأمير الراحل الشيخ جابر. كتب د. اسماعيل الشطي كتاباً أشار فيه إلى أن عمل اللجنة اصطدم بالواقع وأنها ــ أي اللجنة ــ اضطرت إلى مسايرة الواقع أو اصطحابه حسب تعبيره؟ ــ د. اسماعيل الشطي صديق عزيز، وقد زارني في اللجنة مؤخراً وأهداني كتابه وقرأته. واعتقد أنه يركز على الجانب السياسي، ويقيس النماذج الموجودة على ما كان أيام الخلافة الإسلامية وغيرها. ونحن في اللجنة استوعبنا هذا كله وخصوصا ما يتعلق بدار الحرب ودار الإسلام، فالواقع قد تغير والمصطلحات والمفاهيم ليست وقفا على ما ذكره الفقهاء وإنما نعيش في واقع معاصر تفتح فيه الكثير من الدول الغربية ذراعيها لطالبي الرزق أو الأمن والأمان من المسلمين، وقد تجنسوا بجنسية هذه البلاد، وبالتالي لم يعد هناك مجال للحديث عن دار الحرب أو دار الإسلام. د. اسماعيل الشطي قال إن صعوبات الواقع المعاصر دفعتكم إلى مسايرتهما جعل اللجنة لم تنجح في اصدار سوى مشروعات 10 قوانين فقط؟ - انا تحدثت معه أخيراً، وشرحت له العقبات. لم نتوقف عند تعديل القوانين وانما أخذنا الشريعة بشمولها: تربويا واقتصاديا واجتماعياً واعلاميا ثم إننا نعمل على «تهيئة الاجواء» لتطبيق الشريعة. كيف؟ ــ من خلال الندوات والمؤتمرات ومشاركة المجتمع في قضايا كثيرة. فاللجان التي شكلها الراحل د. صوفي أبوطالب عملت فقط من خلال مجلس الشعب لإنجاز مهمة محددة هي مشروعات القوانين، لكننا في المرسوم الأميري مطالبين بتهيئة الأجواء مع دراسة القوانين السارية وتعديلها لتتوافق مع الشريعة الإسلامية. وبدأنا بالتعريف باللجنة لمدة سنتين، ثم واجهتنا عقبات ادارية ومالية فيما يخص الميزانية ومقر اللجنة، وعندما بدأنا الانجاز كان قد مضى على إنشاء اللجنة نحو 3 سنوات. ودراسة القوانين وتنقيتها تحتاج إلى وقت طويل، وهذا هو ما جعل د. إسماعيل الشطي يقول إنه مضى على اللجنة 20 عاماً، ولم تنجز إلا عدداً قليلًا من المشروعات والآن نحن لدينا نحو 20 انجازاً، وبالإضافة إلى عملنا المكلفين به وفق المرسوم الأميري، فإننا نبدي النظر في مشروعات القوانين التي ترسلها إلينا الحكومة أو مجلس الأمة. هل هذا الكم مما تصفه بالإنجازات فيما يقترب من ربع قرن يرضيك ويرضي المتابعين لعملك؟ ــ نعم وذلك لأني رأيت كيف تنجز الدول مشروعات القوانين الإسلامية. فقد زرت إيران ورأيت أنهم لم ينتهوا من قانون الجزاء حتى الآن، ونحن قد أتممناه وفرغنا منه وهم دولة وثورة قامت منذ عام 1979. وكنا قد انتهينا من الكثير من القوانين الاقتصادية فيما كانت ماليزيا تسعى إلى تطبيقها. وعندما زارنا اول رئيس لمجلس الشورى السعودي ورأى العمل في اللجنة قال: الله يعينكم وطلب الاستعانة بتجربتنا في العمل على تطبيق الشريعة. نحن في اللجنة أسرع في العمل من كثير من الدول التي تعمل على تنقية القوانين أو تطبيق الشريعة. سأكرر سؤالي: إلى أي مدى اصطدمتم بالواقع في عمل اللجنة؟ ــ اصطدمنا بالواقع فيما يخص الآليات، فعندما تحال مشروعات القوانين إلى مجلس الأمة.. هنا تأتي العقبة الكؤود وهي: متى يناقش مجلس الأمة ما أنجزناه! فخلال السبع سنوات الماضية لم يكمل مجلس الأمة مدته القانونية، كما أن هناك قضايا ملحة تكون لها الأولوية في المجلس. والعقبة الثانية هي التغييرات الوزارية المتلاحقة، فهناك وزراء بعيدون عن مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية ولا تعنيهم، كالراحل الدكتور أحمد الربعي الذي أوقف تدريس مادة القرآن الكريم وعانينا منه معاناة كبيرة. كما أن البعض مع إنشاء لجنة للشريعة كانوا يعتقدون أننا لجنة خيرية أو للزكاة، وكانوا يسخرون منا، وهناك من كان يتخوف من اللجنة ويقول إننا سنحول الكويت إلى سودان أخرى. وثمة من كان متحمساً لتطبيق الشريعة كالخطباء الذين يضخون دفقات إيمانية عاطفية من خلال المنابر دون معرفة أبعاد الشريعة أو معالمها، وكذلك أصحاب الشعارات السياسية التي يرفعونها ويطالبون بتطبيق الشريعة. لذلك فقد كبحنا جماح المتعجلين، وأمّنا خوف الخائفين أو المتحفظين، وأعطينا تجربتنا للمؤيدين، وحيّدنا المخالفين. هذا الواقع الذي نعيشه شكلته قوانين أخرى وثقافة العولمة، فكيف ستتعاملون معه؟ ــ نتعامل معه من خلال «تهيئة الأجواء» لتطبيق الشريعة الذي حدثتك عنه، عبر الذهاب للناس في منتدياتهم وتعريفهم بالشريعة الإسلامية التي هي ليست مجرد قوانين تصاغ، وإنما عالم واسع من الثقافة والتربية وغيرها. لقد استضفنا كبار العلماء والدعاة في العالم الإسلامي أمثال الشيوخ الراحلين الشعراوي والغزالي وصلاح أبو اسماعيل. مطبقة تماماً قلت لي من قبل إن الشريعة الإسلامية مطبّقة في الكويت بنسبة %95 تقريباً، فهل ينحصر كل عملكم في الـ%5 المتبقية؟ ــ هذا فيما يتعلق بالقوانين، فالقانون المدني الذي يتضمن 1080 مادة لم نعدل منه سوى 40 مادة، والبقية كلها لا تتعارض مع الشريعة. ولذلك سميت اللجنة لجنة «استكمال» وليس تطبيق الشريعة. فشل التجارب في رأيك لماذا فشلت تجارب تطبيق الشريعة الإسلامية في غالبية الدول الإسلامية حتى الآن؟ - لأنهم لم يفهموا الواقع، ولم يعرفوا الأولويات والمتطلبات ولم يتعلموا المبادئ والأسس. فقبل أن تطبق النصوص لابد من تهيئة النفوس، عليك أن تبشر بالشريعة ولا تنفر. والسيدة عائشة رضي الله عنها قالت لو قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تشربوا الخمر أو لا تزنوا لما انصاعوا لكنه صلى الله عليه وسلم استمر 13 عاماً، وهو يركز على العقيدة وترسيخها في النفوس، وهو ما يجب أن نبدأ به لأن مفاهيم الناس وعقولهم متباينة. مهيأون أم لا؟ هل نحن مهيأون الآن كمجتمعات لتطبيق الشريعة؟ ــ على الرغم من وجود شباب يعيشون صحوة إسلامية والتزام الكثير من المجتمعات بالأخلاقيات الإسلامية، فإننا غير مهيئين لذلك التطبيق الذي يحتاج الى إنسان وبيئة صالحة لذلك. نحتاج إلى مجتمع آمن ومطمئن وشبعان وحر وتمت صياغة فكره إيمانياً كي نبدأ في تطبيق الشريعة فيه. العلاقات الاجتماعية الآن في أزمة. يجلس الأب والابن والأم وكل سابح في عالمه على «تويتر» أو «فيس بوك» يحدث هذا مع أولادي وأحفادي الذين يجتمعون معي يوم الجمعة على الغداء أو على الإفطار في رمضان. نجلس معاً في غرفة واحدة ومع هذا فكل غارق في عالمه الافتراضي. أقول لهم: لنتحدث مع بعضنا فقط خلال الغداء أو الإفطار ثم عودوا الى دنياكم لكنهم لا يستطيعون الفكاك! من هنا فنحن نحتاج إلى ما يمكن تسميته بـ«تعديل الأوضاع» في مواجهة وسائل الإلهاء والتواصل الموجودة. واقعنا الحالي شكلته وصاغته القوانين الوضعية وثقافة أخرى، لذلك لابد من تهيئة الأجواء، فهي الأساس الذي يقوم عليه عمل اللجنة. نحن كنا ننزل الى المدارس ورياض الأطفال والجامعات لنعرف الناس بالشريعة ونتعرف على تحفظاتهم ومخاوفهم. وواجهنا كذلك مسألة القبلية وحاولنا دعم المواطنة في مواجهة النزعة القبلية. اجتهاد بشري ما أعلمه أن أكثر من %95 من الشريعة الإسلامية متروكة للاجتهاد البشري؟ - وهذه مقولة الفقهاء أنفسهم الذين يؤكدون ان النصوص قليلة وان الوقائع والنوازل كثيرة وان الوحي كان يجيب على أسئلة المسلمين وما يقع لهم من حوادث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وتوقف نزول الوحي، واستجد كثير من الوقائع في عهد الخلفاء الراشدين، فكان أن لجأ المجتهدون الى التمسك بالكليات الخمس وهي المحافظة على العرض والمال والدين والنفس والعقل، ثم اجتهدوا لتحقيق ذلك فيما ظهر من المستجدات. تشريعات غربية يرى د. خالد المذكور أن تلاقح الحضارات وتلاقيها يعتبر من أسس الشريعة الإسلامية. فالطب الإسلامي على سبيل المثال مأخوذ من الطب الصيني واليوناني والهندي وغيرها، وهذا لا يتعارض مع الإسلام. ولابد أن نأخذ بالتقدم الحضاري والصناعي في جميع المجالات حسب أوامر الله سبحانه وتعالى لنا. وينطبق هذا بلا حرج على التشريع والقوانين. فقوانين المرور مثلاً لا وجود لها في الشريعة الإسلامية إلا في إطار المبادئ «اعطوا الطريق حقه». ولنا أن نستعين بتشريعاتهم بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وعندئذ تصبح هذه التشريعات التي استعرناها والتي تحقق المصلحة إسلامية. ولعلمك فإن القانون الفرنسي نفسه عندما تنظر إلى فلسفته وأسسه سترى أنه أخذ كثيراً من الفقه المالكي. هذا لا يتعارض مع شريعتنا أبداً، ولو توقفنا عند النصوص والظواهر لضيّقنا على أنفسنا، والقرآن يقول «ما جعل عليكم في الدين من حرج». والعرف، أحد مصادر التشريع في الشريعة الإسلامية، ويعني واقع الناس وثقافاتهم وما تفرزه بيئاتهم التي تختلف وتتنوع الى زراعية وجبلية وساحلية وصحراوية. وعندما ذهب العرب أهل الصحراء إلى مناطق زراعيـة كمصـر والعراق قبلـوا بالأعراف السائدة، وأصبح القبـول بالعرف مبدأ تشريعياً ما لم يتصادم -وليس يتعارض فحسب- مع الشريعة الإسلامية، فالناس في أعيادهم وأفراحهم وعاداتهم أحرار وليس عليهم حرج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©