الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الحروب الافتراضية»

25 أغسطس 2014 22:12
شهدت بدايات القرن الحادي والعشرين العديد من التحولات والتغيرات الجذرية لمفاهيم الحرب ونظرياتها، وأصبح التكيف مع التغيرات الحاصلة أحد أبرز التحديات، التي تواجه السيناريوهات المستقبلية المختلفة للحرب ذات الطبيعة المتغيّرة. ومع التطورات السريعة عرفت المجتمعات البشرية عبر التاريخ أنواعا مختلفة من الحروب البرية والبحرية والجوية، وظهرت أنواع حديثة منها لعل أهمها الحروب الافتراضية، أو ما يسمى بالحروب الإلكترونية على اختلاف أنواعها، التي كثُر الحديث عنها خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، خاصة مع اعتماد فئات كبيرة من المجتمع على العالم الافتراضي، حيث باتت هذه الحروب تؤرق الدول، وتهدد وتنذر بتسميم العلاقات الدولية وافسادها. ولكن عند إلقاء نظرة واقعية على تعريف ما هو العمل الذي يدخل في اطار أعمال الحرب، نجد بأن أي عمل حربي يجب أن يكون ذا خصائص معينة كأن يكون عنيفاً وهادفاً وسياسياً، وبالتالي فإنه ووفقاً للحرب الافتراضية فإنها لا تفي بهذه المعايير، ولا ترقى إلى هذا المفهوم بمعناه الدقيق، فهل يمكن القول بأن الحروب الافتراضية تمثل بالفعل حربا وخطرا حقيقيا، أم أنها مجرد مبالغات إعلامية؟؟!! بما أنه ليس للحرب الافتراضية، أي وجود مادي ملموس على أرض الواقع، إلا أنها تحاكي الحروب التقليدية تماماً، ورغم أنها حرب بلا دماء كونها صراعاً إلكترونياً، إلا أنها تضم في ترسانة أسلحتها مجموعة مختلفة ومتنوعة من الفيروسات الإلكترونية المُدمرة، والمُعدّة خصيصاً لتُحدث تدميراً جوهرياً في بعض مظاهر البُنية الأساسية للمجتمعات البشرية، كمحطات توليد الكهرباء أو محطات تنقية وتوزيع المياه أو انظمة الملاحة الجوية وإرشاد الطائرات في المطارات وغيرها الكثير والكثير، والتي تعتمد جميعها في الأساس على نظام التشغيل الإلكتروني. وإذا أخذنا أمثلة واقعية على الحروب الإفتراضية نجد أن كلاً من روسيا والصين حققت على أرض الواقع تقدماً في استخدام الأسلحة الإلكترونية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر شل الجيش الروسي اقتصاد استوانيا في عام 2007، وحكومة جورجيا ومصارفها الرئيسية في عام 2008. ما يؤكد بلا أدنى شك أن تأثير أي هجوم فيروسي إلكتروني تسببه الحروب الافتراضية على الحكومات والدول، سيفوق حجم الخسائر البشرية والاجتماعية والمالية والاقتصادية الناتجة عن الحروب التقليدية، وسيتجاوز أية خسائر تحققت من هجوم تقليدي وقع علي أي بلد على مر التاريخ. أضف إلى ذلك هناك أنواع اخرى من الحروب الافتراضية بدأت تبرز لدى الإعلام الحديث، كتلك التي تقوم على بث صور مفبركة بهدف إرباك الوضع الأمني لأي دولة ما ويؤدي إلى تأليب الرأي العام. مما يُحتم على الحكومات والدول العمل الجاد لتدارك مثل هذه الهجمات الالكترونية بكافة أنواعها، ذلك أن أي استجابة مرتبكة للبوادر الأولى من الحروب الافتراضية سيسمح بتصاعد العنف والانزلاق إلى مزيدٍ من الفوضى والتدمير للمجتماعات البشرية. وعليه يمكن القول بأن الحروب الافتراضية عبر العالم الإلكتروني أصبحت تُحاكي الحروب التقليدية بشكل عام، ويمكن اعتبارها نوعاً من الحروب، بالمعنى الدقيق للحرب، حيث تُمثل حقيقة مُرعبة ينبغي التعامل معها بوعي تام وبجدية والتهيؤ لاحتمالاتها المختلفة لما لها من تأثيرات. كما ينبغي على المجتمعات الحديثة مواكبة التطورات المتلاحقة لنمط هذه الحروب وتعزيز الاستعدادات الإلكترونية المناسبة للتصدي لأي هجوم إلكتروني يمس أمن وأستقرار هذه الدول من جميع النواحي وسد الثغرات التي تؤدي إلى خلخلتها. فاطمة عبود يسر المهري - باحثة في القانون الدولي الإنساني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©